المجلس العسكري السوداني يشدّد قبضته على المال العام

25 ابريل 2019
مساعٍ للتحكم في التحركات المالية (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -
كثّف المجلس العسكري السوداني من تحركاته لتشديد القبضة على المال العام عبر إجراءات جديدة وصفها خبراء بأنها جادة وتستهدف محاصرة التحركات المالية لرموز نظام الرئيس السابق عمر البشير والسيطرة على كل إيرادات الدولة لسد باب الفساد.

ويأتي ذلك وسط استمرار الحراك الشعبي في الشارع والذي يضغط لتنفيذ عدة مطالب أبرزها إطاحة كل رموز النظام السابق ومحاسبة المتورطين في قضايا فساد وحل الأزمات المعيشية ونقل السلطة إلى حكومة مدنية.

وقرر المجلس العسكري إعادة هيكلة بنك السودان المركزي، غير مكتفٍ بإغلاق الحسابات الحكومية السابقة، بل يسعى إلى فتح حسابات بنكية جديدة لمباشرة إيداع وصرف المال بطريقة صحيحة، بعد أن وضع يده على مبالغ نقدية كبيرة داخل منازل أعضاء النظام السابق. وتحصل أيضاً على أوراق نقدية محلية وأجنبية بمنزل البشير قدّرها رئيس المجلس العسكري بسبعة ملايين يورو وأكثر من ثلاثمائة ألف دولار.

وفضلاً عن تلك المبالغ التي أودعت في البنك المركزي تم الإعلان عن ودائع أخرى من السعودية والإمارات، الأمر الذي دعا نائب رئيس المجلس الانتقالي محمد حمدان حميدتي، إلى التأكيد على اعتزام مجلسه فتح حسابات جديدة مع إلغاء سابقاتها والتصرف في تلك الأموال وفقاً للقواعد المصرفية المعمول بها.

وقال نائب رئيس المجلس في لقاء له مع قوات الجيش، مؤخراً، إن هناك قروضاً ومنحاً في الخارج ما زالت حبيسة نسعى إلى إدخالها لدورة الاقتصاد بعد زوال الأسباب.

وأعلن حميدتي عن شروع مجلسه في فتح حسابات ببنك السودان المركزي لتوريد الأموال التي ترد إلى الحكومة، وكشف عن وجود أموال طائلة لم تدخل لخزينة البنك المركزي ويتحكم فيها أشخاص، مشيرا إلى شركات كبرى ومبالغ بمليارات الدولارات ستؤول للدولة، عقب تطبيق هذه الإجراءات.

وقطع بأن أي مبلغ يأتي للحكومة سيذهب للبنك المركزي ووزارة المالية ولن يتسلم منه المجلس العسكري شيئاً، محذراً من يريدون حماية مصالحهم بطرق ملتوية، وقال "عليهم أن يقتنعوا ويستسلموا للأمر الواقع".

وفي هذا السياق، يقول المحلل المالي فتح الرحمن إبراهيم، لـ"العربي الجديد": "هناك كثير من المنح والقروض وردت للبلاد في السنوات الماضية ونتيجة لعدم ولاية وزارة المالية عليها لم تظهر تفاصيل صرفها بشكل شفاف، وكثير منها تمت إثارته في البرلمان دون أن يتم حسمه، ومنها قرض مصنع سكر "مشكور"، وأموال محطة كهرباء "الفولة" التي بيعت خردة، وقروض أخرى لعدد من المنشآت الحيوية".

ويضيف إبراهيم أن المجلس العسكري والحكومة الجديدة سيرثان تركة الفساد ويحتاجان إلى بذل جهوداً ضخمة من أجل السيطرة على المال العام ومعرفة الموارد بدقة وكيفية صرفها وفق الأسس السليمة.

ويقول إبراهيم إن الثابت وجود حاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى إلى إزاحة ستار السرية الذي تنتهجه عدد من المؤسسات الحكومية التي تتلاعب بالمال العام، وليس عصياً على كل مراقب أن يستنتج أن هذه المؤسسات ضربت حول نفسها طوقاً متيناً وبالتالي ليس من اليسير عبوره ومعرفة ما تخبئه. ويتابع: الكرة الآن في ملعب المجلس العسكري وعليه أن يتخذ إجراءات جادة في هذا الإطار.

وامتلكت الحكومة السابقة مئات الشركات التي تحتكر قطاعات اقتصادية ذات دخول عالية، بالإضافة إلى منظمات تتوافر لها تسهيلات كبيرة، حسب التقرير الدوري الذي قدمه المراجع العام بالبرلمان.

وشهد العام الماضي إثبات وجود 104 شركات حكومية، استعصت محاولات مراجعتها ومحاسبتها ماليا، ولا يدري المراجع العام عن إيراداتها وأوجه صرفها شيئا، وفق التقرير.

وحسب مراقبين، يحظى قطاع النفط بنصيب الأسد من الأموال المجنبة التي لم يكن يعلم عنها أحد شيئا، لكونها من أهم القطاعات التي أحيطت بسياج من السرية، بل لم تكن أموال النفط تدخل لحساب وزارة المالية بالأساس، يليه قطاع المعادن وبالتحديد إنتاج الذهب الذي لم يكن ضمن موازنة السنوات الماضية، وكانت تتحكم في موارده السلطة السياسية العليا مباشرة من دون المرور بوزارة المالية.

ويصف اقتصادي بارز، مفضلا حجب هويته، لـ "العربي الجديد"، ما كان يحدث في إدارة المال العام بأنه لا يمت لعلم الاقتصاد بشيء. وقال إن بعض التجاوزات لم تكن مقبولة، لافتا إلى أن السلطة الحاكمة السابقة لم تستمع لرؤية ونصح المختصين.

وكان تقرير حديث صدر عن المنظمة السودانية للشفافية قد كشف عن عدم تضمين 83% من الشركات الحكومية لإيراداتها في الموازنة العامة.

ويؤكد رئيس المنظمة السودانية للشفافية الطيب مختار، لـ "العربي الجديد"، أن الحكومة الجديدة والمجلس العسكري مدعوان أكثر من أي وقت مضى إلى سد ثغرات الفساد، والعمل بإرادة سياسية جادة وملتزمة بمكافحة الفساد، لتحسين وضع السودان.

وقطع مختار بعدم إمكانية نجاح برامج التنمية ما لم يتم الحد من خطورة الفساد، مؤكداً أن 85% من حالات الاعتداء على المال العام لم تضبط.

وحذر من خطورة ما ورد في تقرير ديوان المراجعة القومي 2018، حول غياب سيادة حكم القانون، المتمثلة في مخالفة للدستور، ومخالفة المؤسسات المعنية بالمال العام لقانون الإجراءات المالية والمحاسبية وضوابط ونظم المشتريات.
المساهمون