في ولاية المهدية بتونس، وفي مدينة الجم الساحلية، والتي كانت تسمى في العصور القديمة (تِيسْدْرُوسْ)، لا يزال يقف شامخاً واحدٌ من أعظم الآثار الرومانية بأفريقيا. إنه المسرح الروماني العظيم المشهور بقصر الجم (أو مدرج الجم) الذي شيد منذ أكثر من 1800 سنة، وبالرغم من ذلك، فإنه لا يزال يستقبل العروض والمهرجانات الفنية الإنسانية المسالمة، وليس كما كان الأمر في زمن إنشائه مسرحاً للعروض الدامية، وعروض المصارعة وقتال العبيد.
ترجح أغلب الروايات حول تشييده أن الإمبراطور الروماني، غورديان الثاني، هو من أمر ببنائه سنة 238م ليكون مسرحاً رومانياً عظيماً يضاهي نظيره في عاصمة الإمبراطورية في روما؛ ويتجاوزه جمالاً وروعة. وعالج المصممون أثناء عملهم كافة الأخطاء الهندسية التي وقعت في بناء المدرج الروماني الأكبر والأسبق. لذا ظل مدرج الجم في نظر علماء الآثار والمؤرخين عملاً معمارياً وفنياً من الطراز الأول، يشهد بالرقي لهذه المدينة. وقد شكل المدرج على مدى العصور مسرحاً لأحداث تاريخية عظيمة، إذ حصلت فيه العديد من الأحداث التي شكّلت منعطفات في التاريخ الإنساني.
تبلغ مساحة القصر، ذي الواجهة الرومانية المرتفعة، 148 متراً في 122 متراً، أما أبعاد الحلبة فتبلغ 65 متراً في 39 متراً، وكانت مدارجه تتسع لحوالى 35 ألف متفرج. وهو بذلك يعد من أكبر مسارح العالم، حيث يشارك ضمن قائمة المسارح العظيمة مثل كولوسيوم روما المصنف من عجائب الدنيا السبع، ومسرح كابوا، ومسرح بوتسولي. وقد أدرجته اليونسكو على لائحة مواقع التراث العالمي في سنة 1979.
لا يزال المسرح على صورته الأولى بنسبة كبيرة، فقد حظي بصيانة في فترات متعددة من التاريخ، لولا بعض الأحداث التي دفعت إلى هدم بعض جوانبه، حين استخدم المدرج حصناً للاحتماء به، كما أن مدرجاته ليست على حالتها الأولى. ويوجد بالمسرح العديد من الغرف والأقبية، ويقال إن هناك من السراديب الطويلة التي تصل القصر بمناطق بعيدة لكنها لم تكتشف بعد.
تحت المسرح رواقان يصلهما الضوء من الفتحة الوسطى للحلبة، وفتحتان من جانبي الحلبة كانت وظيفتهما رفع الوحوش الكاسرة كالأسود والنمور وأيضاً المصارعين من أسرى الحرب، والذين كانوا يودعون في غرف تحت الحلبة؛ كي يتم إطلاقهم في الأعياد والمناسبات الضخمة التي تشهد إقبالاً جماهرياً ضخما من الشعب برعاية النبلاء والمقامرين الذين يجلسون في المدارج لمشاهدة مصارعات الوحوش ومعارك المصارعين من أسرى الحروب وسباقات العربات.
معظم الآثار التي وجدت في منطقة المسرح ومحيط المدينة القديمة، وهي كثيرة، نقلت إلى متحف الجم الذي أقيم هو الآخر في موقع منزل روماني.