المطبخ يدمج اللاجئين في أوروبا

12 يوليو 2017
تجربة مفيدة للطرفين (العربي الجديد)
+ الخط -
لم يكن أحمد خضر، وهو لاجئ عراقي، ليلتقي بلوران بوتلييه ودنيه برات اللذين يملكان مطعماً في العاصمة الأوروبية والبلجيكية بروكسل، لولا مبادرة مطبخ اللاجئين التي انطلقت من باريس السنة الماضية لتصل إلى بروكسل هذا العام، بعد كلّ من بوردو وأثينا ومدريد وأمستردام.

في بروكسل استقبل العديد من المطاعم طباخين من العراق وأفغانستان وإيران. هؤلاء طهاة لاجئون لكنّهم لا يملكون مطابخ، إذ تغيرت حياتهم رأساً على عقب بسبب النزاعات التي فروا منها. تقول مارينا ماندريلا، وهي إحدى المساهمات في المبادرة، لـ"العربي الجديد": "انطلقنا من فرضية أنّ وصول المهاجرين إلى أوروبا يساهم في انتشار كثير من الصور النمطية عن الآتين الجدد، إذ نميل غالباً إلى نسيان أنّ هؤلاء الناس هم مثلنا، لديهم المعرفة الثقافية والخبرات في مجال الطبخ. لذلك، فإنّ من المهم تطوير هذه المواهب هنا في بلدان الإقامة".

تضيف: "من هنا انطلقت فكرة أن نطلب من المطاعم الباريسية أن تفتح مطابخها، أي المكان الأكثر أهمية بالنسبة للطهاة، لطباخين لاجئين معروفين في بلدانهم". تشير إلى أنّ عدد المطاعم المشاركة في باريس وصل إلى أحد عشر مطعماً العام الماضي، وهو أيضاً نفس عدد المشاركين تقريباً في بروكسل هذا العام. والهدف من هذه المبادرة، كما تقول ماندريلا، التي تعشق الطبخ والسفر، هو "تغيير نظرة المواطنين للاجئين ومحاولة توفير فرص عمل لهم في هذا القطاع وخلق لحظة إيجابية وموحدة حول طاولة الأكل".

وبالفعل، وجهت الدعوة إلى أحمد خضر للمشاركة في هذه المبادرة بعدما ذاع صيته في الملجأ الذي يقيم فيه والذي تكفل بتسيير مطعمه. فبعد اطلاع المنظمين على سيرة حياته اعتبروه مرشحاً مهماً. وكان خضر قد وصل إلى بلجيكا عام 2015، بعدما فقد جزءاً من عائلته في بغداد حيث كان يعمل في مطعم عائلي.

يبدو أحمد منهمكاً على الدوام في عمله على وقع موسيقى عربية. يقول لـ"العربي الجديد": "أعتقد أنّ مشروع فتح مطعم عراقي هنا سيلقى نجاحاً إذ سيشهد المطعم إقبالاً كبيراً". يضيف: "أنا أحب عملي وما أقوم به. وعندما تحب عملك فإنّ الأمور دائماً تكون جيدة". محادثة يبدو أنها تنقله إلى ذكريات أنسته الطبق الذي كان يسهر عليه، ليتدخل أحد العاملين من أجل إنهائه.

يحارب أحمد الأحكام المسبقة التي تنتشر حول المهاجرين واللاجئين. وفي مناوشات في المطبخ بعيداً عن الزبائن الذين يتذوقون الأطباق بنهم، تقول إحدى السيدات: "لقد جئنا لدعم فكرة أنّ هؤلاء الناس لديهم أيضاً مهنة ويكافحون من أجل ممارستها هنا".

من جهتها تقول فانيسا سانن، من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لـ"العربي الجديد": "الوضع في أوروبا ليس إيجابياً بالنسبة للاجئين. لكنْ في بلجيكا، هناك دائماً تضامن كبير، ومن المهم التأكيد عليه. فالمطاعم مليئة، وهذا مهم لمواجهة هذا الوضع المؤلم". تشير إلى أنّ المبادرة مكّنت مجموعة من اللاجئين في باريس من إيجاد فرص عمل بعد عملها المؤقت: "الجميع يحب الأكل... الطبخ يغير آراءهم. لذلك، فنحن في حاجة إلى العمل الفعال من أجل إنجاح هذه العملية، كما أنّ على اللاجئين أيضاً تحمّل المسؤولية".



بالرغم من اعتراف أحمد، بنوع من الحزن، أنّه تعب من الانتظار من أجل الحصول على وثائقه الرسمية، فإنّه لا يتردد في الابتسام وهو يقول: "طعم الأكل اليوم شبيه بما نطبخه في العراق". ملاحظة يعلق عليها صاحب المطعم والطباخ الرئيسي دنيه برات: "لا أعد أنّ مطبخي سيكون الآن متأثراً بالطبخ العراقي، لكنّي متأكد من أنني سوف أستثمر في بعض العناصر التي اكتشفتها من أحمد كالتوابل وغيرها". يعتبر برات أنّ التجربة كانت جيدة إذ إنّ "طاولة الأكل هي أسهل وسيلة للاتصال. نحن نأكل كلّ يوم، وهذا شيء ينبغي أن يروق لنا ونتلذذ به. لذلك، فتعزيز التقارب ما بين الثقافات عبر الطبخ هو شيء مهم بالنسبة إلينا". يقول برات: "أشعر أنّي قريب من أحمد في كلّ ما يتعلق بالمطبخ، من خلال اختيار المنتجات المستعملة وكيفية الطبخ باحترام معايير معينة".

المطعم الذي أنشئ عام 2014 يسعى جاداً إلى الحفاظ على الزبائن عبر تقديم وجبات مختلفة كلّ يوم معدّة بعناية فائقة، وإدماج طباخ جديد في الطاقم العامل يعتبر تحدياً. يفسر برات: "لقد كان استقبال شخص جديد للعمل معنا أمراً معقداً بعض الشيء، خصوصاً أنّ عليه الاندماج بسرعة. لكنّ التجربة كانت جيدة بالرغم من تخوفنا". بالفعل، أصبح الطبق العراقي جزءاً من الأطباق التي لقيت إقبالاً كبيراً من جانب الزبائن.

في الوقت الذي كان يستعد فيه أحمد للعودة إلى الملجأ، قبل يوم عمل جديد، يقول برات: "سوف نظل على اتصال على المستوى الإنساني على الأقل. ومن المؤكد أنّنا إذا قررنا يوماً توسيع فريق العمل فسنستقبله بيننا. وإذا طلب منا زميل أن نعرّفه بطباخ جيد فسوف نعرّفه على أحمد". يؤكد أنّ المطعم سيشارك في هذه المبادرة العام المقبل، لاستقبال لاجئ آخر.
وتحظى هذه المبادرة بدعم من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة التي تتمنى أن تتمدد إلى مدن أوروبية أخرى وأن تنتقل إلى قطاعات مختلفة كذلك.

المساهمون