المجاعة تطرق أبواب اليمن

16 اغسطس 2016
الحرب جعلتهم فقراء أكثر من قبل (العربي الجديد)
+ الخط -
مثل كثير من الأسر الفقيرة في اليمن تعدّ الحاجة آمنة وجبة الغداء لأبنائها الأربعة معتمدة على نبتة الحَلَص البرية التي تنتشر في مواقع مختلفة من مديرية المواسط في محافظة تعز. المحافظة التي تعصف بها الحرب منذ عام ونصف العام. وعلى الرغم من طعم الحلص المرّ إلّا أن الأطفال يأكلونه مطبوخاً من دون أن يبدو على ملامحهم ما ينمّ عن انزعاجهم، فقد اعتادوا ذلك منذ امتدت الحرب إلى قريتهم، وفرارهم منها من دون أن يملكوا ما يعينهم على الحياة.

تسببت الحرب في معظم المحافظات اليمنية بتزايد أعداد الأسر الفقيرة، ليغدو أكثر من ثلث الفقراء على عتبة المجاعة بحسب المنظمات الدولية. في هذا الوضع، باتت الآلاف من الأسر تعيش حياة بدائية بعدما تقطعت بها كافة أسباب العيش، وطالت فترة انتظارها منظمات الإغاثة، والتي عادةً ما تعلن خشيتها من الوصول إلى مثل تلك المناطق بسبب انعدام الأمن.

في تلك المناطق المعزولة إنسانياً، تستغني الأسر تماماً عن خدمات حيوية مثل الكهرباء والتعليم والرعاية الصحية والصرف الصحي والعمل المدرّ للدخل، لتتركز كلّ احتياجاتها في الخدمات المنقذة للحياة من أجل البقاء، مثل الغذاء ومياه الشرب.

تقول آمنة لـ"العربي الجديد" إنّ أسرتها تعيش حياة بدائية بكلّ معنى الكلمة في وادٍ شبه خالٍ من السكان. تبرر: "مع ما سمعناه من قصص من القرويين، نخاف من العيش في قريةٍ ما فتمتد إليها الحرب. فعادةً ما يشعلها أفراد من القرية مناصرون لحزب أو جماعة بمجرد وصول مقاتلين من حزبهم إلى القرى المجاورة". تضيف آمنة أنّ معيشة أسرتها باتت عادية طالما لم تمس الحرب سلامة أحد أفرادها.

بمساعدة أطفالها، رصفت آمنة حجارة متوفرة في الوادي، وبنت بها غرفة كبيرة لأبنائها باستخدام الطين. وغطت السقف بما توفر من جذوع الأشجار والبلاستيك وبعض البطانيات القديمة لمنع المطر وأشعة الشمس القوية. ولتدبير ضرورات البقاء يسافر الأطفال جميعاً مسافة ساعة في اتجاه أقرب بركة يومياً لتوفير لترات من المياه، بينما تتولى الأم رحلة في اتجاه آخر لتوفير الحطب ونبتة الحلص، وما يجود عليها بعضهم من لبن الماعز والخبر أو الدقيق.

في المدن، يتضح مشهد أشد فئات المقيمين والنازحين فقراً، فتبدو إيجارات المساكن وتوفير الغذاء الهمّ الأكبر بعد ارتفاع الأسعار وانقطاع سبل الدخل. أغلقت جماعة أنصار الله (الحوثيين) عشرات الجمعيات الخيرية، لكنّ ذلك لم يمنع تلك الأسر من البحث عن مبادرات إنسانية محلية أو حملات توزيع زكاة التجار السنوية في شكل مواد غذائية أساسية، لكنها لا تكفي الأسرة الواحدة سوى شهرين على الأكثر. كما أنّ معظم تلك الأسر لا تستفيد من تلك الأنشطة بسبب كثرة أعداد المحتاجين وعدم كفاية المعروض من المساعدات.



في حي السنينة الفقير بمدينة صنعاء، تسكن أسرة محمد عبد الملك في منزل صغير مستأجر منذ سبعة أشهر إثر نزوحها من مديرية نهم، شمال شرق صنعاء، والتي تشهد قتالاً يومياً عنيفاً بين أطراف الصراع في البلاد. يقول عبد الملك إنّ أفراد أسرته يعانون من مجاعة بسبب شدة ضعفه في مدينة لا توفر فرص عمل يمكن أن يستخدم فيها مهارته في الزراعة أو حمل الأثقال، ليلجأ إلى المهنة الدائمة لأشد الفقراء وهي تجميع وبيع قناني المياه البلاستيكية الفارغة، التي يجني من ورائها القليل من الدخل ينفق منه على الغذاء، ويذهب معظمه لسداد إيجار المنزل.

يضيف أنّ أطفاله باتوا معتادين على تناول وجبتين يومياً فقط، هما الإفطار ثم الغداء بعد تأخير وقته إلى العصر. يتابع: "كانت لانقطاع التيار الكهربائي المستمر في المدينة فائدتان، أولاً شجع ذلك أطفالي على النوم مبكراً ما ينسيهم العشاء. ثانياً، توفير نفقات سداد فواتير الكهرباء". وبينما يقصد أبناء عبد الملك المسجد من أجل الاستحمام مرة أسبوعياً فإنّهم يعانون يومياً من الوقوف في الطوابير الطويلة أمام خزانات مياه الشرب في الحيّ المجاور.

يصف الناشط الإنساني عبد الإله تقي الوضع الإنساني الراهن في البلاد بالسيئ جداً، خصوصاً مع بدء دخول اليمنيين في المرحلة المزمنة للصراع، واستمرار تدهور الوضع الاقتصادي. يقول إنّ ذلك مؤشر على بدء دخول أعداد كبيرة منهم في مرحلة المجاعة بعد عامين من الوقوف على مشارفها. يضيف تقي لـ"العربي الجديد: "أشد فئات المجتمع فقراً قد استنفدت تماماً كل أساليب التكيف مع الحياة الجديدة والصمود في وجه الأوضاع الطارئة، ولم يبق لهم سوى طرق أساليب جديدة للتكيف مع الجوع، واللجوء إلى ممارسات غير صحية، أو ذات مخاطر أمنية لتأمين ما يبقيهم أحياء".

وكان تقييم مشترك لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) وبرنامج الأغذية العالمي قد أشار إلى أنّ نحو 70 في المائة من اليمنيين يجدون صعوبة بالغة في الحصول على الطعام، فيما يعيش نحو ربع عدد السكان في مرحلة أدنى من مرحلة الطوارئ، بزيادة 15 في المائة عن يونيو/حزيران 2015.

المساهمون