اللجوء السياسي في الدول العربية... نصوص دستورية وغياب للقوانين

06 ديسمبر 2018
تزايد أعداد وحالات اللجوء عربيا (العربي الجديد)
+ الخط -
 
تستدعي أزمات المنطقة العربية المتعددة البحث في قوانين اللجوء السياسي، خاصة بعد إصدار أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، القانون رقم 11 لسنة 2018، في 4 سبتمبر/أيلول الماضي، والذي يقضي بتنظيم اللجوء السياسي في البلاد وتنفيذه ونشره في الجريدة الرسمية ليعتبر بذلك القانون الأول من نوعه في منطقة الخليج العربي، والذي رحبت به منظمة "هيومن رايتس ووتش" ووصفته بأنه يُظهر التزام قطر بحقوق اللاجئين ويُعتبر قدوة للمنطقة"، لكن المنظمة اعتبرت أن القانون الذي يحدد إجراءات وشروط طلب اللجوء في البلاد، لا يفي بواجبات قطر الدولية، ولا سيّما بخصوص قيوده على حرية الحركة والتعبير، مطالبة قطر بتأكيد التزاماتها بحقوق اللاجئين من خلال الانضمام إلى "اتفاقية اللاجئين لعام 1951" وبروتوكولها لعام 1967.

ويعد القانون تنفيذا لنص المادة 58 من دستور دولة قطر الدائم، والتي نصت على أن "تسليم اللاجئين السياسيين محظور. ويحدد القانون شروط منح اللجوء السياسي".

وفتح القانون القطري الجديد المجال للتساؤل على القوانين المنظمة للجوء بشكل عام، والسياسي بشكل خاص، ولا سيما في ظل الأزمات العديدة التي تمر بها المنطقة.
 
 
 

اتفاقية اللاجئين الأممية

في 25 يوليو/تموز 1951، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين. وكان الهدف من إصدار هذه الاتفاقية مقصورا على توفير الحماية بصفة أساسية للاجئين الأوروبيين في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ثم صدر بروتوكول عام 1967 والذي وسّع بدرجة كبيرة من نطاق الولاية المنوطة بالمفوضية بعد أن انتشرت مشكلة النزوح في مختلف أرجاء العالم، إذ أزال البروتوكول الحدود الجغرافية والزمنية الواردة في الاتفاقية الأصلية التي كانت لا تسمح للتقدم بطلب الحصول على صفة لاجئ إلا للأشخاص الذين أصبحوا لاجئين نتيجة أحداث وقعت في أوروبا قبل 1 يناير/كانون الثاني 1951.

ومن بين 148 دولة وقعت على اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، أو البروتوكول الخاص بها والصادر عام 1967 هناك 9 دول فقط من بين 22 دولة عربية، انضمّت إلى هذه الاتفاقية، وهي (المغرب 1956، تونس 1957، الجزائر 1963، السودان 1974، جيبوتي 1977، الصومال 1978، اليمن 1980، مصر 1981، موريتانيا 1987).

ومن المفارقات أن دول الشمال الأفريقي انضمت للاتفاقية، ما عدا ليبيا على الرغم من كونها تعد مستقبلا رئيسيا للاجئين المتجهين إلى أوروبا، كما أن الجمهورية اليمنية هي الدولة العربية الآسيوية الوحيدة، التي وقعت على الاتفاقية والبروتوكول الخاص بها. وتعد اليمن من أكثر الدول العربية الواقعة في آسيا فقرا، وأكثرها عرضة للحروب في التاريخ المعاصر.

بالرغم من عدم انضمام أي من دول الخليج لاتفاقية حماية اللاجئين والبروتوكول الخاص بها، إلا أن دساتير الدول الخليجية الستّ نصّت صراحة على حظر تسليم اللاجئين، كما نصّت دساتير تسع دول أخرى على الحظر نفسه وهي (العراق، الأردن، سورية، اليمن، مصر، ليبيا، الجزائر، المغرب، تونس) ليكون هناك 15 دولة عربية، من أصل 22 دولة تضمنت دساتيرها حماية اللاجئين وحظرت تسليمهم. 

 
 


قوانين حماية اللاجئين السياسيين

لم يصدر في المنطقة العربية حتى الآن سوى ثلاثة قوانين تنظّم عملية اللجوء بشكل مفصّل في دول العراق والسودان وقطر، بالإضافة الي بعض المحاولات التونسية التي لم يكتب لها الخروج إلى النور.

