المعارضة السورية المسلحة تستعيد المبادرة لإسقاط التوسّع الروسي الإيراني

14 سبتمبر 2015
المعارضة سيطرت على عشرات المواقع بريف دمشق (عمار البوشي/الأناضول)
+ الخط -
نجحت المعارضة السورية المسلحة في توجيه ضربة قاسية للمشروع الروسي والإيراني في سورية، إذ استطاع "جيش الإسلام"، أبرز فصائل المعارضة السورية في ريف دمشق، تحرير عشرات المواقع من يد النظام السوري على مقربة من العاصمة، بعد أقل من أسبوع على بدء المعارك، بما فيها قيادة الأركان الاحتياطية قرب ضاحية الأسد وفرع الأمن العسكري في الضاحية. ليشن "الجيش السوري الحر" بعد ذلك بساعات هجوماً مباغتاً على قوات النظام في ريف اللاذقية الشمالي، ويسيطر على مواقع محيطة بقمة النبي يونس، أعلى قمة في جبال اللاذقية، والموقع الاستراتيجي الأبرز.

ولا شك أن العمل الأخير في ريف دمشق لم يأتِ بين ليلة وضحاها، خصوصاً أن الأشهر القليلة الماضية سبقها هجوم لفتح معركة للسيطرة على اللواء 39 الواقع في قلب عدرا بريف دمشق الشرقي، وهو لواء أساسي في سلاح الإشارة للنظام السوري، إضافة إلى أنه يضم كتائب الكيمياء والخدمات الطبية. وعلى الرغم من عدم سيطرة المعارضة على اللواء، إلا أنها تمكنت من ضمان مواقع محيطة به، كجامع العضم ونقطة السفير ونقطة البوايك والحاجز الثالث، قبل أن تنطلق معركة "الله غالب" يوم الثلاثاء الماضي، من محور شرقي نحو تل كردي، وبعد ذلك سجن عدرا، ومحور غربي باتجاه ضاحية حرستا، والسيطرة على الأمن العسكري، ليضمن بذلك "جيش الإسلام" التحكم بالأوتوستراد الدولي.

تأتي هذه الانتصارات في الوقت الذي تزجّ فيه روسيا بكل ثقلها في خدمة النظام السوري، في مسعى للحفاظ على "سورية المفيدة"، والتي تعني ضمان سيطرة النظام على دمشق وحمص والساحل، لتجنّب الدخول في أية مفاوضات سياسية مقبلة تفرض تنحي الرئيس السوري بشار الأسد، بناء على مقررات مؤتمر جنيف 2، خصوصاً بعد إبلاغ فريق المبعوث الدولي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، النظام السوري وأطراف المعارضة بالوثيقتين اللتين تم تسليمهما لتحديد إطار تنفيذ بيان جنيف، وهو ما يبدو أن "جيش الإسلام" قد استوعبه في وقت مبكر من الصراع.

جملة من الأهداف حقّقها "جيش الإسلام" في ريف دمشق، ضارباً عرض الحائط بالمشروع الإيراني الهادف إلى تهجير أبناء ريف دمشق، وإحلال مقاتلين مع عائلاتهم بدلاً عنهم، أهمها السيطرة على الأوتوستراد الدولي الوحيد الذي يصل دمشق بمحافظات الوسط والشمال السوري، والهجوم على مناطق ضاحية الأسد، والتي يقطنها مئات الضباط العسكريين من قوات النظام، ما من شأنه أن يوهن عزيمتهم في ظل الانتصارات المتلاحقة. إضافة إلى سقوط عدد كبير من القتلى في صفوف قوات النظام خلال المواجهات الأخيرة، وهو موثّق من قبل تنسيقيات موالية للنظام نشرت أسماء 111 عنصراً قُتلوا في معركة "الله غالب".

هذه الانتصارات أدت أيضاً إلى إزالة الخلافات التي برزت أخيراً بين فصيلي "جيش الإسلام" و"جيش تحرير الشام" في القلمون الشرقي، وأحلت بدلاً عنها نوعاً من التضامن والتكافل، مع إعلان المتحدث الرسمي باسم "جيش الإسلام" إسلام علوش، أن العمليات "أجبرت النظام على سحب قواته والمليشيات التي تُحاصر الزبداني باتجاه المناطق التي خسرها النظام في ريف دمشق الشرقي". كما طلب من فصائل المعارضة في الزبداني كسر الحصار المفروض على المدينة وقلب طاولة المفاوضات في وجه إيران، ما قد ينسف المشروع الإيراني بأكمله، خصوصاً أن هذه المعارك سمحت لمقاتلي المعارضة بالتقدّم في الجبل الشرقي للزبداني، بسبب عدم قدرة النظام على إحداث التوازن في الجبهتين بالوقت نفسه، لأنه كان يهاجم في الزبداني في ريف دمشق الغربي واضطر إلى الدفاع بعد ذلك في غوطة دمشق الشرقية.

