المركز العربي يختتم أعمال مؤتمره السنوي الثالث اليوم

22 مارس 2014
جانب من الحضور
+ الخط -

يختتم اليوم السبت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، المؤتمر السنوي الثالث للعلوم الاجتماعية والإنسانية، الذي عقد هذا العام في تونس العاصمة، في 20 من الشهر الجاري، وتناول موضوعي "أطوار التاريخ الانتقالية، مآل الثورات العربيّة" و"السياسات التنموية وتحدّيات الثورة في الأقطار العربيّة".

وتأتي أهمية انعقاد المؤتمر الحالي في تونس، بالتزامن مع انجاز ذلك البلد دستورا ديمقراطيا، استكمالا لثورته التي دشنت مرحلة جديدة في الوطن العربي منذ أواخر العام 2010.

وحظي المؤتمر الحالي بأهمية استثنائية، أيضا، وبالنظر إلى موضوعيه اللذين يأتيان في مرحلة عربية بالغة الأهمية، كونهما يربطان بين ضرورات انجاز الحرية الفردية والاقتصادية كشرط أساسي لتدشين عصر عربي ديمقراطي.

ويرتبطُ موضوعا المؤتمر ببعضهما ارتباطاً جذرياً، فالأول يسعى إلى مراقبة حركة التاريخ والتوقف عند مراحله المفصلية وما أنتجته من تغيراتٍ سياسية واجتماعية بناءً على علاقة الأنظمة بشعوبها وسلوك كلّ منهما وآلية تعامله مع الآخر.

أما الثاني، فيحلل تلك النتائج اقتصادياً، ويبحث في أثرها على مُستقبل المنطقة ومدى قدرتها على التعامل مع مُعطياتها الجديدة لتستطيع أن تُقدّمَ فعلَها التنموي الذي يُعدُّ واحداً من أسباب قيام الثورات.

وفي افتتاح المؤتمر استعرض كل من المؤرخ عبد الجليل التميمي، والاقتصادي إبراهيم العيسوي، محاور المؤتمر والنقاط المفصلية في مسيرة التحول العربي، التي يجب على الباحثين والمفكرين والسياسيين الوقوف عليها.

 بشارة: في مفهوم المرحلة الانتقالية

 "الانتقال من ماذا إلى ماذا؟"عبر هذا التساؤل الجوهري، ناقش المفكر العربي عزمي بشارة في محاضرته المحور الأول للمؤتمر، في ورقة عنوانها: "نوعان من المراحل الانتقالية وما من نظرية"، والتي تدور حول مفهومي "المرحلة الانتقالية" وعملية "التحقيب التاريخي"، أي "وضع الحدود بين المراحل، ووسم كل مرحلة محددة بصفات تُبرّر هذه الحدود"، ليتوصّل من خلال هذين المفهومين إلى الإضاءة على كيفية خلق مسار ديمقراطي سليم "نشقّ طريقنا بأنفسنا نحوه".

وفي هذا السياق، بحث بشارة بدقة في مفهوم المرحلة الانتقالية وعلاقتها بالراهن العربي وما يشهده من ثورات. فالمرحلة الانتقالية، برأيه، لا يجب أن تكون ناجمة عن التحقيب أو عن مقاربة معيَّنة للتاريخ، "بل ناتجة عن تحديد الفاعلين التاريخيّين لهدفٍ يريدونَ الوصولَ إليه، عبر فعلٍ ثوريّ وإصلاحي، بحيث يصمِّمون واقعَهم/ حاضرَهم لكَي يصلُحَ أَنْ يكونَ جسرا إلى ذلك الهدف".

وحين يكون الهدف هو الديمقراطية، بمعناها الآتي من استقراء التجارب القائمة في العالم، التي أنتجت العوامل والمبادئ المشتركة المُشكّلة لهذا المفهوم؛ مثل تداول الحكم والسلطات بطريقة سلمية وبعملية انتخابية دورية، فلا بُد، وفق بشارة، من تحييد القوى الأمنية التي كانت أداة القمع الرئيسة وإحداث التغيير التدريجي فيها، وتمكين المؤسسات الديمقراطية، والتغلّب على معارضةِ جهازِ الدولةِ البيروقراطي الكبير لأي تغيير.

وهنا تكون شرعية الثورة ووحدة صف القوى الديمقراطية تحت مظلتها هي المتطلب الأساسي لتحقيق مفهوم "المرحلة الانتقالية" في مقابل فقدان النظام القديم لشرعيته.

إلا أن تعثّراً كبيراً طرأ على قدرة القوى الثورية الشبابية في تحقيق مفهوم الانتقال إلى الديمقراطية. ويلخّص بشارة مآخذه على هذه القوى التي "لم تكن منظمة"، إذ أنها "جاءت بعقلية المنافسة الحزبية"، مُشبّهاً سلوكها بمن "يتنافس على الاستئثار بإدارة مجلس طلبة أو نقابة مهنية".

وقال "لم تفهم الأحزاب معنى الانتقالية من خلال وضع رؤية لتحقيق هدفها، بل راحت تتصارع مُبكراً فيما بينها ناسيةً أن خصمها الرئيس هو النظام القديم، ما أدى إلى "شرعنَة التحالفات مع ذلك النظام، وقيادة ثورات مضادة تحت وصايته".

