تشهد مدن غرب وشمال العراق، منذ يوم الاثنين، غارات مكثفة لطيران التحالف الدولي، بلغت بحسب مصادر عسكرية عراقية، أكثر من 70 غارة، شنّتها مقاتلات كندية وفرنسية وأميركية، استهدفت مواقع مفترضة لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، محددة مسبقا كـ"أهداف إرهابية" للتحالف، إلا أن عدداً غير قليل من تلك الغارات أخطأ أهدافه.
وقد تسببت الغارات المتتالية بمقتل وإصابة العشرات من المدنيين من سكان الأنبار والموصل، بينهم نساء وأطفال، بالإضافة إلى تدمير محطات مياه وكهرباء ومخابز عامة وجسور. مع العلم أنه في الوقت عينه يفرض التنظيم حصاراً على السكان بتلك المدن، ويمنع خروجهم من المدينة ويفرض عقوبات على من يحاول الفرار من مناطق سيطرته إلى مناطق سيطرة الحكومة العراقية، رافعاً شعار "لا أحد يموت إلا بإرادة الله". وهو ما جعل المدنيين في تلك المناطق، أشبه ما يكون بدروع بشرية للتنظيم، وأرقام لدى التحالف الدولي، يُضيفهم إلى عدّاد قتلى العدو، حتى وإن كانوا أطفالاً، في ظل انعدام عمل المؤسسات التي توثّق الانتهاكات.
ووفقاً لإحصاءات حصلت عليها "العربي الجديد" من مصادر طبية في مستشفى الجمهوري بالموصل، فإن الغارات الفرنسية الأميركية على المدينة، تسبّبت في الأيام الماضية بمقتل 28 مسلّحاً في "داعش"، بينهم عناصر بارزة من جنسيات عربية وأجنبية، إلا أن 36 مدنياً قُتلوا أيضاً في الغارات، من بينهم 11 طفلاً دون سن الثانية عشرة وتسع نساء. ومن المجموع الكلي للضحايا المدنيين، عائلة كاملة مؤلفة من الأب والأم وأطفالهما الخمسة، قضوا بغارة لطائرة تابعة للتحالف قرب باب الطوب، وسط الموصل.
ويقول طبيب بمستشفى الموصل لـ"العربي الجديد"، إن "نحو مليون ونصف المليون نسمة في الموصل، التي كانت تضم قبل احتلالها من التنظيم أكثر من ثلاثة ملايين، ينتشرون الآن بالمدينة، ولا همّ لهم سوى البقاء على قيد الحياة، وسط الغارات التي لا ترحم".
ويضيف الطبيب، قائلاً إن "التنظيم يغيّر من مواقعه كل يوم مرات عدة، لذا لا تطاوله الغارات بشكل كامل عادة، على عكس المدنيين، الذين يقعون ضحية، فإذا قُصف منزل للتنظيم، ستجد أن المنازل المجاورة له، تصبح ركاماً بدورها. ذلك لأن القنابل التي تلقيها الطائرات تدمّر ما محيطه 500 متر مربّع أو أكثر ". ويؤكد أن "صور الضحايا المدنيين موجودة، غير أنه لا يتوفر لنا الإنترنت كي نسرّبها لوسائل الإعلام".
اقرأ أيضاً العراق: تشكيل جبهة برلمانية لنقض قرارات العبادي
من جهته، يُشير الشيخ سعد الحمداني، أحد شيوخ العشائر بالموصل، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "التحالف الدولي زاد من كمية الضربات للموصل، بشكل جعلنا لا ندري من المستهدف، نحن أم داعش". ويتابع "أستغرب قصف الطائرات داخل الأحياء السكنية، وترك المواقع الحدودية للموصل، التي يرابط المسلحون بها. وهذه الغارات ستزيد من نقمة الناس على الوضع، ولا تساعد في حلّ المشكلة، فأغلب من يدفن اليوم مدنيون، ويُمكن القول إن غارات التحالف تقتل مدنيين اثنين مقابل مسلّح واحد من التنظيم".
في المقابل، يقول العقيد الركن سمير حسين من قيادة عمليات الأنبار، لـ"العربي الجديد"، إن "الطيران الكندي شنّ غارات عنيفة على مواقع داعش في مناطق أعالي الفرات، غرب الأنبار، قرب الحدود السورية، فجر أمس الأربعاء".
ويردف أن "الغارات استهدفت منصات إطلاق صواريخ وعربات تحمل أسلحة كانت في طريقها من سورية إلى العراق، فضلاً عن مبنى استراحة تابع لداعش". ويؤكد أن "القصف تركز على مناطق شمال حديثة وغرب القائم".
أما القيادي في "اتحاد القوى العراقية"، محمد الدليمي، فيدعو التحالف الدولي إلى "ضبط النفس والتأني في الضربات الجوية، لأن التقارير الأخيرة تؤكد سقوط أبرياء بالقصف الدولي". ويوضح أن "القصف الأخير لا يتسم بالدقة، وعلى الأمم المتحدة فتح تحقيق بسقوط مدنيين، بينهم أطفال، بالغارات الفرنسية الأميركية. ولا نعلم حتى الآن ما إذا كانت الغارات الكندية تسببت بقتلى بالأنبار، لكننا نأمل غير ذلك".
أما رئيس منظمة "السلام" العراقية محمد علي، فيلفت في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "تمّ تسجيل خسائر في صفوف المدنيين بغارات التحالف، كان أكبرها بالموصل". ويتابع أنه "مع زحمة الأجواء وتسارع الغارات بين دول التحالف والطيران العراقي، بات من الصعب تحديد هوية الطائرة، غير أنه يجب أن يتأكد الجميع من أن مدنيين قُتلوا، وأن ذلك لم يعد مقبولاً".
في سياقٍ متصل، يحثّ قائد عمليات نينوى اللواء الركن نجم عبد الله الجبوري، أمس الأربعاء، في بيانٍ له، التحالف الدولي، على "ضرورة "توخي الدقة في قصف أهداف داعش بالموصل، وعدم قصف الأهداف إلا بعد التأكد منها وأن يُجنّبوا الأهالي نيران ذلك القصف".
اقرأ أيضاً: تجّار العراق يتهمون المليشيات بابتزازهم مالياً