في العام 1856 وعلى خلفية الظروف اللاإنسانية التي كانت تتعرض لها المرأة العاملة خرجت آلاف النساء للاحتجاج في شوارع نيويورك ورغم أن المظاهرة شهدت تدخلا وحشيا للشرطة إلا أنها نجحت في لفت أنظار المسؤولين السياسيين وبالتالي إجبارهم على طرح مشكلة المرأة العاملة على طاولة مناقشاتهم اليومية
وفي 8 مارس/ آذار 1908 عادت العاملات للتظاهر من جديد حاملات قطع الخبز اليابس والورد "خبز وورد" في خطوة حملت الكثير من الدلالات الرمزية وطالبت المسيرة هذه المرة بتخفيض ساعات العمل ووقف تشغيل الأطفال ومنح النساء حق الاقتراع.
شكلت مُظاهرات الخبز والورد بداية تشكل حركة نسوية متحمسة داخل الولايات المتحدة خصوصاً بعد انضمام نساء من الطبقة المتوسطة إلى موجة المطالبة بالمساواة والإنصاف رفعن شعارات تطالب بالحقوق السياسية وعلى رأسها الحق في الانتخاب، وبدأ الاحتفال بالثامن من مارس/ آذار كيوم المرأة الأميركية تخليداً لخروج مظاهرات نيويورك سنة 1909 ويعود الفضل للنساء الأميركيات في دفع الدول الأوروبية إلى تخصيص هذا اليوم كيوم للمرأة.
غير أن تخصيص يوم الثامن من مارس/ آذار كعيد عالمي للمرأة لم يتم إلا بعد سنوات طويلة لأن منظمة الأمم المتحدة لم توافق على تبني تلك المناسبة سوى سنة 1977 عندما أصدرت المنظمة الدولية قراراً يدعو دول العالم إلى اعتماد أي يوم من السنة يختارونه للاحتفال بالمرأة فقررت غالبية الدول اختيار الثامن من مارس/ آذار وتحول بالتالي ذلك اليوم إلى رمز لنضال المرأة تخرج فيه النساء عبر العالم في مظاهرات للمطالبة بحقوقهن ومطالبهن.
ولأن نضال المرأة التونسية جزء لا يتجرأ من النضال النسائي العالمي يحق لنا اليوم أن نسأل عن وضعية المرأة التونسية في عيدها العالمي.
لقد ساهمت المرأة التونسية في مسيرات النضال الوطني المتعددة فكانت خير شريك لمواطنها الرجل ولعلنا نستطيع أن نذكر هنا مساهماتها الفاعلة في مسيرة الاستقلال وحربها مع الرجل من أجل طرد المستعمر الفرنسي وكذلك مساهمتها الفاعلة في انتفاضة الحوض المنجمي إضافة لوجودها بالصفوف الأولى للثورة التونسية لتكون الجريحة والشهيدة ويكفي هنا أن نذكر عدد السجينات السياسيات في عهد بن علي والذي فاق الـ 1000 سجينة حسب دراسة لجمعية نساء تونسيات على الرغم من أن الملفات التي بحوزة الجمعية 275 ملفاً فقط.
وهو رقما قابل للارتفاع لأنه يخص التيار الإسلامي فقط في حين هناك سجينات أخريات من تيارات أخرى، ارتفاع يؤكد الدور النضالي للمرأة التونسية ويجهض أي محاولة لبلورة دورها ضمن الحضور الشكلي.
وعلى الرغم من التواجد الفاعل سياسيا وقانونيا للمرأة التونسية اليوم إلا أنها اقتصاديا واجتماعيا مازالت تعاني الكثير ولعلنا هاهنا نستطيع أن نلمس معاناة المرأة الريفية والتي تمثل 5.35 من نساء تونس حيث ترتفع نسبة الأمية بالنسبة للمرأة الريفية لتصل إلى 30%، كما أن المرأة الريفية تعمل في أغلب الحالات دون أي عقد وبالتالي غياب التأمين الصحي والظروف الملائمة للعمل (ساعات العمل/ الأجرة المتدنية/...)