ولم يكتفِ بشارة بطرح نتيجة هذا التعثر، من دون أن يأخذ في عين الاعتبار أسبابه؛ فبين أن المجتمع وثقافته لا يتغيران بين ليلة وضحاها، ولذلك تجدُ عملية التحوُّلِ الديمقراطي نفسها في مواجهةِ أعراف وتقاليدَ وثقافة تَرسّختْ في عهدِ الاستبداد. "ويُخْطئ من يعتقد أن الفساد المديد يظل مسألةً فوقيّة، وأنَّه لا يمَسّ ثقافةَ المجتمعِ بأكملِه".
وختم الدكتور عزمي بشارة محاضرته بالتأكيد أنه يُخْطئُ مَن يبحثُ عَن طريقِ مُمهَّد نحو الديمقراطية "ويجبُ أَنْ نَشُقَّ طريقَنا بأَنفسِنا".

 العيسوي: تحديات التنمية المستقلة

أما المحاضرة الثانية، فكانت لأستاذ الاقتصاد في معهد التخطيط القومي في القاهرة، إبراهيم العيسوي. فقدّم ورقة بعنوان "سياسات التنمية المستقلة والثورات العربية"، أكد فيها أن التنمية فعل ثوري، وليست مجرد عمل إصلاحي فحسب.
وبعد استعراض العيسوي للطبيعة الاقتصادية العالمية وانتقاداته لتكريس الولايات المتحدة الأميركية مفاهيم الرأسمالية الليبرالية؛ مثل الخصخصة والسوق الحر، من خلال ما يُسمى بـ"توافق واشنطن"، وأثر ذلك على المجرى الاقتصادي في المنطقة العربية، تطرق إلى سياسات التنمية في مصر ما بعد ثورة "يناير 2011".

 ورأى أن انقلاب 3 يوليو/تموز 2013 أعاد الوضع إلى الوراء لأنه "لا شك عندي في أنه لا مجال لتحقيق أهداف ثورة يناير في إطار التحالف الثلاثي الحالي بين القيادات العسكرية والأمنية وبين قيادات (البيزنس)".

ويبلور العيسوي رؤيته هذه بأن تلك القوى تعمل على منع تنشيط الدور الاقتصادي والتنموي للدولة، لاعتقادهم أن ذلك سيكون خصماً من دورها. كما أنها تتوجس كثيراً من طرح أي مفهوم موسع للعدالة الاجتماعية خشية المساس بثرواتها، وهي ترفض دعوات الاستقلال الاقتصادي والسياسي للبلاد خوفاً من الإضرار بعلاقاتها مع قوى الرأسمالية العالمية التي تدور في فلكها.

والطريق الوحيدة برأي العيسوي لتحقيق أهداف ثورة يناير هي التنمية المستقلة. "ولكن الأمل في ولوجها ما زال بعيداً، ولن تقترب مصر من تحقيقه إلا من خلال إحياء حقيقي لثورة يناير أو من خلال ثورة جديدة تستند إلى تحالف سياسي للطبقات الشعبية صاحبة المصلحة في تطبيق سياسات التنمية المستقلة".

وعن التنمية المستقلة، أوضح العيسوي أن لها خمس ركائز رئيسية تؤدي إلى تحقيق مفهومها، هي: الدولة التنموية والتخطيط القومي الشامل. وحشد أكبر قدر من المدخرات المحلية لتمويل معدل مرتفع للتراكم الرأسمالي والعناية بتراكم رأس المال البشري. والمشاركة الديمقراطية والتوزيع العادل للثروة. وضبط علاقات الاقتصاد الوطني بالخارج. والتعاون فيما بين دول الجنوب.

 كلمة ممثّل المرزوقي

وناب عن الرئيس التونسي منصف المرزوقي، طارق الكحلاوي مدير معهد الدراسات الاستراتيجية في رئاسة الجمهورية، بإلقاء كلمة الافتتاح، التي أكد فيها أن تونس بضمان "نجاح ثورتها وصحّة مسارها الديمقراطي"، تُعتبر نموذجاً حيّاً لتحليل محوري المؤتمر، بالأخص الثاني، لأنها تتميز بمجمل المفارقات المتعلقة بهذه المسألة:"ضرورات المطلبية الاجتماعية من جهة، وتحدي بناء النموذج التنموي البديل من جهة ثانية؛ وضغوطات المؤسسات المالية الدولية ومعاييرها من جهة، واستحقاق التصورات والخصوصيات الوطنية من جهة ثانية؛ وأفق التكامل الاقتصادي المغاربي والعربي وما قد يرتبط به من حلول مقابل إلزامات السياسة وإكراهاتها".
ويختتم المؤتمر اليوم أعماله بتوزيع 8 جوائز للباحثين الفائزين، 4 للعلوم الاجتماعية ومثلها للعلوم الإنسانية.

 متابعة أوراق المؤتمر على المركز العربي (انقر هنا)

 

المساهمون