افتتح مطار "الوشاش" وسط العاصمة العراقية بغداد، في العام 1932، حين أصر ملك العراق آنذاك، فيصل الثاني، على إنشاء جمعية طيران عراقية، تشبه تماماً الموجودة في بريطانيا. وتم البدء ببناء المطار في العام 1930، واستغرق العمل فيه عامين، بواسطة اتحاد شركات عراقية وبريطانية، رغم امتعاض أميركي آنذاك وفقاً لما تكشف عنه شهادات في دار الوثائق العراقية. وتحول المطار في ما بعد من "الوشاش"، نسبة إلى المنطقة التي شيد فيها، إلى مطار المثنى نسبة إلى القائد العربي، المثنى بن حارثة الشيباني، بمباركة وتأييد من القوميين العرب في بغداد في ستينيات القرن الماضي. وتمدد المطار مرتين، بعد أن تم ضم مساحات زراعية وبساتين مجاورة له.
ويقع مطار المثنى في جانب الكرخ من بغداد، وهو محاط بمناطق الوشاش وعلي الصالح والعطيفية أو الشالجية، ويمتد إلى شارع الزوراء بين مناطق المنصور والعلاوي. لكن هذا المطار، الذي استقبل عشرات الزعماء والملوك العرب منذ مطلع القرن الماضي، وفيه كانت غرفة عمليات الجيش العراقي في المعارك الفلسطينية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، وصَدم تصميمه المعماري وسعته آنذاك دول الشرق الأوسط، لم يدم طويلاً. فبعد بناء مطار بغداد الدولي، بين العامي 1979 و1982، قلّت أهمية مطار المثنى وتغيرت وظيفته، ليصبح ذات طابع عسكري صرف لسلاح الجو العراقي ونادي هواة الطيران الشراعي، ثم مقراً عسكرياً للاستخبارات. وقبيل الاحتلال بعامين تقرر اقتطاع جزء منه لبناء مسجد كبير ضمن سلسلة مساجد قرر الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، بناءها آنذاك، وأطلق على مشروع المسجد، الذي لم يكتمل، جامع القدس العربي. وبعد الاحتلال الأميركي للبلاد، في العام 2003، شغل المطار عدة وظائف، جميعها لا علاقة لها بتاريخه أو الغاية التي أسس لها.
وتعرض مطار المثنى للقصف خلال الهجوم الأميركي على بغداد في أعوام 1991 و1993 و1995 و1998، كما أمطرته الطائرات الأميركية بصواريخٍ عنقودية، في هجوم جوي يُعد الأعنف على بغداد خلال الحرب على العراق في العام 2003. ولم يهدأ الوضع بعد ذلك، إذ تكررت عمليات استهدافه بالقصف الصاروخي مئات المرات خلال سنوات الاحتلال الأميركي للبلاد، وذلك جراء اتخاذ القوات الأميركية له مقرا لها، إلى جانب المنطقة الخضراء. وبعد انسحاب القوات الأميركية، قامت استخبارات الجيش العراقي بشغله قبل أن تزاحمهم أحزاب عدة ووزارات أخرى على المطار، حيث يتواجد فيه اليوم، وتحديداً في صالة استقبال المسافرين، أحد مقرات حزب الدعوة الإسلامية، وذلك ضمن الجزء المقابل لمحطة سكك الحديد العالمية.
ولم يبق وضع مطار المثنى على حاله كقاعدة عسكرية ومقر لحزب الدعوة، إذ عمد رئيس الحكومة السابق، نوري المالكي، إلى إضافة سجن "سري" داخله، ضمّ آلاف المعتقلين من مناطق حزام بغداد الشمالي والغربي، بتهم غالبيتها تمثلت بالإرهاب والتعاون الخفي مع جماعات إجرامية، بعد ابتكار ما يعرف بـ"المخبر السري"، الذي اعتمدته السلطات العرقية، والذي بسببه ظلم الآلاف، من الذين لم يعرف لهم طريق إلا بعد سنوات، وبعضهم لا يعرف مصيره حتى الآن. ويقع المعتقل في بناية المستودعات ضمن الجزء الجنوبي للمطار من جهة منطقة الوشاش، وبقي سرياً بين العامين 2007 و2011 قبل أن تكشف عنه منظمات محلية ودولية، ما اضطر رئيس الحكومة السابق إلى اعتباره سجناً عسكرياً، بإشراف الفريق حاتم المكصوصي، أحد أذرع المالكي القمعية في العراق. وما زال السجن يضم آلاف المعتقلين، الذين أمضى بعضهم عدة سنوات بلا محاكمات ولا تهم واضحة. وأعلن رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية، عبد الرحيم الشمري، أخيراً، عن وجود 1200 معتقل في مطار المثنى، مشيراً إلى أنهم من أبناء الموصل، ويقبعون في المعتقل بلا محاكمات، وذلك وفقاً لتصريحات أدلى بها لصحف ووكالات عراقية.