وتعود أغلب الأسباب التي تجعل المرأة الريفية تعيش ظروفا اجتماعية تعيسة -وهذا بالتالي يؤثر على الظرف التعليمي والصحي- إلى الظروف الاقتصادية عامة وخاصة العامل الاقتصادي الذي يساهم بقسط وافر في وضع المرأة الريفية الاجتماعي المتأزم يمس نظيرتها بالمدينة حيث تعاني أغلب النساء العاملات -خصوصا في المعامل والنزل والمحلات الصغيرة- من وضع اجتماعي رث حيث تضطر بعض النساء حتى المتعلمات والمتحصلات على شهائد عليا للعمل في ظروف غير ملائمة لتقبل بساعات عمل طويلة وأجر لا يكفي الحد الأدنى لمستلزمات الحياة.
وحتى على مستوى آليات التشغيل الحكومية التي كرستها الدولة في السنوات الأخيرة مثل الحضيرة والآلية 16 ثمة نسبة مرتفعة للعنصر النسائي لأن المرأة ترضى أن تشتغل مقابل عائد مالي ضعيف وغياب للتأمين الصحي أو حتى وضع مهني ثابت في حين يرفضه الرجل.
ولعل ما يزيد الوضع تأزما ما أظهرته مؤخرا - الندوة التي عقدت يوم الأربعاء 2 مارس/ آذار 2016 - نتائج الدراسة الوطنية حول "العنف المبني على الاجتماعي بالفضاء العام" والتي أنجزها مركز البحوث الدراسات حول المرأة (الكريديف) بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة لتكافؤ الفرص والمساواة حيث أكدت المديرة العامة للمركز "دلندة الارقش" أن النتائج مفزعة وتثبت حسب قوله "رفض الشارع التونسي للمرأة".
فيما أكد الأستاذ الجامعي "سليم قلال" أحد المشاركين في الندوة أن الدراسة المنجزة أثبتت العنف المسلط على المرأة في الفضاء العام بمختلف أشكاله بحيث تثبت الدراسة تعرض 40% من النساء إلى العنف الجسدي، و75% للعنف الجنسي -سواء بالفعل أو الأقوال ذات الإيحاءات الجنسية- و78% للعنف النفسي.
كما بينت الدراسة أن معظم السيدات اللاتي تعرضن للعنف في الفضاء العام يخترن عدم رد الفعل ولا يرفعن في العادة شكاوى ضد معنّفيهن، إذ إن 97% من النساء اللاتي تعرضن لعنف جنسي لم يقدمن شكوى قضائية، أما بالنسبة للعنف المادي، فإن 18% فقط يقدمن شكاوي.
الغريب أن الدراسة أثبتت أن المتعلمات يتعرضن للعنف أكثر من غير المتعلمات، وهو ما تم تفسيره بمؤشرين اثنين وهما احتكاك المتعلمات أكثر من غيرهن بالفضاء العام وقدرتهن على تشخيص العنف الممارس ضدهن، في حين لا تقدر غير المتعلمات على إبراز ما تعرضن إليه بوضوح.
أمّا على مستوى تقسيم النساء حسب الحالة الاجتماعية، فتتعرض المطلقات إلى العنف المادي والجنسي والنفسي أكثر من غيرهن.
ويعمد الرجل إلى تعنيف المرأة، وخاصة المتعلمة، لأنه يرى أنها بمستواها الثقافي والاجتماعي، "تزاحمه في الحياة العامة"، في حين يرى بعض الرجال أن العنف تعبير عن الـ"رجولة".
يمكن تلخيص القول إن المرأة التونسية اليوم تعيش صراعها الخاص، بين ما تقدمه سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا كحضور فاعل لا يمكن بحال إنكاره وما أقر لفائدتها قانونا (أبرزها مجلة الأحوال الشخصية) وبين الواقع الاقتصادي والاجتماعي المتأزم ممّا يجعلنا أمام تساؤل عن اليات تفعيل النص القانوني وكذلك إرسال ثقافة تربوية توعوية تحد مما تتعرض له المرأة اليوم.
