وأعلنت عضو اللجنة القانونية لحركة "نداء تونس"، إيناس بن نصر، تقديم قضية لدى المحكمة الإدارية، لإبطال نتائج المؤتمر، بسبب رصدها لمجموعة من الإخلالات القانونية، وفق تعبيرها. من جهتها، قدمت النائبة عن ولاية قفصة، أسماء أبو الهناء، استقالتها من "النداء"، في منشور عبر حسابها الشخصي على موقع "فيسبوك"، متهمةً رئيس الكتلة سفيان طوبال بطردها.
بدورها، قالت النائبة فاطمة المسدي إنها ستنظّم ندوة صحافية برفقة زميلتها سماح دمق، تكشف فيها عما سمّته "تجاوزات في مؤتمر نداء تونس واستهداف صفاقس". وكانت المسدي ودمق قد فشلتا في الوجود ضمن قائمة اللجنة المركزية بعد اللجوء إلى الانتخابات عقب فشل التوافق مع بقية المترشحين عن تنسيقيّة صفاقس. وقدّمت المسدي طعناً لرئيس لجنة مؤتمر الحزب بسبب خطأ في قائمة المترشحين، ولكن لم يتم النظر فيه، بحسب قولها.
كذلك، فإنّ المتحدث الرسمي السابق باسم الحزب، منجي الحرباوي، كان قد أكّد في تصريحات إذاعية، وجود خروقات قانونية عدة في انتخابات المكتب السياسي لـ"النداء"، المكوّن من 32 عضواً. وأشار الحرباوي إلى أنّ هذه الخروقات تتمثّل في عدم الامتثال لشروط الترشّح، مؤكداً أنّ هناك من سيلجأ للقضاء الإداري للاعتراض على ذلك. وتحدث عن وجود عائلة بأكملها في الهيئة الجديدة، في إشارة إلى عائلة اللومي، بعد انتخاب مديرة الديوان الرئاسي سلمى اللومي، وشقيقها فوزي اللومي وزوجها محمد رؤوف الرقيق. لكن الحرباوي دعا إلى ضرورة التريّث ومواصلة العمل على إنجاح المؤتمر من خلال اجتناب "أساليب الغطرسة والافتكاك".
وتتحدّث شخصيات مهمة عن إقصاء جهة الساحل المعروفة تاريخياً بدعمها للعائلة الدستورية التي تشكّل العمود الفقري لـ"النداء" وأحزاب أخرى قريبة منه. وبعد مقاطعة النائب رضا شرف الدين الذي ترأس لجنة إعداد المؤتمر، وكذلك انسحاب تنسيقية سوسة، لوحظ غياب لشخصيات مدينتي صفاقس والمهدية ومحاولة تعويضها، من دون أن تتمكّن من دخول الهيئة السياسية.
وينتظر أن تلقي هذه النتائج بظلالها على المنسحبين بشكل خاص، وربما يذهب جزء منهم إلى أحزاب أخرى، من بينها "تحيا تونس" الذي أعلن أول من أمس الثلاثاء في ندوة صحافية، عن بقاء رئيس الحكومة يوسف الشاهد زعيماً له، على الرغم من رفع التجميد عنه في "النداء"، استجابة لطلب السبسي.
في المحصلة تمكّن "النداء" أخيراً من عقد مؤتمره الانتخابي الأول، بعد سبع سنوات على تأسيسه. وتمكّن، في الظاهر، من تجاوز عقدة الرئيس المؤسس، الباجي قائد السبسي، الذي أدى توليه منصب الرئاسة إلى تفكّك الحزب وتراجعه في المشهد السياسي، على الرغم من أنّ الرئيس لا يزال يحكم قبضته على "النداء"، من خلال دخول الشخصيات القريبة منه إلى مختلف مؤسسات الحزب الجديدة، علاوة على سلمى اللومي التي تدير ديوانه.
في موازاة ذلك، عكس استمرار المؤتمر على مدى خمسة أيام، عسر المهمة التي وجدها "الندائيون" لإعادة هيكلة حزبهم ومحاولة حسم المعارك الطويلة التي استمرت على مدى السنوات الماضية، والتي يبدو أنها لن تتوقف بانتهاء المؤتمر.
وكان يمكن لهذا المؤتمر أن يكون حدثاً سياسياً عادياً، لولا كلمة السبسي في افتتاحه، والتي جاءت مربكة لأكثر من طرف سياسي، خصوصاً عندما ألحّ على دعوة الندائيين إلى رفع التجميد عن الشاهد، وهو ما تم تنفيذه. وأثار ما حدث الانتباه إلى ما إمكانية وجود محادثات وتفاهمات في الكواليس. فالشاهد منسحب من "النداء" وعلاقته كرئيس حكومة متوترة منذ فترة مع الرئاسة والرئيس، وقد ذهب إلى تأسيس حزب جديد منافس (تحيا تونس)، تظهر نتائجه الحالية أنه بصدد التوسّع واستقطاب شخصيات كثيرة من روافد مختلفة.
