27 سبتمبر 2018
المرض السوري أيضاً
أيضاً أتحدث عن المرض السوري، حيث ظهر واضحاً أن الفكرة التي قبعت في أعماق أذهان النخب، وأطراف في المعارضة، تتمثل في أنه ليس ممكنا أن نسقط النظام، بالتالي لا بد من التدخل الخارجي. هذا التدخل تكرّس حتمية بلا منازع، ولم يجرِ التفكير في البدائل، حتى بعد أن سيطر الشعب على الشوارع. لا شك أن انسداد أفق التغيير مع القمع الشديد الذي مورس عقودا كان يفضي إلى البحث عن "خيارات أخرى"، هي في الواقع خارجية.
المشكل هنا تمثّل في سوء فهم سبب الانسداد، والعجز عن التغيير في مرحلة قوة النظام واستقطابه قاعدة شعبية ليست صغيرة، ومن ثم قدرته على الهيمنة على البنى المجتمعية، وتشكيل "دولة قوية". كان المشكل في أن الشعب كان في غير وارد التغيير، لأنه "يستطيع العيش". وبالتالي، لم يكن في تناقض مع النظام. في هذه الوضعية، تصبح المعارضة هامشية، ويكون التغيير وهماً. ما فُهم من ذلك كله هو أن النظام جبروتي القوة، وأنه بنى أجهزة أمنية ضخمة، وذلك كله صحيح. بالتالي، كان التغيير وهماً، وهو الهم الذي تكسّرت عليه المعارضة في ثمانينات القرن العشرين، وهو الوهم نفسه الذي قلب الأمر، ليصبح التغيير غير ممكن، إلا بقوى خارجية.
من كل هذه "العقلية" لم تغيّر الثورة شيئاً. على العكس، زحفت أطراف في المعارضة لتحريض الخارج على التدخل، وانتظرت طويلاً هذا التدخل. وهي لا زالت تنتظر أن يغيّر الخارج (وهنا الدول الإمبريالية الغربية) مواقفه ويقوم بالتدخل. ولا شك في أن جهد المعارضة الخارجية كان ينصبّ طوال ست سنوات على تحقيق ذلك. ولهذا، ربطت ذاتها بهذه الدول، وباتت "تعمل لديها" بشكل أو بآخر.
ربما بات الأمر أكثر سوءاً، حيث وجدنا في الفترة الأخيرة كيف أن مواقف كثيرين من معارضي النظام من الأحزاب والنخب، تحدّدت من الانتخابات في البلدان "الغربية"، بحسب موقف المرشّح من الوضع السوري، أي هل يدعم "الشعب" السوري، أم يرفض دعمه. لهذا، كان الجو العام ضد دونالد ترامب مع هيلاري كلينتون، بالضبط لأن الأخيرة أشارت إلى التدخل أكثر في الشأن السوري، بينما أعلن ترامب أنه يدعم بشار الأسد. وحين نجح، أُصيب هؤلاء بكآبة، لكنهم سرعان ما أفاقوا منها، حينما تجاوز الأسد الخطوط الحمر، واستخدم الأسلحة الكيميائية، فرد ترامب بقصف قاعدة الشعيرات بالصواريخ، حيث بات ترامب مع "الشعب" السوري. ومن ثم تراجع الأمر، بعد أن ظهر التوافق الأميركي الروسي، وقبول أميركا خطوات روسيا.
في بريطانيا، كانت النخب مع المحافظين، لأن زعيم حزب العمال اليساري أقرب الى النظام السوري كما يقال، لكن ظهر أن حكومة المحافظين تخلت عن "شرط" رحيل الأسد، وتتكيّف مع القبول بما يقرّره الروس كذلك. أما في فرنسا، فقد حشد السوريون مع الرئيس إيمانويل ماكرون لأنه ضد الأسد، ولم يتعاطفوا مع ممثل اليسار في الانتخابات، ولا اليمين كذلك اللذين يدعمان الأسد بوضوح، على الرغم من التناقض "الجذري" بينهما. لكن ماكرون عاد وتخلى عن مواقفه، بحيث لا يعتبر أن الأسد عدو فرنسا، وأنه يمكن أن يبقى في المرحلة الانتقالية.
يُحدث ذلك كله الإحباط طبعاً، لكنه يشير إلى أن هذه المعارضة والنخب تنتظر من يقوم بـ "الواجب" نيابة عنها، فيما يتعلق بمصير الأسد. إنها تتعلق بقوى خارجية، لكي تحسم الصراع ضد الأسد وتعيدها إلى سورية، وإلى السلطة في سورية. لكن "كل العالم" الآن ليس معنيا برحيل الأسد، بل معني بما يمكن أن يحصل عليه من مصالح، حال انتهاء الصراع السوري. ولهذا، يتقارب من موسكو، لعله يحصد شيئاً ما، أو أنه يبيع لموسكو في سورية لكي يحصد في مكان آخر.
