المدام إخوان

23 ابريل 2015
+ الخط -

جلس ناصح مضطجعاً في انتظار رؤية صديقه عوض الذي تغيب عنه لأيام في ظروف غامضة، في مساء ليلة 24 مارس/آذار 2015، قرر مباغتته بزيارة مفاجئة إلى منزله للوقوف على أسباب اختفائه المفاجىء عن الأنظار، فالأصدقاء في المقهي يفتقدونه في أوقات الفرفشة ولحظات الأنس والتجلي.

ظل ناصح يحملق في أركان البيت، كعادة أي مصري يزور مكانا لأول مرة، وعينه تنطق بحديث رجل يتقن الحسد: "يخرب بيت.... يا عوض، مستريحة معاك يا معلم، لأ وأنا اللي كنت مغفل وبحاسب على المشاريب".

قاطعته زوجة صديقه وهي تسأله بحياء امرأه "تحب تشرب إيه يا فندم"!

ناصح: أي حاجة يا مودام.. ولو عوض نائم متزعجهوش.. ممكن أجي في وقت تاني... أه مهو أنا خلاص عرفت طريقه.

لم يكد يفرغ من جملته، لينهض صديقه مستقبلا إياه، كانت معانقة شبيهة بمعانقة رجال في حلبة مصارعة، ظلا يضربان على أكتاف بعضهما بعضا، ثم أشار إليه عوض بالجلوس "اقعد.. اقعد..".

ناصح شاب بسيط في أواخر العشرينات من عمره، عفوي الطبع، يعمل في إحدى المطابع في الأميرية، تعرف على عوض خلال عمله في إحدى "الطلبيات" لطباعة علب ورقية لشركة أدوية شهيرة يعمل فيها عوض، وكان يقوم الأخير بإكرامه بعد انتهاء كل "طلبية" باصطحابه إلى المقهى المجاور، تطورت العلاقة بينهما، من عمل إلى ما هو أقوى من ذلك، فأصبحا يختلقان الظروف ليجلسا مع بعضهما بالساعات بلا ملل، يتحدثان بشكل ساخر عن مشاكلهما، ليس لإيجاد حلول لها، بل للاستمتاع بالفضفضة السماعية.

كان المظهر الخارجي لعوض يبدو بسيطا هو الآخر، متعمداً إظهار ذلك كي لا يطمع الآخرون فيه، رجل اجتمعت فيه صفات أخلاقية جعلت كل من يعرفه لا يريد قطع الصلة به، ولعل أروع صفاته أنه يخاطب كلاً بطريقته.

جلس ناصح على الأريكة وببلاهته المعتادة يضحك: "ها ها ها.. لا بس الكنبة حلوة، أنا عرفت أنت مبتجيش ليه".

عوض: تصدق وحشني غباءك.. بس انت عرفت طريق البيت ازاي؟

ناصح: اللي يسأل ياعم ميتوهش.. وحشتني يا صاحبي وربنا... القهوة من غيرك بصراحة تحسها مش محوجة.

عوض: يا ساتر على دمك.. وأنا اللي قولت استريحت من الشك الرخيص..

ناصح: بس قولي صحيح.. هي مراتك ليه حاطه وشها في الأرض وهي بتكلمني.. أنا افتكرت ضايع منها حاجة.

عوض: متحترم نفسك.. دي مراتي يا جدع.

ناصح: يا عم هو أنا غلطت، بقولك شكلها زعلان.. معيط... في حاجة مكدرة عليها العيشة.. قولي يا صاحبي، أنا أعزب أه بس أعجبك أوي، طب جربني كده!

عوض: كان غيرك أشطر، بقالها ع الحال ده أسبوع، بحاول بكل الطرق أطلعها من اللي هي فيه ومش عارف، بعد قرار جنيات الجيزة بإعدام 14 إخواني الكآبة ماسكتها وكأن المرشد العام ده ابن خالتها.

ناصح يهرش برأسه محاولاً تدارك غبائه السياسي بمجاراته في الحديث، فلربما من سياقه يفهم.

ناصح: أصل إن واحد يتحكم عليه بالإعدام حرام برضو! عمل إيه لكل ده! هي التهمة إيه فكرني كده!

عوض: غرفة رابعة يا سيدي.

ناصح: آه يا بلد... بتفتلي ولادك بالبطيء، وكل ده عشان غرفة.. أومال لو كانوا سرقوا فيلا أو قصر.. كان اتحكم عليهم بإيه!

يرفع عوض حاجبه متعجباً من كلماته غير المفهومة ثم يقول له: سرقوا إيه يا مغفل، الدولة بتتهمهم بأنهم أشاعوا الفوضى في اعتصام رابعة، وعشان تداري الداخلية على جريمة قتلهم 1400 متظاهر بالميدان أعلنوا رفضهم لعزل أول رئيس منتخب، لطشت دور رأفت الهجان وقالوا للشعب إحنا بنحارب الإرهاب عشان ياخدوا "سوكسي".

ناصح: مين سوكسي؟

عوض: يعني "يسأفو ليهم" يا أنصح إخواتك.

يضحك بغباء رجل لم تصل إليه المعلومة بشكل كاف: والله يا جدع ربنا ع الظالم وابن الحرام... بس اللي نفسي أعرفه، هو انت مراتك ليه شايله طجن ستها! طب وربنا صحتها بالدنيا.

عوض يقترب من طرف الكرسي ليخبره بصوت يكاد يسمع "أصل بصراحة مراتي من الإخوان".

تتسع عين ناصح ويتخشب "يا نهار مش فايت"!

المساهمون