المستجيرون من الرمضاء بالنار

11 مارس 2015
أبت الحرب أن تتركهم وشأنهم (أ.ف.ب)
+ الخط -

منذ عام 2011، بدأ آلاف اللاجئين الفلسطينيّين والسّوريّين باللجوء إلى قطاع غزّة بعد قيام الثورة السوريّة، فارّين من موتٍ إلى ثان وربّما ثالث، إذ إنّ بعضهم نجح في العبور إلى أراضي القطاع من خلال بعض الأنفاق المتواجدة على الحدود المصريّة الفلسطينيّة، كون معبر رفح البرّي يعتبر المنفذ الوحيد للغزيّين. وكما يبدو واضحاً أمام الجميع أنّه يغلق أكثر ما يُفتح أمام حركة الأفراد داخل البلاد وخارجها.

سُعدوا قليلاً، وشقوا بغزّة كثيراً. فأخيراً وعندما وصلوا بسلام، قامت حكومة حماس بتوفير منازل لهم بالتّعاون مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أنروا" من خلال عقود إيجار شهريّة وعقود عمل أخرى براتب شهري لم يتجاوز الـ1000 شاقل (300) دولار مدّة عام واحد على الأقل، لتسدّ بعضاً من رمقهم، بالإضافة إلى تقديم بعض المساعدات والأثاث المنزلي، إلى عام 2012 وتحديداً عند قيام العدوان الثّاني على قطاع غزّة.

إلا أن الحرب أبت أن تتركهم وشأنهم، حتّى وإن همّوا بالهرب بعيداً عنها. في بقعة من الأرض أشبه ما توصف بالسّجن، يحدّها من الشّمال حاجز احتلالي يسمّى "إيرز"، من الغرب بحراً حدّه 6 أميال للصّيد فقط، من الشرق حاجز صهيوني آخر، ومن الجنوب حاجز مصريّ يسمّى "معبر رفح البرّي". لم يكن يختلف مصير أيّ من اللاجئين عن مصير مواطني غزّة. فلم تكن صواريخ إسرائيل تفرّق بين أحد من ساكني القطاع. لا بين مدني وعسكري، ولا بين طفل وشاب، ولا بين امرأة ورجل، فلم يُتَح لإسرائيل إلّا أن تُشيع الدّماء وتسقي الأرض بها دون أدنى مسؤولية مع خلق مبرّرات مسبقة.

مات من مات ونجا من نجا خلال حرب الثّمانية أيّام عام 2012، هنا، بدأت آمال النّازحين تدريجيّاً تذهب أدراج الرّياح. أُتيح لهم العيش في بعض الظّروف وإن لم تكن كما توقّعوا. إذ إنّهم اعتبروها أفضل حالاً من تلك التي عاشوها خلال حرب 2014 التي دامت 51 يوماً. فالبعض منهم قد استشهد، والبعض الآخر دمّر منزله بفعل ضربات الصّواريخ وقذائف المدفعيّات التي لم تكن تميّز بين منشأة وأخرى. فمنازل المدنيّين كانت الأكثر عرضة للقصف على الإطلاق.

وربّما اللاجئون جميعاً كما معظم الغزيّين، باتوا على يقين تام أن لا مفرّ من حرب رابعة سوف تستهدف قطاع غزّة. وربّما أيضاً بات يدعوهم هذا الاعتقاد إلى التفكير بجديّة في إمكانيّة اللجوء إلى مكان آخر أكثر أمناً من غزّة.

فالهرب إذن هو مظهر أحد الأساسين اللذين يخشاهما اللاجئون من سورية، وهما الحرب والحصار. فقد جعلهم الواقع المرير يتمنّون العودة من حيث أتوا، كونهم يعتبرون أنّ الموت هنا كما الذي واجهوه في سورية، وعلاوةً على موت بعضهم في الحرب أو تدمير منزله وتشرّده وعائلته في بعض مدارس الـ"أنروا"، فقد مات العشرات منهم غرقاً أثناء محاولتهم عبور البحر من ليبيا إلى مالطا بعد أن كانوا قد اجتازوا الحدود الفلسطينيّة المصريّة من خلال الأنفاق أيضاً.


(فلسطين)

المساهمون