المعارضة الجزائرية تتجاوز مطلب الـ102... بلا موقف موحد

16 سبتمبر 2017
ظهور بوتفليقة خلال الانتخابات النيابية في مايو الماضي(بشير رمزي/الأناضول)
+ الخط -
عدلت أغلب قوى المعارضة الجزائرية من مواقفها إزاء مطلب تطبيق المادة 102 من الدستور، والتي تنص على حالة الشغور الرئاسي، بسبب مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. وباتت هذه القوى تعتبر أن تطبيق تلك المادة في الوقت والمناخ السياسي الراهنين، قد يسمح لمجموعة الحكم الحالية بتبادل أدوار سياسية في ما بينها، من دون أي تغيير سياسي حقيقي في البلاد.

وبخلاف المطالبات السياسية السابقة بشأن إقرار شغور رئاسي في الجزائر والدعوة إلى انتخابات رئاسية مسبقة، أعادت قوى المعارضة الرئيسية في البلاد تقدير الموقف السياسي، وأعلن أكثر من حزب معارض اعتراضه على مطلب تطبيق المادة 102 من الدستور. أبرز القوى السياسية المناوئة لحكم وسياسات بوتفليقة، مثل حزب "طلائع الحريات" الذي يتزعمه رئيس الحكومة السابق، المنافس الأبرز لبوتفليقة في انتخابات 2004 و2014، علي بن فليس، تجاوز مطلب تطبيق المادة 102 الدستورية، ودعا في المقابل إلى حل سياسي ينبثق من حوار جدي بين السلطة ومكونات المشهد السياسي في الجزائر. وأكد بيان أصدره الحزب، أخيراً، أن "معالجة الأزمة السياسية الشاملة، لا تتم سوى عن طريق التشاور الجاد والحوار الحقيقي الجامع، وأن الحلول الحقيقية لن تكون ممكنة إلا من خلال الحوار". وأضاف أن "لا حل من دون معالجة الأزمة السياسية ومن دون إصلاحات هيكلية واقتصادية واجتماعية حقيقية ومن دون حوار حقيقي يشمل كل الأطراف وكل الإرادات وكل القوى الفاعلة في المجتمع"، وفق تعبيره.

واقترح الحزب الذي قرر أيضاً المشاركة في الانتخابات المحلية بعد مقاطعته الانتخابات البرلمانية، في مايو/أيار الماضي، خطة سياسية من ست نقاط، تتعلق "بالعودة إلى سيادة الشعب (إذ) يتعين تنظيم انتخابات رئاسية حرّة وشرعية وشفّافة على جميع المستويات، وإسناد تحضير وتنظيم ومراقبة كل العمليات الانتخابية إلى هيئة مستقلة سيدة، تكون هياكلها ووسائلها وصلاحياتها محل اتفاق بين كافة القوى السياسية"، بحسب موقف حزب "طلائع الحريات". وربط الحزب بين هذه الخطوات وبين ضرورة "أن يسعى رئيس الجمهورية المُنتخب إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، يليه عقد مؤتمر وطني جامع يهدف إلى وضع ميثاق توافقي، يتضمن تعهدات تلتزم القوى السياسية باحترامها" بهدف "تفادي كل أشكال الانحرافات والانزلاقات، ثم إقرار مشروع دستور جديد للبلاد يعرض تباعاً على ممثلي الشعب والاستفتاء المباشر"، وفق ما جاء في البيان. كما طالب الحزب بأن "يضمن الجيش (الجزائري) مرافقة وضمان هذا المسار وضمان احترام محتويات الميثاق التوافقي".

وأعرب رئيس الحزب علي بن فليس، عن اعتقاده بأن هذا المسار تفرضه "ظروف الراهن المشوب بشغور السلطة، وأزمة النظام السياسي، والأزمة السياسية والمؤسساتية". وأضاف أن "هذا الواقع قائم وملموس ومؤكد ولا يمكن تسيير شؤون الدولة بأساليب كهذه، وأن هذا لا يمكن أن يشكل نمط حكم جاد ولا أن يشرعن قرارات وسياسات لا تبرير لها سوى المصالح الناتجة عن المحاباة والزبائنية، ولا أهداف له سوى المحافظة على الوضع الراهن وتمديد الأمر الواقع والإبقاء على الجمود وانعدام الحركة"، وفق تعبير بن فليس.