العراق والسودان في المقدمة

كان السبق لدولة العراق إذ أصدرت القانون رقم 51 لسنة 1971 بشأن اللاجئين السياسيين، وعلى الرغم من عدم توقيعها اتفاقية حماية اللاجئين والبروتوكول الخاص بها إلا أنها أصدرت أول قانون عربي لحماية اللاجئين، وقد جاء القانون العراقي شاملا منح اللاجئين كل الحقوق الممنوحة للمواطنين، وألقت الدولة على عاتقهم الواجبات كافة، باستثناء التجنيد، وجرى منحهم حق التملك وزراعة الأراضي والتوظيف في الوظائف العمومية، كما قدم لهم دعما ماديا بشكل شهري لمدة عام، حتى يتم توفير مصدر دخل شهري للاجئين وأسرهم، كما نظم أمور لمّ شمل أسر اللاجئين.

ثم صدر قرار وزير الداخلية رقم 1 لسنة 1972 بشأن نظر اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين السياسيين في طلبات اللجوء المنصوص عليها في المادة الثانية من قانون اللاجئين السياسيين. ليصبح العراق بذلك، أول دولة عربية تصدر نظاما تشريعيا متكاملا خاصا بشؤون اللاجئين.

ويطبق قانون اللجوء السياسي في العراق على حالات متنوعة إذ كشف مسؤول عراقي رفيع لـ"العربي الجديد" عن منح وزارة الداخلية العراقية شخصيات بحرينية معارضة لجأت إلى العراق عقب تفجّر الاحتجاجات في المنامة عام 2011، حق اللجوء السياسي، إضافة إلى شخصيات سعودية من القطيف مطلوبة للسلطات القضائية السعودية.

ونظّم البرلمان العراقي، نهاية العام الماضي، قانون إقامة الأجانب في البلاد، الذي تضمّن منح حق اللجوء السياسي والإنساني للعرب والأجانب، مستندا إلى المادة 21 من الدستور النافذ في البلاد لعام 2005، الذي يمنع أيضا تسليم اللاجئ لدولته أو لأي جهة كانت مهما كان السبب أو الظرف، مستثنياً من قرار منح اللجوء من يثبت تورطه في أعمال إرهابية، من دون أن يعطي أي تعريف لمفهوم الأعمال الإرهابية. 

ولجأ العشرات من المواطنين البحرينيين إلى العراق عام 2011 عقب تفجّر الاحتجاجات في المنامة، إذ دخلوا بتأشيرات زيارة رسمية عبر إيران والكويت، وتمت في ما بعد إدانة قسم منهم بالإعدام في أحكام غيابية صدرت بحقهم في بلدهم.

ومن أبرز المطلوبين البحرينيين الموجودين في العراق وتطالب بهم المنامة، حبيب الجمري والشيخ حميد السعد ونعمة الجرهمي وسعد الحيدري ومنصور الخازن، وآخرون يصل عددهم إلى أربعين شخصا، ويقيم غالبيتهم في مدينتي النجف وكربلاء، بالإضافة إلى مسؤولين حوثيين يمنيين.
 

 
 


السودان

من المفارقات أن السودان، والذي لم يتضمن دستوره أي مادة ذات صلة باللجوء السياسي، لديه ثاني أقدم قانون عربي، بشأن تنظيم اللجوء صدر عام 1974، وصدر القانون مواكبا انضمام السودان للاتفاقية الخاصة بحماية اللاجئين والبروتوكول الملحق بها في العام نفسه.

تونس: خطوة للأمام وخطوتان للخلف

تسعى تونس منذ أكثر من ست سنوات إلى إقرار قانون لحماية اللاجئين على أراضيها والحفاظ على حقوقهم ودمجهم في المجتمع، ما يعكس تقدّماً على هذا الصعيد في المنطقة. بالتالي، سيتمتع اللاجئون بالحق في العمل والتنقل والصحة والتعليم وعملت الحكومة التونسيّة على صياغة مشروع قانون خاص بحماية اللاجئين، بإشراف وزارة العدل وحقوق الإنسان، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والمعهد العربي لحقوق الإنسان، بهدف وضع إطار قانوني يحدّد صفة اللاجئ وحقوقه في الاندماج في البلد المستضيف وكيفية التعامل مع مسألة اللجوء في البلاد. وعلى الرغم من المناقشات الجادة التي تمتع بها مشروع القانون، وعلى الرغم أيضا من احتوائه على ضمانات عديدة للاجئين إلا أنه لم يصدر حتى الآن.

ولم تصدر أيّ من الدول العربية الأخرى باستثناء العراق والسودان وقطر، قانونا خاصا باللجوء السياسي، واكتفت معظمها بتنظيم الأمر في قوانين الإقامة، من دون إفراد أي نصوص قانونية تتحدث عن حقوق والتزامات اللاجئين، وبذلك تصبح العراق الدولة العربية الوحيدة التي أصدرت قانوناً للاجئين قائماً على منحهم الحقوق ووضع الضمانات اللازمة لإنفاذها.