وأكّد منسّق "تحيا تونس" الحالي، سليم العزابي، أنّ "هذا الحزب الجديد يشهد انضمام عدد كبير من المنخرطين، بلغ 80 ألفاً، وهو ما يجعله يطمح إلى أدى الأدوار الأولى في المشهد السياسي في تونس". ولفت العزابي، في مؤتمر صحافي يوم الثلاثاء الماضي، إلى أنّ "تحيا تونس فرض نفسه في المشهد السياسي، وأصبح رقماً صعباً، قبل أن يتحول إلى حزب منظّم، وقبل تأسيس هياكله". وأعلن أن الحزب يعمل على تشكيل تنسيقات محلية في 370 دائرة، وأن عدد الترشحات لتولّي مسؤوليات بهياكله بلغ 8 آلاف ملف.
وأوضح العزابي أنّ "تحيا تونس" يضمّ عديداً من الروافد ويقوده نفس شبابي، كما التحق به عدد من الشخصيات التي كانت تنشط بأحزاب أخرى مثل "التكتل من أجل العمل" و"الحريات" و"آفاق تونس" و"الجمهوري" و"المسار"، مضيفاً أنه حركة "منفتحة على جميع الطاقات". كذلك لفت إلى أنّ الحزب يعمل على توطيد العلاقة وتوسيع المشاورات مع عدد من الأحزاب الوسطية، وتحديداً "حركة مشروع تونس" التي يتزعمها محسن مرزوق، وحزب "المبادرة" الذي يتزعمه الوزير كمال مرجان.
باختصار، فإنّ العزابي كان يقول إنّ حزبه "تحيا تونس" هو "النداء" الجديد، الذي يستحوذ على الاهتمام نفسه الذي حققه الأخير في انتخابات 2014.
ويرى متابعون أنّ دعوة السبسي لرفع التجميد عن الشاهد جاءت لقطع الطريق على هذه الوراثة، لعلمه بأنّ مشروع "تحيا تونس" قائم من حول الشاهد بصفته رئيساً للحكومة وليس لأنه زعيم سياسي. وقد حاول السبسي أن يبعد الشاهد عن الحكومة، لكنّ "النهضة" رفضت، ثمّ حاول لاحقاً إعادته لـ"النداء" وتخفيف حدة التوتر معه عبر مشاورات قادتها شخصية عائلية، أدّت ظاهرياً إلى تلطيف الأجواء منذ القمة العربية في مارس/ آذار الماضي.
وفور إلقاء السبسي هذه القنبلة الموقوتة في صفوف الحزب الجديد، سارع العزابي إلى عقد ندوة صحافية وصف فيها دعوة رفع التجميد عن الشاهد بـ"استفاقة متأخرة"، مؤكداً أنّ الأخير لن يعود إلى "النداء" حتى لو رفع التجميد عنه. وقال العزابي إنّ الشاهد هو الزعيم السياسي لـ"تحيا تونس". واعتبر أن مناقشة المؤتمر الانتخابي لـ"النداء" إمكانية رفع التجميد عن عضويته بأنها "إقرار بأنه ليس نهضاوياً ولا انقلابياً ولا فاشلاً"، في إشارة إلى الاتهامات السابقة التي وجهت للشاهد.
وقالت مصادر مقربة من "تحيا تونس"، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ هذا الملف أصبح ثقيلاً وأدخل كثيراً من الغموض والبلبلة في صفوف الحزب الجديد، وأنه تمّت دعوة الشاهد لتوضيح موقفه نهائياً وإعلان استقالته من "النداء".
وأكّدت المصادر نفسها أنّ "تحيا تونس" سيصمد حتى لو غادره الشاهد، لافتةً إلى أنّ بعضهم كان يأمل وربما يعمل أيضاً، على صعود حافظ قائد السبسي لرئاسة "النداء"، حتى يقوى "تحيا تونس" بانضمام المناوئين للأخير له. وأشارت إلى أنّ الكثير من الموجودين في "النداء" حالياً "يضعون ساقاً هنا وساقاً هناك" تحسباً لأي تطور للأحداث، مع وجود انقسام في الرأي داخل "تحيا تونس"، بين من يرى أنها فرصة تاريخية لجميع الحزبين في ما يعرف بـ"النداء التاريخي" لمنافسة "النهضة" بحزب كبير موحّد، وبين من يعتبر أنها خطوة فاشلة، وأنه ربما يتم التحالف بعد الانتخابات وليس قبلها. وربما يكون هناك من يأملون بعودة الشاهد إلى "النداء" حتى يُفسح المجال أمامهم لقيادة الحزب الجديد الذي اتضحت ملامحه الأولى.
ويرى مراقبون أنّ السبسي الأب، لم يكن ليلقي بكل ثقله لرفع التجميد عن الشاهد من دون أن تكون لديه حسابات يعرف نتائجها مسبقاً، ويرى أنها تستحقّ المغامرة إن تحققت، وربما تكون الفرصة الأخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. كما يرى هؤلاء أنّ فصول هذه المعركة لم تنته بعد، وستكشّف في الأيام المقبلة بعض تفاصيلها.