وسط الانشغال الطاغي بأزمة رئاسة دونالد ترامب وتفرعاتها، تسلل إلى الكونغرس مشروع قانون بحظر مقاطعة البضائع الإسرائيلية المصنّعة في المستوطنات. هذا المشروع حرّكه اللوبي الإسرائيلي بهدوء وبعيداً عن الأضواء وشارك في صياغة النصّ الذي دفع به اثنان من أعضاء مجلس الشيوخ إلى أجندة التشريعات، في أواخر مارس/آذار الماضي. وقد تبنّاه 43 سيناتوراً، 29 من الجمهوريين و14 من الديمقراطيين، بصيغته التي تنصّ على تغريم المخالف بمبلغ يتراوح بين 250 ألفاً ومليون دولار، مع عقوبة سجن تصل إلى 20 عاماً. وكان من المتوقع أن يجري عرض المشروع على التصويت وتمريره هذا الصيف، ليتحوّل إلى قانون ساري المفعول يتعامل مع المقاطعة كجريمة بهدف قطع الطريق مبكراً على تحوّلها إلى واقع على الأرض.
جاء هذا التحرك التشريعي في أعقاب تمدد عدوى المقاطعة الأوروبية ووصولها إلى الساحة الأميركية. وجاءت تعبيرات هذا التوجّه على شكل تحركات ودعوات لاعتماد المقاطعة كرد على سياسات إسرائيل الاحتلالية والاستيطانية، على غرار ما شهدته دول الاتحاد الأوروبي. وشملت هذه الصحوة قطاعات مؤثرة، خصوصاً الطالبية وغيرها من الجماعات والأفراد التي أخذت تفصح عن اعتراضها وإدانتها للممارسات الإسرائيلية.
لكن في الأيام القليلة الماضية، جاء رد مضاد كشف خطورة هذا القانون وضرورة تعطيل صدوره لكونه يتضارب مع حق التعبير الذي كفله الدستور والذي يتمتع بدرجة من القدسية في الولايات المتحدة. ففي أواخر شهر يوليو/تموز الماضي، أطلق "الاتحاد الأميركي للحريات المدنية" حملة لتحريك الرأي العام باتجاه الضغط على أعضاء الكونغرس وتحذيرهم من التصويت لصالح هذا المشروع الذي "يحظّر على الأميركيين دعم مقاطعة إسرائيل ومستوطناتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما فعلت منظمات دولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. فالحكومة الأميركية لا يسعها، وفق التعديل الأول للدستور، معاقبة مواطنيها على ممارسة قناعاتهم السياسية"، وفق الاتحاد.
أثار هذا التحذير الاهتمام وسلّط الضوء على مضمون المحاولة بما هي انتهاك لحرية الرأي، كما على تغاضي الكونغرس عن هذا الخرق فقط لأن اللوبي الإسرائيلي يقف وراء هذه المحاولة لتقديمها هدية لإسرائيل على حساب نص دستوري صريح يصون هذه الحرية. التداول في الموضوع من هذه الزاوية، كشف حقيقة ترفض ما جرى إعداده في مطبخ اللوبي. "معاقبة من يمارس المقاطعة تندرج في خانة الاعتداء على الحرية الشخصية"، كما قال الباحث وولتر أولسون من مؤسسة "كاتو" للدراسات في واشنطن، في مقال حول الموضوع. كلام تكرر من على أكثر من منبر، ما حمل رعاة المشروع في الكونغرس على الاستدراك والوعد بإعادة النظر في النص لضمان عدم المساس بحرية التعبير. وقد اعترف بعضهم ومن دون خجل، بأنه "لم يقرأ النص"، متذرعاً بضيق الوقت. هذه الممارسة معروفة بالنسبة للمشاريع التي يتبناها اللوبي الإسرائيلي، إذ يعوّل أعضاء الكونغرس أحياناً على معاونيهم المتأثرين عموماً بهذا الجهاز النافذ، لوضعهم في جو صيغة المشروع وبما يكفل موافقتهم عليه، على اعتبار أن الطريق سالكة أمامه.