اقرأ أيضاً: المعارضة توسّع هجومها قرب دمشق وقائد جديد لـ"أحرار الشام"

في سياق موازٍ، حقق "جيش الإسلام" فائدة شخصية له، بعد تراجع شعبيته في الغوطة الشرقية، والتظاهرات التي خرجت ضده تطالبه بالإفراج عن المعتقلين، ليكسبه العمل الأخير شعبية في الغوطة، وهو ما قد يُوحّد الصفوف خلفه أكثر في الأيام المقبلة.

وفي هذا السياق، يشيد نائب قائد المجلس العسكري في دمشق وريفها، العقيد الركن خالد المطلق، بالانتصارات التي تحققت، لأن "حجم القوات التي تدافع عن المناطق التي أعلن جيش الإسلام تحريرها كبيرة جداً، والقطعات العسكرية والمنشآت في تلك المنطقة محصنة تحصيناً كاملاً"، موضحاً أن "المعركة لها أهداف تكتيكية عسكرية، ومن ورائها أهداف سياسية".

ويشير المطلق، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "مقاتلي جيش الإسلام سيطروا على جزء من الأوتوستراد الرئيسي، وقطعوا الطريق الواصل بين دمشق وحمص من منطقة تل كردي إلى كازية رحمة"، لافتاً إلى أن "جيش الإسلام وسّع الحصار المفروض عليه من قبل قوات النظام، لكنه لم يكسره، فعناصر جيش الإسلام ما زالوا يتحركون في منطقة تحيط بها قوات الأسد، إذ من الشمال توجد عقدة جسر بغداد، ومن الغرب حفير التحتا والفوقا والتل، ومن الشرق من مطار دمشق الدولي إلى العتيبة إلى الضمير، ومن الجنوب دمشق المدينة والمتحلق الجنوبي وطريق المطار الدولي، أما من الناحية الجنوبية الغربية لضاحية حرستا فهناك بساتين برزه، وهذا يوصل إلى برزه المحاصرة من خلال هذه البساتين".

ويعلن القيادي العسكري أن هذه المعركة "مخططٌ لها ومتفق عليها من غرفة الموك في الأردن، وذلك لتحقيق هدف آخر وهو الرد على الحشود الروسية التي تأتي إلى الساحل، وإظهار قوة المعارضة المعتدلة"، مستبعداً "الدخول إلى دمشق الآن، فالأمور ما زالت في بداياتها".

من جهته، يؤكد المحلل والخبير الاستراتيجي، فايز الدويري، لـ"العربي الجديد"، أن "الإنجازات التي تحققت خلال اليومين الماضيين جيدة، ويمكن البناء عليها إذا استُغلت بشكل صحيح"، مشيراً إلى أن التدخل الروسي العسكري في سورية وقيادة إيران للمفاوضات في الزبداني، كانا دافعين قويين في معركة ريف دمشق، إضافة إلى اكتمال التحضيرات نسبياً".

ولم تمضِ ساعات قليلة على إعلان "جيش الإسلام" تحرير عشرات المناطق، حتى بدأت الفرقة الساحلية الأولى (أقوى فصيل في جبلي الأكراد والتركمان المحررين، ويتبع للجيش الحر) هجوماً مباغتاً ضد قوات النظام في ريف اللاذقية، فيما يبدو كرد على التحرك العسكري الروسي الأخير ودعمه النظام السوري بالسلاح والعتاد.

ويتبين ذلك من خلال سيطرة المعارضة على تل قبر حشيش وتل الزراعة وتل جب الأحمر، وهذه المناطق تقع في محيط قمة النبي يونس في جبال التركمان، وهي القمة الأعلى والأكثر استراتيجية في المنطقة، ومن غير المستبعد أن يبدأ النظام عملياته بناء على الدعم العسكري الروسي منها، ولذلك بدا وكأن فصائل المعارضة توجّه إنذاراً مبكراً لروسيا.

اقرأ أيضاً: المعارضة تتقدّم بريف دمشق لفصل العاصمة عن الساحل

المساهمون