المدنيون... ضحايا منسيون في الحرب الأفغانية

01 ابريل 2019
خلال نقل جثماني قتيلين بهجوم لـ"طالبان" (زكريا هاشمي/فرانس برس)
+ الخط -

وسط الغموض المحيط بجهود المصالحة الأفغانية وتباين وجهات النظر حيالها في الداخل الأفغاني من جهة، وبين أفغانستان والولايات المتحدة من جهة ثانية، اشتدت المعارك في مناطق مختلفة من البلاد، قبل حلول موسم الربيع، المعروف بـ"موسم الحرب في أفغانستان"، ما أدى إلى ارتفاع كبير في أعداد الضحايا المدنيين. وبينما يثير تزايد سقوط قتلى مدنيين حفيظة الشارع، يتبادل طرفا الحرب الاتهامات بالمسؤولية عن قتل المدنيين.

وأكدت منظمة "حماية حياة المواطنين"، لـ"العربي الجديد"، أن "عدد القتلى والجرحى قد ارتفع، خلال الأشهر الثلاثة الماضية عموماً، وخلال الأيام الأخيرة على وجه الخصوص". وكشف رئيس المنظمة، عزيز أحمد تسل، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "خلال 85 يوماً أحصت المنظمة مقتل وإصابة أكثر من 900 مدني، بينهم 327 قتيلاً والباقون أصيبوا بجراح"، منوّهاً إلى أن "تلك الأرقام ليست الحصيلة الكاملة للضحايا، بل ما استطاعت المنظمة أن تسجلها". وأضاف أن "هؤلاء المدنيين قُتلوا خلال القصف الجوي والعمليات الليلية للقوات الأفغانية، والعمليات الانتحارية والألغام الأرضية، ولكن للقصف الجوي والعمليات الليلية نصيب الأسد". كما تشير الأرقام التي جمعتها وكالة الأناضول، ونشرت أمس الأحد، إلى مقتل أكثر من 90 مدنياً، في شهر مارس/آذار الماضي وحده، سقطوا إما في مناطق الاقتتال أو نتيجة الغارات الجوية أو في انفجار عبوات ناسفة.

من جهتها، أعربت بعثة الأمم المتحدة للمساندة "UNAMA" عن قلقها إزاء التطورات الأخيرة. وقالت في تغريدة على حسابها في "تويتر": "نشعر بالقلق إزاء تصاعد الوفيات بين المدنيين في العمليات البرية والجوية المشتركة بين القوات الأفغانية والأجنبية... ولا يزال هناك الكثير مما يجب القيام به وبسرعة لحقن دماء المدنيين المتزايدة في أفغانستان".
كما أكد مدير الاتصالات الاستراتيجية في البعثة، ليام ماكدول، لوكالة الأناضول، أن "تأثير النزاع على المدنيين يثير قلقاً عميقاً"، لا سيما بعد أن كانت البعثة صنفت عام 2018 بأنه الأكثر دموية في الصراع الأفغاني، منذ أن بدأت في حفظ السجلات، إذ تم توثيق مقتل 3804 مدنيين في عام 2018. وقال ماكدول لقد "شهد عام 2018 أعلى عدد قتلى مدنيين تم تسجيله على الإطلاق... جميع الأطراف مسؤولة عن وقوع إصابات بين المدنيين، حيث تتحمل طالبان وتنظيم داعش "المسؤولية عن حوالي ثلثي القتلى أو الجرحى من غير المقاتلين". كما أكد المسؤول نفسه أن "عدد الضحايا المدنيين نتيجة الغارات الجوية أيضا آخذ في الازدياد".

تظاهرات شعبية
وشهدت أقاليم ننجرهار، ووردك، وقندوز، وبكتيا، وبكتيكا، وقندهار، وغزنة، أخيراً، أحداث قتل المدنيين، الأمر الذي أدى إلى قيام تظاهرات في عدد من الأقاليم، تحديداً في وردك وننجرهار وقندوز وغزنة. وطالب المتظاهرون بتجنّب شن العمليات الليلية والقصف الجوي وزرع الألغام. فيما حذّر المحلل الأمني عتيق الله أمر خيل، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، من تداعيات ما يجري، مشيراً إلى أن "أحداث قتل المدنيين تخلق المزيد من الكراهية لدى الناس، وأن المواطنين لم يتعاونوا مع الحكومة من أجل إنهاء حالة الحرب، وبالتالي الحكومة لا تستطيع أن تفعل شيئاً بمفردها".

