المجتمع الإسلامي في العام 1000

15 سبتمبر 2015
+ الخط -
يقيم هذا المجتمع على غرار باقي المجتمعات حوارًا بين الحق والواقع. الأول يستلهم من النص المؤسس للإسلام؛ القرآن، وينظم حياة الإنسان على المستويين العائلي والعام. وتحت إيحائات القرآن وتوجيهاته، لكن ضمن تقاليد الجزيرة العربية في حقبة ما قبل الإسلام ـ بغض النظر عن موروثات منطقة البحر المتوسط - أضحت العائلة المكرسة، تتبع نمط النسب الأبوي بعزم، البنوّة عبر الذكور ودخول أبوّة الذكور، بجزء أساسي في تشكيل اسم الفرد. ومع ذلك يجب فهم معنى العائلة بمعنى واسع جدًا، من حيث إنها تجمّع مجمل الخلايا المختلفة المتشكلة حول الأب وتعود إلى الجد المشترك، أي رب الأسرة كتحليل أخير. في هذه المجموعة كما في مكوناتها، ترى المرأة، وإن كانت محمية - حالات الطلاق، تنظيم تعدد الزوجات، التصرف بالممتلكات الخاصة، الحق بالإرث - أن موقعها، على الأقل ومن دون اعتراض ممكن، يجيء بعد موقع الرجل، فيكون دورها وفقًا لهذا الأساس دورًا مؤدّى في المنزل. ولإكمال المشهد، يجب ذكر أن الخدمة المنزلية وأصلها يأتي من العبودية في حالات عدة، ووضعها المنظّم أيضًا يذكّرنا هنا كذلك بالصفات التقليدية لعالم البحر المتوسط: الانتماء الشرعي إلى العائلة، الذي يبقى المرجع في حالة التحرر، وهو بشكل أعمّ، قوّة الرابط العاطفي في العديد من الحالات، والرابط القانوني أيضًا، وحالة استثنائية بالنسبة لهذا الشخص المخلص أو ذاك، خادم قديم أو فعال، وبالنسبة لهذه المرأة أو تلك التي استطاعت الحصول على نعم السيد، قبل كل شيء من خلال إنجاب الأطفال له.
أما المجتمع بمعناه الأوسع، فهو مجتمع أمة المؤمنين ولحمته هي مبادى الإسلام الخمسة: الشهادة، الصلاة، الحج، الصيام خلال شهر رمضان، ومساعدة الآخر عبر الزكاة المحدّدة بعشر المدخول. ويتيح وضع غير المسلمين الذين ينتمون لإحدى الديانات السماوية، أي اليهود والمسيحيين، حرية ممارسة طقوسهم مقابل تسديد ضريبة خاصة.

اقرأ أيضاً: هل قرأنا القرآن أم على قلوبٍ أقفالها؟

هذه هي أسس المجتمع الإسلامي في الحقبة الكلاسيكية، أي حوالى السنة ألف، عند زمن خلافة بغداد، قبل مجيء الأتراك بشكل كثيف. وفي الواقع، هذه المرة وبشكل شامل ماذا تخبرنا اللوحة؟
هل يجب أن نستفيض، أولاً، وإلى غير نهاية حول الانقسام بين السنّة والشيعة؟ صحيح أن النقاش حول هذا الموضوع مهم. هل القرآن وضع الشريعة لمرة نهائية كما أراد ذلك القدماء، مثال نبي الإسلام وصحابته، وآراء رجال القانون الأولين أخيرًا، أو هل كان في الإمكان الاستمرار بطلب مبادئ هذه الشريعة ذاتها من المؤتمنين عليها الأحياء، الملهمين دائمًا، أي ذرية محمّد من ابنته فاطمة وابن عمه علي؟ وهل السلطة تعود في الحق إلى الأمة التي تعهد بها للأجدر، مثلما كان يقول السنة، أو هل تعود لعائلة النبي، حسب النظرية الشيعية؟ وكان النقاش أحيانًا يصل لدرجة الصراع المسلح وحتى إلى تأسيس خلافة شيعية في القاهرة (بصرف النظر عن خلافة أخرى سنية في قرطبة). ومع ذلك، الصورة التي يجب حفظها هي صورة عالم يحافظ على دعوته بالعودة إلى سلطة واحدة وحيدة، رغم تصدعاته: دعوة يرمز إليها الخليفة السني في بغداد.
وهذا الأخير هو الخليفة، أي خلف النبي ويتخذ ملامح الحاكم المطلق: قواعد سلوك صارمة، الفخامة المبهرة لمجمل البلاط، ومستشارية واسعة في يد رجل واحد، الوزير وهو بنفسه فيض من السلطة الحاكمة التي تعينه، وتقيله وأحيانًا تقتله كما يحلو لها. كل شيء يشهد للتذكير حتى في أقاصي الولايات التي يديرها ولاة أو حكام تابعون، على قوة الخليفة المطلقة. مع أن هذا السيد ليس سيد الشريعة. وحتى في أفعاله كليّة السلطة أو المستبدّة، يعلم أنه لا يستطيع فعل شيء من دون موافقة سلطة لا تأتي منه. القانونيون المؤهلون والمعترف بهم بجدارة، الذين يملكون لوحدهم في آخر الأمر التفسير اللازم، وعامة الشعب العادي إذا اقتضى الأمر الذي يتبع تعاليم داعية موهوب، الذي يمكنه دائمًا أن يذكّر الخليفة وفق تحليل صارم، أن سلطته ليست راسخة سوى بمقدار ما هي تطبّق للمحافظة على العدل والسلم الاجتماعيين.
يبقى الإسلام في نهاية المطاف المصدر والأساس، والسلطة من هذه الزاوية هي الرمز والضامن لحياة الجسم الاجتماعي بمجمله. وبعيدًا عن الاختلافات والهزات المحتملة التي يمكن أن تضع في المواجهة السنة والشيعة، تجتمع الجماهير المسلمة حول أركان الإسلام الخمسة المذكورة أعلاه وهي ليست مبادئ فحسب، بل ممارسات حيوية.
(ترجمة نبيل عجان)
المساهمون