المعارضة الباكستانيّة وجولة احتجاجات جديدة

30 نوفمبر 2014
هدّدت السلطات بإلقاء القبض على خان (رضوان تاباسوم/فرانس برس)
+ الخط -

تستعد باكستان لمرحلة جديدة من الحراك الاحتجاجي، يقودها زعيم حركة الإنصاف ونجم لعبة "الكركت" السابق، عمران خان، بدءاً من نهاية الشهر الحالي. وتنظّم الحركة في الثلاثين من الشهر الحالي، تظاهرة كبرى في إسلام آباد، قد تنضمّ إلى الاعتصام المفتوح الذي ينظمه أنصار خان منذ منتصف شهر أغسطس/آب الماضي، بهدف الإطاحة بحكومة رئيس الوزراء نواز شريف، والتي يعتبر خان وأنصاره أنّها جاءت نتيجة انتخابات مزوّرة أجريت عام 2013.

وتستعدّ حركة الإنصاف للمرحلة الجديدة من الحراك الاحتجاجي، التي قد تمتدّ إلى معظم المدن الباكستانية، من خلال اجتماعات حاشدة ومسيرات تحضّ من خلالها الشعب الباكستاني على المشاركة في الاحتجاجات التي وصفها خان بالمعركة الفاصلة لإنشاء باكستان جديدة.
وناشد خان، في اجتماع عقده الأحد الماضي في مدينة كوجرانولا، في إقليم البنجاب، أنصاره وجميع المواطنين، الخروج إلى الشوارع والانضمام إلى "الحراك الاحتجاجي لمستقبل باكستان"، على حدّ تعبيره، مشدداً على أنّه "إذا استخدمت الحكومة القوّة في التصدّي للمحتجين، فإنّ الحركة مستعدة للدفاع عن أنصارها".

في المقابل، قرّرت الحكومة الباكستانيّة أن تتعامل مع الاحتجاجات الجديدة بحزم، إذ لن تسمح لها بالدخول إلى إسلام آباد، في وقت تستعدّ فيه لإنهاء الاعتصام الحالي لأنصار خان، أمام مبنى البرلمان، الذي يستمرّ منذ شهر أغسطس/آب الماضي، على الرغم من تضاؤل عدد المشاركين فيه.
ويقول مسؤول رفيع المستوى في الحزب الحاكم لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحكومة قرّرت نهائياً عدم السماح لاحتجاجات خارجة عن القانون، بالدخول إلى المنطقة الحمراء"، لافتاً إلى أنّ "السلطات الأمنيّة قد تقوم باعتقال عمران خان إن دعت الحاجة إلى ذلك".
ولوّح وزير الداخليّة، شودري نثار، باللجوء إلى القوّة. وقال، في مؤتمر صحافي عقده بهذا الخصوص، إنّ الحكومة ستتعامل بيد من حديد مع أي محاولة للإخلال بالنظام والاستقرار. مشيراً إلى أن "الحكومة تسمح بالاحتجاجات السلمية، لكن تهديدات خان وحليفه شيخ رشيد، زعيم حزب الرابطة لعامة المواطنين، تشير إلى أنهما يستعدان لخلق فوضى في البلاد، الأمر الذي لا نسمح به أبداً".

وفي خطوة خطيرة، تُنذر بتصاعد الأزمة بين الطرفين، أعلنت الحكومة الباكستانيّة وقف الحوار مع المعارضة. وأشار وزير الداخلية إلى أنّه "في ظلّ تهديدات متكررة لعمران خان وقيادات حزبه، لا يمكن عقد المفاوضات"، موضحا أن "الحكومة قررت نهائياً استخدام الطرق القانونيّة في التعامل مع كلّ من يخرج عن نطاق القانون".

واعتذرت الأحزاب التي تولّت دور الوساطة بين الطرفين، خلال الشهرين الماضيين، وعلى رأسها الجماعة الإسلاميّة التي يتزعّمها سراج الحق وقيادات في حزب الشعب الباكستاني الذي يتزعّمه الرئيس السابق آصف زرداري، عن عدم القيام بوساطة جديدة، بعد أن باءت محاولاتها المتكرّرة بالفشل، نتيجة إصرار كل طرف على موقفه.

وفي محاولة اعتبرتها الأوساط السياسيّة الباكستانيّة مهمّة لإنهاء الخلافات بين الحكومة والمعارضة، وإقناع خان بالتراجع عن قراره بتنظيم تظاهرة، التقى السفير الأميركي لدى إسلام آباد ريتشارد أولسن، يوم السبت الماضي، بخان. وفي موازاة إشارة الناطقة باسم حركة الإنصاف، شيرين مزاري، إلى أنّ "اللقاء مع السفير الأميركي عُقد بناء على طلب الأخير، لمناقشة الأوضاع السياسيّة الراهنة في البلاد"، توضح مصادر حكوميّة أنّ أولسن حاول إقناع خان بترك الاحتجاجات، من دون أن يتمكّن من ذلك.

وفي هذا الصدد، تقول بعض الصحف المحليّة إنّ السفير الأميركي استطاع فعلاً أن يقنع خان بإنهاء الحراك الاحتجاجي، مستدلّة إلى ما أشار إليه، الأحد الماضي، بقول لأنصاره في مدينة كوجرانوالا، إنّ "استراتيجيته قد تتغيّر نظراً للإجراءات التي تتّخذها الحكومة لمواجهة التظاهرة الكبرى".

في المقابل، تستبعد مصادر مقربة من خان هذا الأمر، وتصرّ على أنّ أولسن لم ينجح في مهمته. لكن يبقى أنّ الاجتماع بين الطرفين بمثابة مؤشّر على أنّ شريف، وكما أنّه يحظى بدعم المؤسّسة العسكريّة الباكستانيّة ومعظم الأحزاب السياسيّة والدينيّة، فهو يتمتّع أيضاً بتأييد أميركي.
وكانت السفارة الأميركيّة لدى إسلام آباد، قد أصدرت بيانات عدّة منذ بداية الاحتجاجات والاعتصامات، أكدت فيها أن بلادها تؤيد حكومة نواز شريف، التي وصفتها بالحكومة الديمقراطيّة.
يُذكر أنّ عالم الدين وزعيم حركة "منهاج القرآن" و"الحركة الشعبية"، طاهر القادري، الذي قاد الحراك الاحتجاجي مع خان خلال الشهرين الماضيين، قرّر خوض الانتخابات، وعدم الانضمام إلى الاحتجاجات المقبلة. وكان الجميع يتوقعون أن يعلن تأييده لخان ويطالب أنصاره بالخروج في الثلاثين من الشهر الحالي، على غرار ما فعله في بداية الحراك الاحتجاجي، لكنّه طالب أنصاره، في كلمة له في مدينة بهكر في إقليم البنجاب، الأحد الماضي، بتنظيم صفوفهم والاستعداد للانتخابات البلديّة المقرر إجراؤها خلال أشهر.

في المحصلة، يبدو واضحاً أنّ حكومة شريف ليست في خطر، إذ إنّها تحظى بدعم المؤسّسة العسكريّة الباكستانيّة والولايات المتحدة الأميركيّة. لكن في حالة الصدام بين الطرفين، ستتدخّل المؤسّسة العسكريّة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ومن المحتّم حينها، تنحّي شريف من منصبه، لذا يوصي المراقبون والخبراء الحكومة بعدم استخدام القوة واتباع طرق قانونيّة في التعامل مع المحتجّين.

المساهمون