وفي هذا السياق، يبدو أن حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" المعارض، بصدد تجاوز مطلب تطبيق المادة 102 من الدستور. واعتبر الحزب في بيان له، أن تطبيق هذه المادة سيتيح للنظام الجزائري "استبدال مجموعة حكم بمجموعة أخرى، وإجراء تغيير داخلي للخروج من التخبط الملحوظ حول تسيير الحكم الناجم عن عجز السلطة على احتواء الصراعات الداخلية". واعتبر الحزب أن البلد قد "دخل مرحلة يمكن أن يحدث فيها ما هو أخطر وأسوأ"، في إشارة منه إلى أن الأمر لم يعد أولوية سياسية في مقابل الوضع الخطير الذي انتهت إليها البلاد. وأيدت حركة "مجتمع السلم"، أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر، هذا الموقف، إذ اعتبرت أن طرح قضية الشغور الرئاسي والمادة 102، هو "تشويش على الاستحقاقات السياسية المقبلة" والمتعلقة بالانتخابات البلدية المقررة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

ورأى مراقبون أن تعديل مواقف الأحزاب الفاعلة في المعارضة إزاء قضية الشغور الرئاسي، تتعلق بمخاوف جدية من تطورات مقلقة في البلاد، خاصةً تزامنها مع أزمة مالية حادة. وأعلن رئيس الحكومة، أحمد أويحيى، أن الحكومة قد تواجه مأزق عدم وجود الموارد المالية الكافية لدفع أجور الموظفين لشهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ما دفعها إلى إقرار طبع إضافي للأوراق النقدية.

وفي هذا السياق، أشار المحلل السياسي، أحسن خلاص، إلى أن المعارضة لا تبدو جاهزة من الناحية التنظيمية والسياسية لطارئ تطبيق المادة 102 من الدستور والمتعلقة بإقرار شغور رئاسي يؤدي إلى انتخابات رئاسية مسبقة، وهو ما يدفع قوى المعارضة، مع إقرارها بالشغور الرئاسي وغموض الموقف في مؤسسة الرئاسة، إلى تفضيل خيار مسايرة الوضع الراهن، لغاية الانتخابات الرئاسية المقبلة بسبب قرب موعدها في ربيع 2019، وهي فترة كافية بالنسبة لقوى المعارضة لبدء العمل على الخيارات الممكنة في هذه الانتخابات، وفق قوله.

ويشار إلى أن عدم استقبال الرئيس بوتفليقة للرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، الذي زار الجزائر الأحد الماضي، لمدة يومين، يثبت مدى صعوبة الوضع الصحي لبوتفليقة. وهذا ما كان بادياً بوضوح خلال ترؤسه قبل أسبوعين اجتماع مجلس الوزراء، إذ لم يدم ظهوره على شاشة التلفزيون سوى أقل من دقيقة. ويعزز هذا الوضع من موقف القوى المعارضة التي تتمسك بمطلب تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة، كحزب "جيل جديد" الذي يشدد في بياناته الأخيرة على مطلب تطبيق المادة 102، وبانتخابات رئاسية مسبقة. لكن المعارضة لا تبدو جاهزة بشأنها، وهو ما قد يتيح للسلطة الحالية، في حال توفرت ظروف الانتخابات المسبقة، خلافة الرئيس بوتفليقة بأقل كلفة، مستفيدةً أيضاً من تشتت المعارضة وعدم توافقها في أربع انتخابات رئاسية سابقة منذ عام 1999، على مرشح واحد لدعمه، مقابل اجتماع عدد الأحزاب والتنظيمات على دعم ما تصفه السلطة بمرشح الإجماع.