فهؤلاء الثلاثة، فنانان خارج مصر وصحافي داخلها، متفقون على رفض التعديلات الدستورية التي تتيح للرئيس السيسي البقاء في الحكم حتى 2034.
الفنانان، نجمان سينمائيان خارج مصر، والثالث صحافي داخلها. وما دمت خارج مصر، فاختر أيّهم: إخواناً مسلمين، أو عميلاً لدولة معادية، أو مثلياً، وهذه الصفة الأخيرة تبدو - في عرف أذرع النظام - فرصة سانحة وتليق بفنان أو فنانة.
الصحافي بدوره داخل مصر، فعليه أن يدفع ثمن تجرئه في صحيفة "المشهد" حين نشر تقريراً، يفيد بفرض أجهزة الأمن أتاوى على المقاولين وأصحاب المحالّ والمطاعم... إلخ لدفع المال، أو أشياء عينية كالأرزّ والسكر والشاي والزيت، بغية توزيعها على الفقراء، كي يذهبوا محتضنين الأكياس والمعلبات، إلى صناديق الاقتراع والقول "نعم" للتعديلات.
بضربة واحدة، أقفل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر جريدة شندي ستة أشهر، وغرّمها خمسين ألف جنيه.
أما مجلة "حريتي" الحكومية التي نشرت على غلافها صورة معالجة بالفوتوشوب، فتجمع بين واكد وأبو النجا عاريين في مسبح، فقد استدعي رئيس تحريرها، وسحب العدد من السوق، بانتظار عقوبة تراوح بين لفت النظر والعقوبة.
هناك "بوابة الهلال" أيضاً، وإن لم تحدث صخباً، فهي الأخرى ستتعرض للتقريع أو لفت النظر أو العقوبة، بسبب كلمة منافية للآداب وضعها محرر "متحمس وطنياً"، في عنوان لخبر عن إمكانية نقل بطولة الأمم الأفريقية من مصر إلى بلد آخر.
إذاً، هناك تحقيقات قد تطاول من يخالف بنود الجزاءات ومنها حالات السبّ، أو القذف، أو التشهير، أو التشكيك في الذمم المالية، أو انتهاك حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، أو التدليس على الجمهور، أو اختلاق وقائع غير صحيحة، أو إلقاء اتهامات مرسلة دون دليل، أو التهديد أو إيذاء مشاعر الجمهور.
غير أن الأمر لا يحكم فيه قانون في دولة، ولا يجلب القاذف والمدلس إذا كان في صف النظام، إلى سلطة القانون. يستطيع النظام تحديد خصومه والتنكيل بهم إذا كانوا تحت اليد، أو اغتيالهم معنوياً إذا كانوا خارج البلاد، عبر أذرع في كل وسائل الإعلام التي تخبط يميناً وشمالاً، مثل حاطب ليل.
لن يضطلع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بملاحقة الكلام الخارج عن الآداب العامّة، إلى آخر بنود جزاءاته، ما دامت صادرة من جهات حكومية وتقصف بلا هوادة "الخونة".
لقد أصبح "الشأن العام ذا طابع تقني، لا منظومة قيم ومثل عليا، وصارت الدولة شركة خاصة" ولها خبراؤها الذين يدافعون عنها، وهؤلاء الخبراء هم حرّاس "نظام التفاهة"، بحسب كتاب المفكر الكندي ألان دونو.
|
فلا يمكن للمجلس الأعلى أن يطالب المتحمسين للوطن - النظام بالترفع عن استخدام وصف "دكر" (ذكر) لمدح شخص الرئيس، الذائد عن حياض الوطن.
كان الشاعر هشام الجخ من المبكرين عام 2013 حين وصف السيسي بـ"الدكر"، تلته الممثلة السورية رغدة، ثم السياسية كريمة الحفناوي، التي قالت إن اختيار السيسي لرئاسة الجمهورية، ليس رداً لجميل الجيش الوطني الذي انحاز للشعب، وإنما لأنه "دكر". ولن تقف القائمة عند المذيع السيئ الأداء عزمي مجاهد الذي أكد أن البلد "بحاجة إلى دكر".
يخطر بالبال أن هذه المدونة "الوطنية" التي ترفع عالياً علم "الدكر"، لمدح منظومة سياسية، كيف ستترجمها إلى اللغات الأجنبية. فهي في الإنكليزية Male، أي الكائن الحي الذي مهمته التلقيح، وترك المهمة الباقية من الرقود على البيض، والولادات لأوعية حقيرة الشأن، هي الإناث، أو "النسوان".
قبل يومين صدرت أغنية لشخص يدعى حسن بلبل، تهاجم عمرو واكد وخالد أبو النجا، فماذا تقول؟
"اتنين لا مواخذة بالفستان، راحوا يشتكوا مصر للأمريكان، بالذمة بقى انتو ليكو أمان؟ يا أخي خليتوا إيه للنسوان؟".
وهنا، لا يمكن ولا يحق أصلاً للفنانة رغدة ورصفائها الاحتجاج. فمن لا يرى في رئيس الدولة سوى "دكر"، فعليه ألا يحرك ساكناً تجاه قذف فنانَين معارضين بنقصان منسوب "الذكورة" لديهما، حتى إنهما لم يتركا شيئاً للنساء والحضيض.
هل سيتعرض الفني الذي ركّب بالفوتوشوب صورة عمرو واكد وخالد أبو النجا، إلى لفت نظر؟ لا لأنه أساء للآداب العامة، بل لرداءة الصورة فنياً. لماذا لا يترك "فوتوشوب"، ويجرب حظه مذيعاً في مدينة الإنتاج الإعلامي؟