يؤكد مدير المركز الوطني للوقاية من الأمراض، التابع لوزارة الصحة في حكومة الوفاق الوطني، في ليبيا، بدر النجار، أنّ مرض الليشمانيا الجلدي ينتشر بسرعة في البلاد، من دون توافر إمكانيات مكافحته. يقول النجار لـ"العربي الجديد" إنّ النوع المنتشر من المرض حالياً هو الليشمانيا الجلدية، وهو مرض متوطّن في ليبيا، لكنّ البلاد كانت قد تمكنت، في أوقات سابقة، من مقاومته وتوفير أمصال خاصة بالشفاء منه، قبل أن تعيده السنوات الأخيرة إلى الواجهة من خلال موجات انتشار، في ظلّ افتقاد المستشفيات الليبية، في مختلف أنحاء البلاد، للأمصال المقاومة للمرض.
يعزو النجار أسباب عودة الليشمانيا إلى ازدياد أعداد القوارض التي تحمل المرض، وهو ما يسهل سبل نقله إلى الإنسان من خلال الذبابة الرملية، ليعود نشاط المرض بشكل واسع. يأتي ذلك في ظلّ عدم القدرة على معالجة أكوام النفايات العضوية والصناعية ودمار الأبنية، التي تسببت الحرب ومعاركها في انتشارها في معظم المدن الليبية، علماً أنّ تلك النفايات وما تسببه من تلوث في محيطها، هي التي تزيد أعداد القوارض، وأغلبها من الفئران، كما تؤمّن البيئة المثالية للذباب كي ينقل المرض.
عن الإمكانيات المتاحة، يقول النجار، إنّ المركز الوطني للوقاية من الأمراض يفتقد، منذ عام 2011، إلى الميزانية الخاصة بمقاومة الليشمانيا أو غيرها: "لا وسيلة لدينا غير مراسلة وزارة الصحة وحثها على توفير أمصال مقاومة المرض بأقصى سرعة، لكنّ مراسلاتنا لم تلقَ أيّ تجاوب حتى الآن. في المقابل، لجأ المركز إلى منظمة الصحة العالمية التي من المتوقع أن توفر مطالبنا".
من جهته، يقول عضو مكتب القوافل الطبية في وزارة الصحة التابعة لحكومة الوفاق الوطني، وفيق بن رابحة، إنّ الإحصاءات الطبية تؤكد، حتى الآن، وصول حالات الإصابة بمرض الليشمانيا إلى 140 حالة في بني وليد (شمال غرب)، و350 حالة في زليتن (شمال)، و65 في سرت (شمال)، وانتشر بشكل كبير في مناطق نالوت وتيجي في الجبل الغربي (شمال غرب)، من دون رصد العدد النهائي للإصابات في المنطقتين حتى الآن، بالإضافة إلى حالات متفرقة في غريان وترهونة (شمال غرب)، ولم يُعرف بعدُ عدد الحالات في مناطق أخرى.
يؤكد بن رابحة، لـ"العربي الجديد"، أنّ الوزارة بصدد توزيع نشرات طبية توضح أعراض المرض، ليتمكن الأطباء والعاملون في المراكز الطبية من التعرف عليه، موضحاً أنّ المرض ينتقل من ذبابة صغيرة جداً تصعب رؤيتها بالعين المجردة وتحمل الطفيل، فتؤدي لسعتها إلى تقرحات جلدية تشوه الجلد إذا لم تتم معالجته، وقد يحدِث المرض إصابات داخلية أخطر، مشيراً إلى أنّ فترة الشفاء منه تتطلب ما بين ستة أشهر وسنة كاملة.
يتابع بن رابحة أنّ "نشاط الليشمانيا المتجدد يعود إلى البيئة المتوافرة له. فتراكم القمامة سبب مباشر، كما أنّ سوء التغذية يسهّل توطّن الطفيل في جسد المصاب، وتحديداً النقص في فيتامين أ". وعن إمكانية مقاومة المرض، يقول: "مخازن الأدوية في جهاز الإمداد الطبي لا تملك أيّ أمصال مقاومة، كما أنّ مكتب القوافل لا يتوافر على آلية تبليغ كي يتمكن من رصد وإحصاء المناطق المصابة بشكل واضح، لافتاً إلى أنّ الإهمال الكبير من قبل وزارة الصحة أدى إلى انتشار المرض.
وكانت منظمة الصحة العالمية حذرت، منتصف الشهر الماضي، في بيان لها، من خطورة تزايد تفشي مرض الليشمانيا الجلدي في ليبيا، في ظل نقص الخدمات والأدوية، مشيرة إلى بدء جهودها في تدريب عناصر طبية على التعامل مع المرض، من بينهم سبعة أطباء في منطقة تاورغاء. كذلك، أكدت أنّ جهوداً أخرى للتدريب وتوفير الأدوية والأمصال قد بدأت، بهدف مواجهة خطر انتشار المرض في مناطق ليبية أخرى.
مرضى إلى تونس
يقول بن رابحة إنّ العدد غير النهائي للمصابين بمرض الليشمانيا في بلدة نالوت هو 564 حالة، لافتاً إلى أنّه رقم كبير وخطير في بلدة صغيرة مثلها. يتابع أنّ أهالي البلدة لجأوا للعلاج في تونس بسبب قرب نالوت من الحدود، لكنّه يتساءل: "ماذا عن المناطق البعيدة والأمصال غير متوافرة حتى لو تحمل المواطن كلفتها؟".