ما يُصيب معظم الجزائريّين من خير أو شرّ يرتبط بالقدر والمكتوب، أو أن هذا ما يؤمنون به لتبرير كل ما يتعرضون له في حياتهم. ويرى البعض أن هذا "التسليم" يمنع المواطنين من التقدم في حياتهم وتحقيق النجاح
"المكتوب المكتوب والكاتبة تأتي"، "المكتوبة على الجبين ما ينحوها اليدين"، "هكذا حب ربي"، "مقدرة"، وغيرها. عبارات وحكم تلخّص كيف "يستسلم" عدد كبير من الجزائريّين لكلّ ما يتعرّضون له في حياتهم. يرتبط ذلك بإيمان البعض بالقضاء والقدر، أو ربّما هي الروح الاتكاليّة التي تغلب على السلوك الاجتماعي في البلاد.
ويحفل الرصيد اللغوي الجزائري بعبارات كثيرة تلخّص الواقع الاجتماعي، كالفشل أو الإخفاق في تحقيق أمر ما وغيرها. وإذا ما وجد المواطن نصفه الآخر، يقول إنه "نصيب ومكتوب".
ولا يغيب القدر والمكتوب عن تعليقات وأحاديث الجزائريّين. من "لم يتزوج أو رسب في الدراسة أو عجز عن إيجاد عمل أو مسكن، يقول إن (السبب هو المكتوب والقدر)، من دون طرح أسئلة تتعلّق بالاجتهاد. ولا دخل له بأي فشل، إذ إنه من السماء". هذا ما تقوله لويزة، التي تعمل في مستشفى مصطفى باشا، وسط العاصمة، وتشير إلى أن معظم الجزائريين يعتقدون أن اليد قصيرة، وهناك أقدار تتحكم في مسارات الناس.
نسبة كبيرة من الجزائريّين تؤمن بالقضاء والقدر، وهذا قد يقودنا باتجاه نقاش فلسفي عميق يعود إلى عقود سابقة. ويرى بعض العقلانيين في البلاد أن الإيمان المطلق بما هو مكتوب دلالة على روح الاتكالية بين الجزائريين. في هذا السياق، يقول وجدي، وهو طالب جامعي في قسم علم الاجتماع: "يجتاز بعض الجزائريين نصف الطريق ويفشلون في النهاية، ثم يقولون إن ما حدث لهم مكتوب من الله. وهذا يكرّس لدى الأشخاص الاتكال من دون السعي إلى العمل والاجتهاد". أما محمود (63 عاماً)، فيُحمّل شباب اليوم المسؤولية، قائلاً إنهم لا يحاولون إيجاد حلول والحصول على عمل شريف ولو مؤقت، بل يربطون "البطالة بالحظ والمكتوب، وكأنه قدر محتوم. والحل الوحيد هو الهجرة وكأن الجنة ستتحقق في المكان الجديد الذي سيذهبون إليه".
اقــرأ أيضاً
وفي أحيانٍ كثيرة، يصعب إقناع بعض الجزائريّين بأن تحقيق الأهداف أو الرغبات يتحقّق من خلال الإصرار أو العمل الدؤوب. وينسحب الأمر على الوظائف أيضاً، إذ إن إيجاد فرصة مناسبة من عدمها يرتبط بقدر الشخص، بنظر هؤلاء، وإن القدر أو "المكتوب" مسؤول عما يحدث للأشخاص، وليس مساعيهم اليومية. وغالباً ما لا يختلف اثنان لدى الحديث عن النجاح في العمل على سبيل المثال، أو بدء مشروع ما لناحية ربطه بالقدر، وإن كان البعض يرى أن الأمر يرتبط بـ"النفس الطويل والسعي إلى تحقيق النجاح".
