المسنون في تونس يجهلون حقوقهم

25 نوفمبر 2017
ربما لم يسمع بمنحة مسنين (العربي الجديد)
+ الخط -
بالرغم من وجود القانون الذي يكفل حمايتهم منذ عام 1994، فإنّ المسنين في تونس يعانون من عدم متابعة تطبيق القانون، أقله لجهة تأمين المنحة المالية الشهرية لهم التي ينصّ عليها

يعيش محمد عارضي ( 62 عاماً) من دون دخل، إذ لا يساعده كبر سنّه حتى على الاشتغال في عمل بسيط. بالرغم من ذلك لا يحصل مثله مثل آلاف كبار السنّ على منحة المسنين التي تمنحها الدولة لمن هم في حاجة إلى مساعدة مالية.

لم يكن محمد يعلم أنّ الدولة قد سنّت قانوناً يضمن لمن هم فوق الستين عاماً ولا يملكون جراية (راتب) تقاعد، منحة تساعدهم على بعض المصاريف، وذلك لغياب توعية المسنين بما لهم من حقوق، وما ضمنته لهم بعض القوانين من حماية تحفظ كرامتهم في ما تبقى من حياتهم.

لا يختلف الوضع كثيراً بالنسبة لصالح بن رجب (63 عاماً). فبالرغم من مرضه وعجزه عن العمل لا يحصل على راتب تقاعدي أو حتى المنحة البسيطة التي تؤمن له مصاريف علاجه. لا يعرف صالح كيف يطالب بمنحة المسنين، ولا الجهات الرسمية التي يمكنها مساعدته على ذلك، شأنه في ذلك شأن آلاف المسنين ممن يعانون من العديد من المشاكل الصحية والاجتماعية وحتى العائلية. مشاكل جعلت فئة المسنين تعاني من أزمة يرى العديد أنّها تقتضي سنّ قوانين ومجلة حقوق جديدة توفر حماية أكبر لهم، خصوصاً أنّ المؤشرات تفيد بارتفاع نسبة المسنين في المجتمع التونسي الذي يتجه نحو الشيخوخة. فقد ارتفعت نسبة من هم في الستين عاماً وما فوق إلى 11.7 في المائة من مجموع السكان سنة 2014 مقابل 8.3 في المائة سنة 1994. وتشير الإحصائيات الصادرة عن وزارة المرأة وشؤون الأسرة إلى إمكانية تواصل ارتفاع نسبة المسنين لتبلغ 17.7 في المائة سنة 2029 و20.9 في المائة سنة 2034. كذلك، أشارت إلى أنّ أمل الحياة عند الولادة (العمر المتوقع) الذي بلغ 75.5 عاماً سنة 2014 سيتواصل ارتفاعه ليبلغ 77 عاماً سنة 2029.



وقد سنّت تونس القانون عدد 114 لسنة 1994 الذي يتعلق بحماية المسنين. وينص على أنّ حماية المسنين تعني حماية صحتهم وضمان كرامتهم وذلك بمساعدتهم على مجابهة الصعوبات التي تعترضهم في حياتهم اليومية بحكم تقدّمهم في السن، كما مساعدتهم على معرفة حقوقهم وتقديم المعونة اللازمة لهم، إلى جانب مقاومة جميع أشكال التمييز والإقصاء من الوسط العائلي والاجتماعي في حقهم. كذلك، ينص الفصل 3 من القانون على أنّ تتولى السلطات العمومية المعنية اتخاذ الإجراءات الملائمة بغية تمكين المسنين من التسهيلات اللازمة خصوصاً في ما يتعلق بالتداوي والسكن والنقل العمومي والخدمات الإدارية، والمشاركة في الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية. أيضاً ينصّ الفصل 6 على أنّه بإمكان المسن الاستفادة في مقر إقامته من خدمات اجتماعية وصحية، سعياً لإبقائه في محيطه الطبيعي.

ينص الفصل 17 على أنّه يمكن للأسر التكفل بالمسنين فاقدي السند (لا يحملون بطاقة هوية) وفق شروط وترتيبات تحدد بحسب الحالة. ويمكن للأسرة الكافلة للمسن المعوز أن تتحصل على مساعدة مادية لتلبية الحاجات الأساسية له. وتحدد المساعدة وشروط الاستفادة منها بمقتضى قرار من وزير الشؤون الاجتماعية.

لكن، بالرغم من أنّ القانون الذي سنّ لحماية حقوق المسنين والنهوض بأوضاعهم، ووضع برنامج للتكفل بالمسنين فاقدي السند العائلي لدى أسر حاضنة، عبر منح الدولة للعائلة التي تتكفل بمسن معوز منحة شهرية قيمتها 75 دولاراً لتلبية الحاجيات الأساسية للمسن، إلاّ أنّ مئات المسنين مشردون في شوارع بعض المدن التونسية لا يعرف عددهم أو سبب تشرّدهم. كذلك، فالكثير منهم لا يجد مكاناً في دور رعاية المسنين الحكومية أو في الجمعيات التي تساعد المسنين.



يرجع بعض المختصين في شؤون المسنين سبب ذلك إلى أنّ القانون غير مفعّل ولا توجد دراسات حول وضعية مسني تونس. في هذا الإطار، يقول رئيس الجمعية التونسية لكفاءات المتقاعدين والمسنين علي بن محمد لـ"العربي الجديد" إنّ القانون القديم الذي سنّ عام 1994 يتضمن عدّة فصول تضمن حقوق المسنين سواء في دور الرعاية ودور المسنين أو ممن ما زالوا تحت رعاية أسرهم. لكنّ المشكلة تتمثل في عدم تفعيل القانون على أرض الواقع، بالإضافة إلى غياب دراسات تخص المسنين أو مندوبيات جهوية (دوائر تابعة للمناطق) تتلقى الإشعارات عن وضعية كبار السن، أو ما يتعرّضون له على غرار مندوبيات حماية الطفولة. يتابع أنّ المطلوب أيضاً تطوير مجلة حماية المسنين وتضمينها نصوصاً جديدة توفر حماية أكبر لهذه الفئة.

من جهتها، أعلنت وزارة المرأة والأسرة منذ شهرين أنّها تعمل على إعداد مشروع "مجلة حماية كبار السن" وسيطرح المشروع قريباً أمام مجلس الوزراء، مؤكدة ضرورة تأمين جودة الحياة لهذه الفئة من خلال توفير خدمات ذات جودة عالية بما يضمن الاستقرار النفسي والعقلي لكبار السن. ويعود اهتمام الوزارة إلى ارتفاع أمل الحياة لدى النساء في تونس إلى 76 عاماً ولدى الرجال إلى ما بين 73 و74 عاماً.



بدورها، توضح مديرة رعاية كبار السن في وزارة المرأة والأسرة، إيمان بالشيخ كاهية، لـ"العربي الجديد" أنّ الوزارة قدّمت المشروع إلى رئاسة الحكومة في انتظار الموافقة عليه، وتحديد موعد لانعقاد مجلس وزاري لمناقشته والمصادقة عليه قبل انتهاء العام الجاري.

من جهته، يقول بن محمد، إنّ الجمعية التي يرأسها قدّمت توصيات إلى وزارة المرأة خلال العمل على مشروع المجلة، من ضمنها جملة من التصورات التي تتعلق بكيفية تطوير منظومة حماية حقوق كبار السن. ويشدد على ضرورة تفعيل ذلك على أرض الواقع.