وفيما يتزايد سقوط القتلى المدنيين، تصرّ الحكومة الأفغانية إلى جانب حلف الأطلسي على تحميل "طالبان" المسؤولية. وذكر الحلف في بيان أخيراً أنه "يسعى بكل وسيلة لتجنّب قتل المدنيين خلال العمليات، وأنه يحقق في مثل هذه الأحداث، ولكن مسلحي طالبان عمداً يختبئون خلف المواطنين والنساء والأطفال". كما تكتفي الحكومة الأفغانية بردّ يتكرر مع كل حادثة، سواء بالإعلان عن إجراء تحقيق في القضية أو نفي العلم بالقضية، فيما تلجأ في بعض الأحيان إلى الاعتراف بقتل المدنيين، بحجة أن "طالبان تتمترس خلف المدنيين، أو أن مقاتلي الحركة استهدفوا القوات الحكومية من داخل المنازل السكنية".
وفي السياق، ذكر المتحدث باسم الداخلية الأفغانية، قيس منغل، أخيراً، أنه "في بعض الأحيان يستهدف مسلحو طالبان القوات الحكومية وحتى الطائرات من داخل منازل سكنية، وبالتالي يقع الضحايا في صفوف المدنيين أثناء رد القوات الحكومية".

كما علّق المتحدث باسم الحكومة المحلية في إقليم ننجرهار، عطاء الله خوجياني، في حديث مع "العربي الجديد"، على حادث قتل خمسة مدنيين قبل أيام في عملية للقوات الخاصة في مديرية بهسود، قائلاً إن "قتل وإصابة المدنيين جراء العمليات أمر مؤسف للغاية، ولكن في الحرب يحدث ذلك أحياناً، ونسعى من طرفنا أن لا يحدث ذلك، فقوات الأمن الأفغانية تدفع الثمن في بعض الأحيان، ولكنها تسعى رغم ذلك ألا يكون المواطنون ضحايا الحرب".

في المقابل، تستغل حركة "طالبان" الوضع لشنّ حملة ضد الحكومة الأفغانية التي بدأت تخسر نفوذها في الداخل وعلاقاتها مع الولايات المتحدة. وأطلقت "طالبان" حملة إعلامية مكثفة ضد الحكومة الأفغانية والقوات الدولية، إذ باتت وسائل إعلامها مليئة بالصور عن الأماكن التي تستهدفها القوات الأفغانية والقوات الدولية. وتعمل وسائل إعلامها على نقل حوارات المواطنين وكل الأحداث، لا سيما ردود الأفعال، كالتظاهرات والاحتجاجات، أو نقل المواطنين جثامين القتلى إلى أمام مقرات الحكومات المحلية أو غيرها. وتهتم الحركة أكثر إذا كان الهدف مدارس ومساجد، على اعتبار أن الأمر "يثير مشاعر الشعب الأفغاني".


مثال على ذلك، أن حركة "طالبان" ذكرت في مقال لها نشرته على موقعها "دجهاد غك" (صوت الجهاد)، في 24 مارس الماضي، بعنوان "القوات الأميركية وعملاؤها يواصلون استهداف المدارس والمساجد"، أن "القوات الأميركية وعملاءها من الأفغان استهدفوا مرة أخرى مدرسة دينية ومسجداً في مديرية زنخان في إقليم غزنة، ودمّروها بشكل كامل". وذكر المقال أن "المدرسة المستهدفة كانت باسم مدرسة المولوي نور الله، وقُتل فيها ستة من طلابها". ودان المقال ما وصفه "صمت المعنيين بحقوق الإنسان والمؤسسات المحلية والدولية التي تدعي أنها تعمل من أجل الحفاظ على حقوق المدنيين في أفغانستان".
مع العلم أن الطائرات الأميركية استهدفت، في شهر فبراير/شباط، مدرسة دينية مشهورة على مستوى أفغانستان كلها، عمرها أكثر من 100 سنة، بناها العالم الصوفي ميا كل جان أغا، في مديرية تغاب بإقليم كابيسا المجاور لكابول، وكان ذلك بحجة أن "طالبان" كانت تستفيد منها. في هذا الصدد، قال مدير المدرسة، مبشر صافي، حفيد جان آغا، لـ"العربي الجديد"، إن "المدرسة كانت مركزاً علمياً، ولا أدري لماذا استُهدفت، غير أننا مصممون على إعادة بنائها"، مشيراً إلى أن "الأمور إذا واصلت على هذه الشاكلة، فإن الشعب سينتفض لا محالة".