إلى ذلك، يتجلى مدى إيمان عدد كبير من الجزائريين بالقدر والمكتوب من خلال الأغنيات الشعبية والتراثية. وبطبيعة الحال، تستوحى هذه الأغنيات من الواقع المعاش. حتى أن المغنين الشباب الذين يؤدون أغنيات الراي يستخدمون عبارات القدر في أغنياتهم. الشاب عز الدين، وهو أحد مغني الراي في الجزائر، غنى أغنية تحمل عنوان "كتب المكتوب". أما الراحل حسني، فكتب أغنية تحمل عنوان "لا تقولي لي المكتوب".
إلى ذلك، يقول الباحث في علم الاجتماع عبد الغني شلوش، لـ"العربي الجديد": "هذه الكلمات المحبطة والسالبة للقدرة والقوة والعزيمة تعد جزءاً من يوميات الجزائريين". ويرى أنّها تكبلهم وتعطّل تقدّمهم وتمنعهم من تكرار المحاولة والإصرار على نيل مبتغى معين. يضيف أنه سعياً نحو تخفيف وقع الفشل على الشخص، يلجأ إلى ربط كل ما يحدث بـ"المكتوب" الذي لا يمكنه أن يتحداه أو يواجهه، الأمر الذي قد يقوده إلى مزيد من الفشل.
ولا بد من الإشارة إلى أن الزوايا الدينية لعبت دوراً في تكريس هذا الأمر، خصوصاً خلال عهد الاستعمار الفرنسي، كونها مؤثرة في البنية الاجتماعية.
ويصطدم المكتوب، كمفهوم اجتماعي، مع العلم، إذ يؤمن جزائريّون بأنّ أي نجاح أو فشل يرتبط بالقضاء والقدر. ورغم العمل على تطوير قطاع التعليم في البلاد على مدى سنوات طويلة، تبقى بعض المعتقدات الاجتماعية، خصوصاً تلك المتعلقة بالقدر، قائمة. واللافت أنّه حتى بعض الجامعيين يؤمنون بهذه المعتقدات. لكنّ الباحث في علم الاجتماع ضيف محمد، يقول إن الأمر ليس بهذا السوء، إذ أن عدداً من الجزائريّين، خصوصاً الشباب منهم، تجاوزوا هذه المعتقدات، لافتاً إلى أن محاولات الهجرة غير الشرعية تعكس رفض الشباب للقدر أو المكتوب. يضيف أن عدداً من الشباب يُلاحقون أحلامهم، ويرفضون التسليم بما هو "مكتوب". هؤلاء باتوا يؤمنون بعقيدة جديدة يلخّصها المثل الجزائري "بوجي تاكل الروجي"، يعني تحرك وإعمل بجد لتأكل أفضل أنواع السمك.
اقــرأ أيضاً
"المكتوب المكتوب والكاتبة تأتي"، "المكتوبة على الجبين ما ينحوها اليدين"، "هكذا حب ربي"، "مقدرة"، وغيرها. عبارات وحكم تلخّص كيف "يستسلم" عدد كبير من الجزائريّين لكلّ ما يتعرّضون له في حياتهم. يرتبط ذلك بإيمان البعض بالقضاء والقدر، أو ربّما هي الروح الاتكاليّة التي تغلب على السلوك الاجتماعي في البلاد.
ويحفل الرصيد اللغوي الجزائري بعبارات كثيرة تلخّص الواقع الاجتماعي، كالفشل أو الإخفاق في تحقيق أمر ما وغيرها. وإذا ما وجد المواطن نصفه الآخر، يقول إنه "نصيب ومكتوب".
ولا يغيب القدر والمكتوب عن تعليقات وأحاديث الجزائريّين. من "لم يتزوج أو رسب في الدراسة أو عجز عن إيجاد عمل أو مسكن، يقول إن (السبب هو المكتوب والقدر)، من دون طرح أسئلة تتعلّق بالاجتهاد. ولا دخل له بأي فشل، إذ إنه من السماء". هذا ما تقوله لويزة، التي تعمل في مستشفى مصطفى باشا، وسط العاصمة، وتشير إلى أن معظم الجزائريين يعتقدون أن اليد قصيرة، وهناك أقدار تتحكم في مسارات الناس.
