المحاكم الباكستانية تنتصر لأهالي التلاميذ

18 يناير 2019
إلى المدرسة (عامر قريشي/فرانس برس)
+ الخط -
منذ أمد بعيد، يشكو أولياء الأمور من ارتفاع الرسوم المدرسية في المدارس الخاصة في باكستان، لكنّها شكوى لم يكن يتجاوب معها أحد، في ظلّ نفوذ أصحاب المدارس الخاصة والفساد المستشري في قطاع التعليم.

لكن، في أعقاب انتخابات 2013، مع تولي حركة الإنصاف، الحكم في إقليم خيبربختونخوا، شمال غربي باكستان (40 مليون نسمة) المحاذي للعاصمة إسلام آباد، حاملة شعاري "التعليم للجميع" و"الإصلاح في قطاع التعليم" بدأ الاهتمام خصوصاً بالمدارس الحكومية، إذ إنّ معظم سكان الإقليم لم يكونوا قادرين على إرسال أبنائهم إلى المدارس الخاصة. كذلك، فرضت الحكومة قيوداً مشددة على المدارس الخاصة، بهدف تنفيذ القوانين المتعلقة بالبرامج التعليمية والمواصلات والأبنية وغيرها. ومن ضمن ما كانت تسعى إليه الحكومة ضبط الرسوم المالية التي تحددها كلّ مدرسة خاصة كما ترغب.




هذا الأمر أثار حفيظة المدارس الخاصة، فأعلنت نقابتها الإضراب الشامل والاحتجاجات في الإقليم وتضررت بسببه عملية التعليم في الإقليم، لكنّ الحكومة لم تلقِ لها بالاً، بل اهتمت أكثر بنظام المدارس الحكومية. وأخرج القياديون في الحركة ووزراء الحكومة المحلية أبناءهم من المدارس الخاصة وأدخلوهم إلى المدارس الحكومية، تشجيعاً لبقية المواطنين، مطالبين أثرياء البلاد بالتوجه إلى المدارس الحكومية بدلاً من المدارس الخاصة.

وكان من ضمن الخطوات التي اتبعتها الحكومة منع المدارس الخاصة من تلقي رسوم الإجازات السنوية، وتحديداً الإجازة الصيفية وهي ثلاثة أشهر. من جهتها، رفعت المدارس القضية إلى المحكمة، وبعد جدال كبير بين نقابة المدارس الخاصة والحكومة المحلية كان الحكم في صالح الحكومة المحلية، لكنّ النقابة رفعت القضية إلى المحكمة العليا لإعادة النظر فيها.

كان الجدال مستمراً بين الحكومة المحلية وبين المدارس الخاصة وبرزت قضية الرسوم في المحكمة، عندما تولى حزب حركة الإنصاف أيضاً الحكومة المركزية بعد النجاح في الانتخابات العامة في باكستان ككلّ، في يوليو/ تموز الماضي. وهكذا أعلنت الحكومة المركزية عن إجراء الإصلاحات في قطاع التعليم على مستوى البلاد، وتحديداً في ما يتعلق بالرسوم المدرسية. ومرة أخرى، لاقت القضية اهتماماً كبيراً وكانت المحكمة العليا، وكذلك محكمة إقليم السند (48 مليون نسمة، جنوب شرقي باكستان) تنظران فيها.

أصدرت محكمة إقليم السند، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قراراً بضبط الرسوم المدرسية وفق القانون الحكومي الذي أصدر في سبتمبر/ أيلول عام 2017، ومنعت المحكمة جميع المدارس الخاصة من فرض أيّ نوع من الزيادة في الرسوم المدرسية، كما قررت فسخ إعلان المدارس الخاصة زيادة خمسة في المائة من الرسوم منذ بداية العام الجاري. وجاء في قرار المحكمة أنّ أيّ انتهاك له سيخلّف عواقب شديدة، كما منعت بشدة أن تأخذ المدارس الخاصة رسوم الإجازات السنوية، تحديداً إجازة الصيف.

في المقابل، لم يرضخ أصحاب المدارس الخاصة، وبعد فشل إضراباتهم واحتجاجاتهم، لجأوا من خلال نقاباتهم الخاصة إلى المحاكم العليا متحدين جميع قرارات المحكمة الإقليمية. وما يُخشى منه أن تلجأ المدارس إلى ممارسة الضغط على المعلمين والموظفين في ما يتعلق برواتبهم الشهرية. ومن المؤكد أنّها لن تدفع لهم رواتبهم في إجازة الصيف، بحجة أن التلاميذ لا يدفعون.

في هذا الصدد، يقول ولي زار، المعلم في إحدى المدارس الخاصة، في عاصمة خيبربختونخوا، مدينة بيشاور، لـ"العربي الجديد" إنّ من سيتلقى الضرر الأكبر هو المعلم، لأنّ أصحاب المدارس تجار، لا يهمّهم غير جمع المال، ولا شك أنّهم يجمعون المال بمختلف الطرق طوال العام الدراسي. لكنّ المشكلة الرئيسية هي للمعلمين الذين يعملون مقابل رواتب زهيدة، والآن ستكون كارثة أكبر عليهم وهي الحرمان من رواتب الإجازة المدرسية. يطلب ولي زار من الحكومة ومن المحكمة أن تصدرا قراراً بمعاقبة كلّ مدرسة تمتنع عن دفع رواتب المعلمين في الإجازة.




بدوره، يقول ذكي الله، وهو من وجهاء منطقة أبدره، في بيشاور، لـ"العربي الجديد" إنّ "على الحكومة أن تتدخل في مثل هذه القضايا، فأصحاب المدارس الخاصة كانوا كالجزارين يخرجون الأموال من جيوب الآباء بشتى السبل".

إقفال مدارس
قررت المحكمة العليا في باكستان تخفيض رسوم المدارس الخاصة التي تتلقى شهرياً 5000 روبية (نحو 37 دولاراً أميركياً) أو أكثر، بنسبة 20 في المائة. لكنّ عدداً من المدارس لم يخضع لقرار المحكمة، فألغت السلطات تراخيص 116 مدرسة حتى الآن، في إقليم السند وحده، كما أغلقت عدداً منها في أقاليم أخرى.
المساهمون