(تونس)
وفي 8 مارس/ آذار 1908 عادت العاملات للتظاهر من جديد حاملات قطع الخبز اليابس والورد "خبز وورد" في خطوة حملت الكثير من الدلالات الرمزية وطالبت المسيرة هذه المرة بتخفيض ساعات العمل ووقف تشغيل الأطفال ومنح النساء حق الاقتراع.
شكلت مُظاهرات الخبز والورد بداية تشكل حركة نسوية متحمسة داخل الولايات المتحدة خصوصاً بعد انضمام نساء من الطبقة المتوسطة إلى موجة المطالبة بالمساواة والإنصاف رفعن شعارات تطالب بالحقوق السياسية وعلى رأسها الحق في الانتخاب، وبدأ الاحتفال بالثامن من مارس/ آذار كيوم المرأة الأميركية تخليداً لخروج مظاهرات نيويورك سنة 1909 ويعود الفضل للنساء الأميركيات في دفع الدول الأوروبية إلى تخصيص هذا اليوم كيوم للمرأة.
غير أن تخصيص يوم الثامن من مارس/ آذار كعيد عالمي للمرأة لم يتم إلا بعد سنوات طويلة لأن منظمة الأمم المتحدة لم توافق على تبني تلك المناسبة سوى سنة 1977 عندما أصدرت المنظمة الدولية قراراً يدعو دول العالم إلى اعتماد أي يوم من السنة يختارونه للاحتفال بالمرأة فقررت غالبية الدول اختيار الثامن من مارس/ آذار وتحول بالتالي ذلك اليوم إلى رمز لنضال المرأة تخرج فيه النساء عبر العالم في مظاهرات للمطالبة بحقوقهن ومطالبهن.
ولأن نضال المرأة التونسية جزء لا يتجرأ من النضال النسائي العالمي يحق لنا اليوم أن نسأل عن وضعية المرأة التونسية في عيدها العالمي.
لقد ساهمت المرأة التونسية في مسيرات النضال الوطني المتعددة فكانت خير شريك لمواطنها الرجل ولعلنا نستطيع أن نذكر هنا مساهماتها الفاعلة في مسيرة الاستقلال وحربها مع الرجل من أجل طرد المستعمر الفرنسي وكذلك مساهمتها الفاعلة في انتفاضة الحوض المنجمي إضافة لوجودها بالصفوف الأولى للثورة التونسية لتكون الجريحة والشهيدة ويكفي هنا أن نذكر عدد السجينات السياسيات في عهد بن علي والذي فاق الـ 1000 سجينة حسب دراسة لجمعية نساء تونسيات على الرغم من أن الملفات التي بحوزة الجمعية 275 ملفاً فقط.
وهو رقما قابل للارتفاع لأنه يخص التيار الإسلامي فقط في حين هناك سجينات أخريات من تيارات أخرى، ارتفاع يؤكد الدور النضالي للمرأة التونسية ويجهض أي محاولة لبلورة دورها ضمن الحضور الشكلي.
وعلى الرغم من التواجد الفاعل سياسيا وقانونيا للمرأة التونسية اليوم إلا أنها اقتصاديا واجتماعيا مازالت تعاني الكثير ولعلنا هاهنا نستطيع أن نلمس معاناة المرأة الريفية والتي تمثل 5.35 من نساء تونس حيث ترتفع نسبة الأمية بالنسبة للمرأة الريفية لتصل إلى 30%، كما أن المرأة الريفية تعمل في أغلب الحالات دون أي عقد وبالتالي غياب التأمين الصحي والظروف الملائمة للعمل (ساعات العمل/ الأجرة المتدنية/...)