نسبة كبيرة من الجزائريّين تؤمن بالقضاء والقدر، وهذا قد يقودنا باتجاه نقاش فلسفي عميق يعود إلى عقود سابقة. ويرى بعض العقلانيين في البلاد أن الإيمان المطلق بما هو مكتوب دلالة على روح الاتكالية بين الجزائريين. في هذا السياق، يقول وجدي، وهو طالب جامعي في قسم علم الاجتماع: "يجتاز بعض الجزائريين نصف الطريق ويفشلون في النهاية، ثم يقولون إن ما حدث لهم مكتوب من الله. وهذا يكرّس لدى الأشخاص الاتكال من دون السعي إلى العمل والاجتهاد". أما محمود (63 عاماً)، فيُحمّل شباب اليوم المسؤولية، قائلاً إنهم لا يحاولون إيجاد حلول والحصول على عمل شريف ولو مؤقت، بل يربطون "البطالة بالحظ والمكتوب، وكأنه قدر محتوم. والحل الوحيد هو الهجرة وكأن الجنة ستتحقق في المكان الجديد الذي سيذهبون إليه".
إلى ذلك، يتجلى مدى إيمان عدد كبير من الجزائريين بالقدر والمكتوب من خلال الأغنيات الشعبية والتراثية. وبطبيعة الحال، تستوحى هذه الأغنيات من الواقع المعاش. حتى أن المغنين الشباب الذين يؤدون أغنيات الراي يستخدمون عبارات القدر في أغنياتهم. الشاب عز الدين، وهو أحد مغني الراي في الجزائر، غنى أغنية تحمل عنوان "كتب المكتوب". أما الراحل حسني، فكتب أغنية تحمل عنوان "لا تقولي لي المكتوب".
إلى ذلك، يقول الباحث في علم الاجتماع عبد الغني شلوش، لـ"العربي الجديد": "هذه الكلمات المحبطة والسالبة للقدرة والقوة والعزيمة تعد جزءاً من يوميات الجزائريين". ويرى أنّها تكبلهم وتعطّل تقدّمهم وتمنعهم من تكرار المحاولة والإصرار على نيل مبتغى معين. يضيف أنه سعياً نحو تخفيف وقع الفشل على الشخص، يلجأ إلى ربط كل ما يحدث بـ"المكتوب" الذي لا يمكنه أن يتحداه أو يواجهه، الأمر الذي قد يقوده إلى مزيد من الفشل.
ولا بد من الإشارة إلى أن الزوايا الدينية لعبت دوراً في تكريس هذا الأمر، خصوصاً خلال عهد الاستعمار الفرنسي، كونها مؤثرة في البنية الاجتماعية.
ويصطدم المكتوب، كمفهوم اجتماعي، مع العلم، إذ يؤمن جزائريّون بأنّ أي نجاح أو فشل يرتبط بالقضاء والقدر. ورغم العمل على تطوير قطاع التعليم في البلاد على مدى سنوات طويلة، تبقى بعض المعتقدات الاجتماعية، خصوصاً تلك المتعلقة بالقدر، قائمة. واللافت أنّه حتى بعض الجامعيين يؤمنون بهذه المعتقدات. لكنّ الباحث في علم الاجتماع ضيف محمد، يقول إن الأمر ليس بهذا السوء، إذ أن عدداً من الجزائريّين، خصوصاً الشباب منهم، تجاوزوا هذه المعتقدات، لافتاً إلى أن محاولات الهجرة غير الشرعية تعكس رفض الشباب للقدر أو المكتوب. يضيف أن عدداً من الشباب يُلاحقون أحلامهم، ويرفضون التسليم بما هو "مكتوب". هؤلاء باتوا يؤمنون بعقيدة جديدة يلخّصها المثل الجزائري "بوجي تاكل الروجي"، يعني تحرك وإعمل بجد لتأكل أفضل أنواع السمك.