المصالحة ورقة مساومة

08 يوليو 2018
+ الخط -
فجأة، ومن دون سابق إنذار، يقفز ملف المصالحة الفلسطينية من جديد إلى واجهة الأحداث. لقاءات وزيارات وكلام من هنا وهناك عن تسوياتٍ واحتمال اتفاقات. لكن كالعادة لم يعد كثيرون من الفلسطينيين يعولون على هذا الملف، خصوصاً أن قناعةً عامةً باتت مترسّخة بأن طرفي الانقسام يستخدمان المصالحة ورقة مساومة وضغط في مواجهة الحالات السياسية المتردّية التي يعيشانها، فالأمران أصبحا مرتبطين ببعضهما بعضا، فكلما زادت الضغوط على السلطة الفلسطينية أو حركة حماس، يجري تحريك ملف المصالحة باعتباره "أساس مواجهة المخططات التي ترسم للقضية الفلسطينية". هذا الشعار رفع في أكثر من مناسبة، ومن الطرفين، غير أنه من الواضح لم يكن يوماً حقيقياً بما فيه الكفاية، لتكون له ترجمة عملية على أرض الواقع، فغالباً ما تصطدم محاولات المصالحة باعتبارات المحاصصة وتقاسم النفوذ بين الطرفين، وتخرج "مواجهة المخططات" من الحسابات.
المشهد التصالحي الحالي، والذي لم يظهر خيرُه من شره بعد، يبدو أنه يأتي بناءً على رغبة السلطة الفلسطينية بالدرجة الأولى، وبدرجة أقل من حركة حماس، كل لاعتباره. فالسلطة تشعر اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بعزلتين، داخلية وخارجية، خصوصاً بعد الترتيبات الأميركية القائمة بشأن ما تسمّى صفقة القرن، والجولات التي قام بها جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والمبعوث الأميركي للشرق الأوسط جيسون غرينبلات، والتي استثنت المسؤولين الفلسطينيين، على الرغم من أن المشاورات من المفترض أن تكون بالأساس حول "حل" القضية الفلسطينية. و"الحل" هنا عملياً تصفية القضية والانتهاء من تداعياتها بما تيسر، وذلك بموافقةٍ عربيةٍ غير مسبوقة. السلطة تجد نفسها في موقفٍ حرج، كالعادة في كل مناسبة من هذه، تلجأ إلى ملف المصالحة، باعتباره السلاح الذي تواجه به إسرائيل والولايات المتحدة، وحتى الدول العربية المصنفة "معتدلة"، والتي تناصب حركة حماس العداء. هو ورقة ضغط وتحذير مبطن موجّه إلى هؤلاء، مضمونه أنه، في حال استمر الضغط والتهميش، فإن السلطة باستطاعتها التماهي، إلى حد ما، مع "حماس"، والتوجه نحو موقفٍ أكثر راديكالية في ما يخص التسوية والعملية السلمية، غير أن هذه الرسالة لا تجد أصداءً لدى الأطراف الموجهة لهم، لعدة اعتبارات، أولها أنها ليست المرة الأولى التي تقدم السلطة على مثل هذه الخطوة، وتدرك هذه الأطراف أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، ليس جاداً بالتوجه إلى مصالحةٍ تؤدي إلى تقاسم الحكم مع "حماس"، وهو يفضل بقاء الوضع على ما هو عليه على إقامة شراكةٍ حقيقيةٍ مع الحركة الإسلامية، والتي بدورها أيضاً لن ترضى بأقل من هذه الشراكة. كذلك هناك نوع من الاطمئنان إلى أنه ليس في مقدور أبو مازن، وبحسب تكوينه وتفكيره، الذهاب إلى استراتيجيا مواجهةٍ فعليةٍ مع الولايات المتحدة و"الدول العربية المعتدلة"، أو الانسحاب كلياً من العملية السلمية التي يعول عليها منذ ما قبل وصوله إلى رئاسة السلطة الفلسطينية.
على هذا الأساس، فإن الرسالة التي يُراد من اجتماعات المصالحة، توجيهها، وصلت سلفاً، ولا يبدو أنه سيكون لها تأثير على القرار الأميركي أو التحول العربي باتجاه الموافقة على تهميش السلطة الفلسطينية، وهو ما يعني أن أمام السلطة واحدا من خيارين: إما المضي بشكل فعلي باتجاه المصالحة، باعتباره الحل الأساس للمواجهة، والتعامل معها من هذا المنطلق، وبأنها ليست باباً للمحاصصة، وهو الأمر نفسه الذي على "حماس" التفكير به، أو الانسحاب مجدّداً من الاتفاقات والتعهدات، والعودة إلى التقوقع خلف الراعي الأميركي وحلفائه من العرب، وانتظار ما قد تجود عليها به "صفقة القرن" الموعودة والمشؤومة.
الخيارات ليست كثيرة، والوقت لا يلعب في مصلحة السلطة.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".