هذا الوضع، القائم على التعلق بدور قوى خارجية هو الذي سمح بهيمنة المجموعات السلفية "الجهادية" على الأرض.
المشكل هنا تمثّل في سوء فهم سبب الانسداد، والعجز عن التغيير في مرحلة قوة النظام واستقطابه قاعدة شعبية ليست صغيرة، ومن ثم قدرته على الهيمنة على البنى المجتمعية، وتشكيل "دولة قوية". كان المشكل في أن الشعب كان في غير وارد التغيير، لأنه "يستطيع العيش". وبالتالي، لم يكن في تناقض مع النظام. في هذه الوضعية، تصبح المعارضة هامشية، ويكون التغيير وهماً. ما فُهم من ذلك كله هو أن النظام جبروتي القوة، وأنه بنى أجهزة أمنية ضخمة، وذلك كله صحيح. بالتالي، كان التغيير وهماً، وهو الهم الذي تكسّرت عليه المعارضة في ثمانينات القرن العشرين، وهو الوهم نفسه الذي قلب الأمر، ليصبح التغيير غير ممكن، إلا بقوى خارجية.
من كل هذه "العقلية" لم تغيّر الثورة شيئاً. على العكس، زحفت أطراف في المعارضة لتحريض الخارج على التدخل، وانتظرت طويلاً هذا التدخل. وهي لا زالت تنتظر أن يغيّر الخارج (وهنا الدول الإمبريالية الغربية) مواقفه ويقوم بالتدخل. ولا شك في أن جهد المعارضة الخارجية كان ينصبّ طوال ست سنوات على تحقيق ذلك. ولهذا، ربطت ذاتها بهذه الدول، وباتت "تعمل لديها" بشكل أو بآخر.
ربما بات الأمر أكثر سوءاً، حيث وجدنا في الفترة الأخيرة كيف أن مواقف كثيرين من معارضي النظام من الأحزاب والنخب، تحدّدت من الانتخابات في البلدان "الغربية"، بحسب موقف المرشّح من الوضع السوري، أي هل يدعم "الشعب" السوري، أم يرفض دعمه. لهذا، كان الجو العام ضد دونالد ترامب مع هيلاري كلينتون، بالضبط لأن الأخيرة أشارت إلى التدخل أكثر في الشأن السوري، بينما أعلن ترامب أنه يدعم بشار الأسد. وحين نجح، أُصيب هؤلاء بكآبة، لكنهم سرعان ما أفاقوا منها، حينما تجاوز الأسد الخطوط الحمر، واستخدم الأسلحة الكيميائية، فرد ترامب بقصف قاعدة الشعيرات بالصواريخ، حيث بات ترامب مع "الشعب" السوري. ومن ثم تراجع الأمر، بعد أن ظهر التوافق الأميركي الروسي، وقبول أميركا خطوات روسيا.
في بريطانيا، كانت النخب مع المحافظين، لأن زعيم حزب العمال اليساري أقرب الى النظام السوري كما يقال، لكن ظهر أن حكومة المحافظين تخلت عن "شرط" رحيل الأسد، وتتكيّف مع القبول بما يقرّره الروس كذلك. أما في فرنسا، فقد حشد السوريون مع الرئيس إيمانويل ماكرون لأنه ضد الأسد، ولم يتعاطفوا مع ممثل اليسار في الانتخابات، ولا اليمين كذلك اللذين يدعمان الأسد بوضوح، على الرغم من التناقض "الجذري" بينهما. لكن ماكرون عاد وتخلى عن مواقفه، بحيث لا يعتبر أن الأسد عدو فرنسا، وأنه يمكن أن يبقى في المرحلة الانتقالية.
يُحدث ذلك كله الإحباط طبعاً، لكنه يشير إلى أن هذه المعارضة والنخب تنتظر من يقوم بـ "الواجب" نيابة عنها، فيما يتعلق بمصير الأسد. إنها تتعلق بقوى خارجية، لكي تحسم الصراع ضد الأسد وتعيدها إلى سورية، وإلى السلطة في سورية. لكن "كل العالم" الآن ليس معنيا برحيل الأسد، بل معني بما يمكن أن يحصل عليه من مصالح، حال انتهاء الصراع السوري. ولهذا، يتقارب من موسكو، لعله يحصد شيئاً ما، أو أنه يبيع لموسكو في سورية لكي يحصد في مكان آخر.
هذا الوضع، القائم على التعلق بدور قوى خارجية هو الذي سمح بهيمنة المجموعات السلفية "الجهادية" على الأرض.