كذلك دخل معارضو الرئيس الأفغاني أشرف غني، على خط توظيف التطورات الميدانية سياسياً، ومنهم الرئيس السابق حامد كرزاي، ومستشار الأمن القومي السابق محمد حنيف أتمر، منافس غني في الانتخابات الرئاسية المقررة في يوليو/تموز المقبل. ولا يكاد يمر حادث من أحداث قتل المدنيين إلا ولكرزاي إدانات وشجب وبكلمات شديدة اللهجة، بل في بعض الأحيان يصرح بأن الحكومة والقوات الأميركية وراء قتل المدنيين، ويطلب منهم الحذر، منبّهاً من عواقب وخيمة والمزيد من أعمال العنف. أما أتمر فغالباً ما يكتفي بالإدانة والشجب، وفي بعض الأحيان يوجّه الانتقادات للحكومة ولكنه لا يتعرض للقوات الأميركية والدولية، ربما لأنه يأمل الفوز بالرئاسة في المستقبل.

ثمن تغيير الاستراتيجية
ولا يمكن فصل تزايد سقوط القتلى المدنيين في أفغانستان عن إطلاق الحكومة و"طالبان" العمليات العسكرية قبل موسم الربيع، وهو الأمر الذي أثار استغراب الأفغان. وفي السياق، قال رئيس منظمة "حماية حياة المواطنين"، عزيز أحمد تسل، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "هناك الكثير من الأسباب خلف انطلاق الموجة الشرسة من العمليات في موسم الشتاء وقبل موسم الحرب، أبرزها أن كل طرف حاول أن يسيطر على أكبر مساحة من الأرض وتكبيد عدوه خسائر، بعد أن تباينت وجهات نظرهما حيال المصالحة الأفغانية". وأوضح أن "الحكومة الأفغانية كانت على استعداد لشنّ العمليات الشتوية، ولا شك أن قدرات الجيش قد تحسنت في الفترة الأخيرة بعد إجراء سلسلة تغييرات في قيادته. بالتالي فإن كلا الأمرين، المصالحة واستعداد الحكومة للعمليات في موسم الشتاء، أرغما طالبان على بدء العمليات في الشتاء من دون الإعلان عنها رسمياً". وأكد تسل أن "الحكومة كانت تعتمد كثيراً خلال تلك العمليات على سلاح الجو، ما أدى إلى إلحاق ضرر كبير بطالبان والمواطنين على حد سواء. بالتالي فإن طالبان لجأت أيضاً إلى العمليات بالمثل، وفي بعض الأحيان لجأ مسلحو الحركة إلى داخل القرى والأرياف من أجل الاختباء بها، ما كان سبباً في قتل وإصابة المدنيين". ولفت تسل أيضاً إلى أن "طالبان تستخدم الموضوع في بعض الأحيان من أجل تشويه سمعة الحكومة". كما لم يستبعد أن "يكون من ضمن أسباب ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين التغيّرات الأخيرة في المنظومة العسكرية، تحديداً تعيين وزير الدفاع أسد الله خالد، ووزير الداخلية مسعود أندرابي، وهما من ضباط المخابرات، فضلاً عن اللجوء إلى الخيار العسكري والتعامل بقسوة مع طالبان".

وفي السياق، أشار المحلل عتيق رحمان، في حديث مع وكالة الأناضول، إلى أنه على عكس كثير من أسلافه، فإن وزير الدفاع الجديد أكثر حماسة في ملاحقته المسلحين. وأضاف رحمان "من دون شك، عادت الاشتباكات المسلحة والغارات الجوية والعمليات الليلية بكامل قوتها ضد المتمردين، الأمر الذي أدى بطبيعة الحال إلى ارتفاع عدد الضحايا المدنيين والخوف بين المتمردين". عمل خالد حاكماً في عدد من المحافظات الجنوبية، كما شغل منصب رئيس الاستخبارات في البلاد قبل منصبه الحالي. وسبق أن نجا من محاولات اغتيال عدة. وقال خالد، في خطاب ألقاه عند توليه المنصب في وقت سابق من العام الحالي، أمام حشد من الجنود، إن مهمتهم لن تكون فقط في وضع دفاعي لإحباط هجمات المسلحين. وتوعد قائلاً "لفترة طويلة، كانت قواتنا تحمل شعار "سنموت، لكن لن نستسلم"، لكن مع كل الاحترام لهذا الشعار القديم منذ الآن وصاعداً سيكون شعارنا الجديد "سنقتلهم، ونسيطر على معاقلهم".