المستوردون بمصر يتحايلون لمواصلة نشاطهم وسط أزمة الدولار

10 مارس 2016
أزمة الدولار ترفع الأسعار في مصر (Getty)
+ الخط -
اعتاد محمد الاتصال بالبنك كلما احتاج إلى تحويل أموال إلى الصين لاستيراد إطارات السيارات لشركته في القاهرة. أما الآن، فلم يعد بوسع البنك منحه ما يكفي من النقد الأجنبي لتمويل صفقاته، ولذلك اضطر للجوء إلى السوق السوداء رغم ارتفاع سعر الدولار فيها.

فقد كان للإجراءات التي فرضتها الحكومة قبل عام لسحق السوق السوداء أثر عكسي تمثل في دفع أصحاب الشركات إلى أحضان تجار العملة الذين يعملون خارج إطار القانون، وأرغم بعض المستوردين على نقل مبالغ كبيرة من الدولارات نقدا إلى الخارج.

وفي حين أن كثيرين من المصريين لا يسعون سوى لمواصلة نشاط شركاتهم فقد خلقت هذه القواعد عن غير قصد جيلا جديدا من تجار العملة راحوا يستغلون فجوة واسعة بين سعر الصرف الرسمي للجنيه المصري وأسعار السوق السوداء وذلك باستخدام البطاقات الائتمانية.

وقد ازدهرت السوق السوداء في مصر منذ ثورات الربيع العربي عام 2011 التي أدت إلى تراجع حركة السياحة والاستثمار الأجنبي وإلى نقص المعروض من الدولار في الجهاز المصرفي الرسمي للبلاد.

وفي محاولة لتقييد السوق السوداء، فرضت الحكومة حدودا قصوى على عمليات السحب والإيداع من الحسابات بالعملة الأجنبية. وكان الهدف من تقييد الإيداعات منع المتعاملين من إدخال الدولارات المشتراة بالمخالفة للقانون إلى النظام المصرفي.

وقام البنك المركزي في الآونة الأخيرة بإلغاء هذه القيود على الأفراد ومستوردي السلع الأساسية. وما زالت القيود سارية على الشركات التي تستورد سلعا غير ضرورية مثل الإطارات، لكن هذه الشركات تجد ثغرات وتقول إن السوق السوداء مزدهرة أكثر من أي وقت مضى.

وفي ظل القيود التي تفرض على المستوردين إيداع ما لا يتجاوز 50 ألف دولار شهريا في أحد البنوك، لجأوا إلى فتح حسابات في بنوك متعددة لإيداع ما يشترونه من نقد أجنبي من السوق السوداء. وأدى الطلب الشديد من جانب المستوردين على الدولار في السوق السوداء إلى تزايد الضغوط النزولية على الجنيه المصري.

وفي هذا الأسبوع بلغ سعر الدولار في السوق السوداء 9.80 جنيهات بالمقارنة مع سعر الصرف الرسمي البالغ 7.73 جنيهات. وانخفض سعر صرف الجنيه عشرة في المئة في السوق السوداء في الشهر الماضي وحده.

ومع اشتداد حدة الأزمة بدأ تذمر كثيرين من أصحاب الأعمال - الذين أبدى عدد كبير منهم ترحيبه بتولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الأمور في منتصف عام 2013 - من الآثار السلبية لما يحيط بالعملة من غموض على الاقتصاد.

وقال محمد، الذي تبيع الشركة المملوكة لعائلته الإطارات للمستهلكين مباشرة وتدير تجارة جملة في الإطارات أيضا "انتهى بنا الحال إلى فتح حسابات في ستة بنوك".

وقد تخلى محمد عن خطة لتوسيع نشاطه في مصر وبدأ الآن يبحث عن خياراته في الخارج.

الفرصة السانحة

وسرعان ما اكتشفت شركات الصرافة الفرصة السانحة، فاتفقت مع أطراف في الخارج يمكنها تحويل الأموال لحساب عملائها في مصر مقابل رسوم بنسبة 2.5%. وقال متعاملون إن الطلب كان شديدا لدرجة أن الرسوم ارتفعت بسرعة إلى 5%.

وتضاعفت الأرباح في بعض الحالات إلى أكثر من عشرة أمثالها، وقال تاجران كان لهما دور في تحويلات مماثلة إن شركة السمسرة العادية كانت تحول ما لا يقل عن عشرة ملايين دولار أسبوعيا.

وقال تاجر "ماذا كان بوسعهم أن يفعلوا؟ هل يتركون أعمالهم تتوقف بالكامل أم يبحثون عن بديل؟".

وعندما بدأ العمل بقيود السحب والإيداع العام الماضي بدأ المستوردون يقسمون فواتيرهم فيسددون جزءا عن طريق البنوك للحصول على الأوراق اللازمة لتمرير بضائعهم عبر نظام الجمارك ويحولون الباقي خارج الجهاز المصرفي.

وقال محمد، الذي استورد بضائع بهذه الطريقة، إن التحويلات تتم في الغالب عن طريق دول الخليج العربية.

ولجأ صغار المستوردين إلى السفر للخارج ونقل النقد الأجنبي في أمتعتهم بما يتجاوز الحد الأقصى الذي تسمح به السلطات وهو عشرة آلاف دولار.

وقال رجل أعمال طلب عدم نشر اسمه لأنه خالف القانون "الناس ستجد دائما وسيلة أخرى. فقد أخذت معي 15 ألف دولار نقدا وسافرت إلى دبي لسداد المال لموردي".

بطاقات الائتمان والتحويلات

رغم الضغوط المتزايدة قاومت مصر الضغوط لإجراء خفض كبير في قيمة العملة بعد أن سمحت بهبوط قيمتها تدريجيا بنسبة 10% في العام الماضي، ثم رفعت قيمة الجنيه في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي ليتسع الفارق بين السعر الرسمي وأسعار السوق السوداء الأمر الذي أغرى آخرين بالمشاركة في اللعبة.

وبدأ المصريون يسافرون للخارج ويسحبون مبالغ بعشرات الآلاف بالدولار واليورو على بطاقات الائتمان بالسعر الرسمي ويحولونها إلى الجنيه في السوق السوداء لتحقيق ربح.

وقال تاجر عملة آخر طلب عدم نشر اسمه "كثيرون لم يكن لهم نشاط في هذا السوق... بدأوا يشترون ويبيعون. البعض حقق ملايين من ذلك".

وأصبح هذا الأمر منتشرا، حتى أن البنوك فرضت قيودا في الشهر الماضي على استخدام بطاقات الائتمان في الخارج.

كما ألغى البنك المركزي تراخيص عدد من شركات الصرافة الشهر الماضي.

ويقول مصرفيون إن الإجراءات الرامية لتخفيف القواعد ليست كافية للحد من إغراء السوق السوداء التي سحبت النقد الأجنبي من النظام المصرفي الرسمي ما أدى إلى تفاقم أزمة نقص العملة الأجنبية.

وقال مصرفي مصري "لم تعد القضية السيطرة على السوق السوداء داخل مصر، بل يحتاج الأمر لتنسيق مع الجهات التنظيمية خارج مصر وخاصة في دبي والصين، حيث يتم معظم هذا النشاط".



اقرأ أيضا: اتفاق بين المركزي المصري والصرافات لتهدئة الدولار

المساهمون