وبعد العام 2014، حين احتل تنظيم "داعش" أجزاءً مهمة من مناطق العراق الشمالية والغربية، وانطلاق "عمليات التحرير"، التي قادتها القوات العراقية مصحوبة بمليشيات "الحشد الشعبي"، أصبح لمطار المثنى وظيفة جديدة، تمثلت باستقبال جثامين القتلى في المعارك وحفظها في ثلاجات كبيرة داخله. واعتبر المطار مركزاً لتسليم قتلى الجيش العراقي و"الحشد الشعبي"، وبات مشهد البوابة الجنوبية له محزناً حيث النحيب الذي لا ينقطع عند الباب من قبل ذوي القتلى. وبذلك دخل المطار مرحلة لم يشهدها منذ تأسيسه وحتى اليوم، ولا يزال يستقبل جثث المقاتلين التي يتم حفظها في الثلاجات لأيام قبل تسليمها إلى ذويها. وأكد ضابط في وزارة الدفاع العراقية أن "مطار المثنى تبدلت وظيفته إلى مكان لتلقي جثث عناصر الجيش والشرطة والحشد الشعبي"، مبيناً أن "هذا الأمر لم يخلُ هو الآخر، كما كل شيء في العراق، من الفساد، إذ أصبح بعض الضباط المتواجدين في قاعدة المثنى يساومون أهالي القتلى على مبالغ مالية لقاء تسليم جثث قتلاهم بسرعة". وأضاف الضابط، الذي اشترط عدم ذكر اسمه، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المطار ما زال يستقبل جثث كل قتلى المعارك في مناطق العراق الشمالية والغربية، بالإضافة إلى قتلى القوات العراقية التي تتعرض إلى كمائن وهجمات انتحاريين من داعش".
والوظيفة الأخرى التي ألقيت على أكتاف المطار كانت من خلال انتزاع جزء من أرضه واستغلالها كمقر عام لقناة "آفاق" الفضائية الناطقة باسم حزب الدعوة، بزعامة نوري المالكي، فضلاً عن قاعة اجتماعات للحزب، وتم إضافة أبنية جديدة في المكان واستحداث باب منفصل للدخول إليه. وعلى الطرف الآخر، تم استخدام ما تبقى صالحاً من المدرج العسكري كنقطة إسعاف جوي عسكري لمروحيات "مي 35" الروسية، حيث يتم بالعادة نقل المسؤولين الحكوميين والشخصيات المهمة أو الإصابات الحرجة المستعجلة من مناطق المعارك إلى بغداد. وأعلنت لجنة حكومية، أخيراً، عن اختيار موقع مطار المثنى لإنشاء صرح النصر العراقي، ضمن 10 صروح مقرر إقامتها في بغداد والمدن العراقية المحررة من سيطرة "داعش". وبحسب الخبير في الشأن العراقي، أحمد الشريفي، فإن "المطار يعتبر، حسب التقارير الأمنية، ضرورة وسط بغداد، فهو يمتلك بنى تحتية كاملة للحفاظ على أمن بغداد وسلامة أجوائها واستخدامه كمركز إسعاف جوي يخدم المناطق العراقية، إلا أن سيطرة المالكي على المطار حالت دون استخدامه بشكل صحيح". وأحد ملفات الفساد هو محتويات المطار، التي ضمت طائرات شراعية وسيارات قديمة وطائرات حربية خرجت عن الخدمة منذ عقود، إضافة إلى متحف للطوابع والصور، إذ يؤكد المستشار السابق في وزارة النقل العراقية، أحمد حسين، المقيم حالياً في الأردن، أنها كانت موجودة لحظة دخول قوات الاحتلال الأميركي إلى المطار في العام 2003، موضحاً، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن القوات الأميركية المتهم الأول بسرقتها، في وقت تشير مصادر عراقية إلى أن تلك الموجودات سرقت من قبل عصابات عراقية، وقامت بتهريب العديد منها إلى دول أخرى، بينها دولة خليجية مجاورة للعراق.