اللحن يبحث عن وطن

30 أكتوبر 2014
هرب من لهيب الحرب ليتجنب دفن موهبته (أ.ف.ب)
+ الخط -

يحاول السوريون في تركيا التأقلم مع ملجأهم المؤقت، والتكيّف مع حياة جديدة تحمل في بعض ثناياها نفحة من عبير الوطن.

في شارع الاستقلال في اسطنبول، يجتمع الفن والحنين ومرارة البُعد عن الوطن. يحمل محمد مصطفى عوده وكرسيّه الصغير ويتخذ من إحدى زوايا الشارع ركناً له، واضعاً أمامه على الأرض صندوقاً خشبياً لجمع النقود.

بدأت موهبة محمد منذ أن كان طالباً في المدرسة الثانوية، إذ شكل ذلك العود المعلّق على الحائط في باحة منزل العائلة في دمشق تحدياً كبيراً له. ومنذ ذلك الوقت، قرر أن يصبح العود رفيقه الدائم. التحق محمد بمعهد دمشق الموسيقي لمدة عامين ثم بدء بالعزف مع فرقة موسيقية في أحد مطاعم المدينة.

وبعدما ضاقت البلاد بمَن فيها، هرب محمد من لهيب الحرب دون أن يدع موهبته تدفن هناك، فرفيق الصبا يحمله معه كل ليلة إلى شارع الاستقلال وأحياناً إلى محطات المترو، ليقدم للمتذوقين موسيقى الطرب الأصيل. والموسيقى التي يعزفها تجذب العديد من الأتراك والأجانب، إلا أن جمهوره الأكبر يبقى المستمع العربي. وما أن تنتشر أصداء الموسيقى في الشارع، حتى يتحلّق حوله المارة مشكّلين حلقة للرقص والغناء.

يعتبر محمد أنه يعزف الموسيقى للوطن والحب والحياة والأمل، الأمل بالعودة إلى الوطن، ويعترف بأن فنه تغيّر بعد الثورة بالرغم من أنه لا يحمل بعداً سياسياً. ويتابع محمد: "أنا أعزف موسيقى للوطن، الوطن الذي يتّسع للكل ولا ينفي أحداً من أبنائه. حركة الأنامل على أوتار العود نوع من أنواع المشاركة في الاحتجاج أو التأييد، وأنا أحاول أن أهتف للوطن لا لغيره". لا يجد محمد احتضاناً كافياً له كموسيقي في تركيا، فالصعوبات كبيرة بالنسبة لفنان عربي في بلاد تجمع بشراً من جميع أنحاء العالم في شارع واحد. ويبقى طموحه أن يعود لمدينته حتى يمارس عشقه للموسيقى هناك.

أما محمود زايد، فقد تمرّس في العزف على آلة الغيتار في سورية حيث شكل فرقة مع عازفين سوريين حملت اسم "هذه هي الحياة"، قدمت الموسيقى اللاتينية والفلامينكو C’est la vie.

وبعد اندلاع الثورة السورية، تفككت الفرقة وانتهى الأمر بكل عازف في مكان، لكن ذلك لم يثنِ محمود عن متابعة عشقه للموسيقى.

وفي شارع الاستقلال أيضاً، ظل محمود يعزف بمفرده لفترة طويلة، إلى أن التقى مع موسيقيين من سورية وإسبانيا والبيرو والأرجنتين وشكلوا معاً فرقة تقدم أروع الألحان، حملت اسم فرقته القديم ذاته. وكما يدل اسم الفرقة، يعتبر محمود أن "الموسيقى هي الحياة وأن الحياة مستمرة لا محال".

ويبقى الوتر السوري يطن على مقربة من وطن ينتظر حريته.

المساهمون