وتعود أغلب الأسباب التي تجعل المرأة الريفية تعيش ظروفا اجتماعية تعيسة -وهذا بالتالي يؤثر على الظرف التعليمي والصحي- إلى الظروف الاقتصادية عامة وخاصة العامل الاقتصادي الذي يساهم بقسط وافر في وضع المرأة الريفية الاجتماعي المتأزم يمس نظيرتها بالمدينة حيث تعاني أغلب النساء العاملات -خصوصا في المعامل والنزل والمحلات الصغيرة- من وضع اجتماعي رث حيث تضطر بعض النساء حتى المتعلمات والمتحصلات على شهائد عليا للعمل في ظروف غير ملائمة لتقبل بساعات عمل طويلة وأجر لا يكفي الحد الأدنى لمستلزمات الحياة.
وحتى على مستوى آليات التشغيل الحكومية التي كرستها الدولة في السنوات الأخيرة مثل الحضيرة والآلية 16 ثمة نسبة مرتفعة للعنصر النسائي لأن المرأة ترضى أن تشتغل مقابل عائد مالي ضعيف وغياب للتأمين الصحي أو حتى وضع مهني ثابت في حين يرفضه الرجل.
ولعل ما يزيد الوضع تأزما ما أظهرته مؤخرا - الندوة التي عقدت يوم الأربعاء 2 مارس/ آذار 2016 - نتائج الدراسة الوطنية حول "العنف المبني على الاجتماعي بالفضاء العام" والتي أنجزها مركز البحوث الدراسات حول المرأة (الكريديف) بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة لتكافؤ الفرص والمساواة حيث أكدت المديرة العامة للمركز "دلندة الارقش" أن النتائج مفزعة وتثبت حسب قوله "رفض الشارع التونسي للمرأة".
فيما أكد الأستاذ الجامعي "سليم قلال" أحد المشاركين في الندوة أن الدراسة المنجزة أثبتت العنف المسلط على المرأة في الفضاء العام بمختلف أشكاله بحيث تثبت الدراسة تعرض 40% من النساء إلى العنف الجسدي، و75% للعنف الجنسي -سواء بالفعل أو الأقوال ذات الإيحاءات الجنسية- و78% للعنف النفسي.
كما بينت الدراسة أن معظم السيدات اللاتي تعرضن للعنف في الفضاء العام يخترن عدم رد الفعل ولا يرفعن في العادة شكاوى ضد معنّفيهن، إذ إن 97% من النساء اللاتي تعرضن لعنف جنسي لم يقدمن شكوى قضائية، أما بالنسبة للعنف المادي، فإن 18% فقط يقدمن شكاوي.
الغريب أن الدراسة أثبتت أن المتعلمات يتعرضن للعنف أكثر من غير المتعلمات، وهو ما تم تفسيره بمؤشرين اثنين وهما احتكاك المتعلمات أكثر من غيرهن بالفضاء العام وقدرتهن على تشخيص العنف الممارس ضدهن، في حين لا تقدر غير المتعلمات على إبراز ما تعرضن إليه بوضوح.
أمّا على مستوى تقسيم النساء حسب الحالة الاجتماعية، فتتعرض المطلقات إلى العنف المادي والجنسي والنفسي أكثر من غيرهن.
ويعمد الرجل إلى تعنيف المرأة، وخاصة المتعلمة، لأنه يرى أنها بمستواها الثقافي والاجتماعي، "تزاحمه في الحياة العامة"، في حين يرى بعض الرجال أن العنف تعبير عن الـ"رجولة".
يمكن تلخيص القول إن المرأة التونسية اليوم تعيش صراعها الخاص، بين ما تقدمه سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا كحضور فاعل لا يمكن بحال إنكاره وما أقر لفائدتها قانونا (أبرزها مجلة الأحوال الشخصية) وبين الواقع الاقتصادي والاجتماعي المتأزم ممّا يجعلنا أمام تساؤل عن اليات تفعيل النص القانوني وكذلك إرسال ثقافة تربوية توعوية تحد مما تتعرض له المرأة اليوم.
(تونس)