أمام خطر انتشار الفهم المتطرف للدين الإسلامي، يُقدّم المغرب كبديل مختلف للتعليم الديني، مما جعل دولا تعتبره نموذجا وشريكا مفترضا في مسألة التعليم الديني، مستندا إلى رصيده التاريخي في التصوف.
وتشير المعطيات إلى رغبة المغرب في تجاوز حدوده الجغرافية في المسألة الدينية، وهو دورٌ كان يلعبه تاريخيا، قبل الاستعمار، في شطر واسع من القارة الأفريقية، سواء عبر الزوايا الصوفية المغربية، والتي تستفيد من تبعية الآلاف من المريدين حول العالم، وتربطها بالسلطة السياسية عادة علاقة قرب، أو عبر مدارسه وجامعاته الضاربة في التاريخ، ومن بينها جامعة القرويين، التي تعتبر أقدم جامعة في العالم.
من الأخبار التي يمكن قراءتها مؤخرا، موافقة الملك محمد السادس، بالموازاة مع تأهيل مجموعة من 500 إمام من دولة مالي في المغرب، والذي يتم منذ أشهر على دفعات، على تكوين أئمة من تونس وليبيا وغينيا كوناكري، للاستفادة مما وُصف بـ "التجربة المغربية" في مجال تدبير الشأن الديني، في الوقت التي تتحدث فيه دول أوروبية عن رغبتها في الاستفادة من النموذج المغربي لتأطير المسألة الدينية، خوفا من ارتفاع مؤشرات الخطاب المتطرف.
ورغم ظاهر الأشياء، الذي قد يبدو مُبشراً، إلا أن التعليم الديني يُشكل رحى صراع وتجاذبات مختلفة، يتداخل فيها الديني بالسياسي وبالاقتصادي، بين الأطراف مختلفة المرجعيات. فمنذ وُجهت صفعة للمغرب يوم 16 مايو/أيار 2003؛ في انفجارات إرهابية راح ضحيتها عشرات المغاربة، أعلنت المصالح الوصية أن جزءا من المعتدين كانوا تلاميذ في إحدى دور القرآن السلفية، في الدار البيضاء، يؤطرها أحد الشيوخ المعروفين بعلاقاته القوية مع أطراف خارجية، مما أدى إلى إقفال عدة دور قرآن تابعة لجمعيته بفرعيها في الدار البيضاء أو مراكش، رغم استمرار حوالى 90 مدرسة سلفية نشطة في ربوع المغرب.
ويقسم الباحث المغربي في المسألة الدينية، عبد الحكيم أبو اللوز، في تصريح لـ "جيل العربي الجديد"، الأطراف التي تستهدف التعليم الديني إلى مؤسسات رسمية ممثلة على مستوى التعليم العالي، مثل دار الحديث وجامعة القرويين، وخاصة وهو يعرف تنوعاً كبيراً، من الكتاتيب ورياض الأطفال.. ثم مؤسسات مستقلة تابعة لجمعيات، ومنها الجمعيات التابعة للحركات الإسلامية وللتيارات السلفية، ثم مدارس التعليم العتيق وهي الأكثر انتشارا وتواجدا، خصوصا في سوس ماسة وطنجة.. وأخيراً مقررات التربية الإسلامية التابعة للبرنامج التعليمي لوزارة التربية الوطنية.
وكنموذج على مدارس التعليم العتيق، يخبرنا أونغير بوبكر، من منطقة سوس، أن "المنطقة شكلت تاريخيا أكبر خزان للمدارس العتيقة بالمملكة، وكانت لفترة طويلة مشتلا لإنتاج النخب، بما فيه إسهامها الكبير في محاربة الاستعمار. كما أن المدارس العتيقة بسوس تتميز بأنها متخصصة بميادين مختلفة الى جانب حفظ وعلوم القرآن، فمثلا المدرسة الأزاريفية تشتهر بالطب ومدرسة أكلو بالفلك ومدرسة أكرض بالشعر..".
وعلى الرغم من المواجهة التي انطلقت بين الدولة والسلفيين منذ تفجيرات 2003، التي تقع مدارسهم الدينية في مركزها، إلا أن الملف عرف انفراجا أياما فقط بعد انطلاق حراك 2011، إذ تم إطلاق سراح رموز السلفيين، والسماح بعودة محمد المغراوي، الشيخ الذي كان مقيما في السعودية منذ التفجيرات، والذي يترأس جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة، التي تتبع لها العديد من دور القرآن السلفية في البلاد.
ولا يُعترف إلى حد الآن بالمدارس الدينية التي تُلقن المذاهب المختلفة، كالشيعية مثلا. كما لا يُسمح للجماعات الحركية، التي تتنازع على الشرعية السياسية أو الدينية للدولة، بتأسيس وفتح جمعيات للتعليم الديني كجماعة العدل والإحسان، مما يجعل تلك المجموعات تلجأ لمنازل المنتمين إليها، لتلقين الشباب والنشء، وجهة نظرها في الدين والتدين.
(المغرب)