مرّر مجلس الأمة الكويتي قانون الولاية الصحيّة للمرأة، الذي يسمح للأم بالتوقيع على إجراء عمليات جراحية لأبنائها، والتدخل في مسألة علاجهم بعدما كان الأمر يقتصر على الأب وأولياء الأمور الذكور. وكانت القرارات السابقة لوزارة الصحة تنص على حرمان أي امرأة، سواء كانت أماً أو زوجة أو أختاً أو جدة من اتخاذ قرارات خاصة بعلاج من هم تحت رعايتها بناء على فتوى قانونية مقدمة من إدارة الفتوى والتشريع التابعة لمجلس الوزراء، والتي استندت إلى نصوص قانونية ودينية فُسّرت بمنعها المرأة من التصرف الكامل.
وتقول الناشطة التي عملت ضمن مجموعات الضغط الهادفة إلى تعديل القانون، سارة الرشيدين، لـ "العربي الجديد" إن "تعديل القانون جاء ثمرة صراع طويل داخل أروقة مجلس الأمة ومحاولات إقناع الكثير من النواب الذين كانوا يرونه قانوناً هامشياً، في إشارة إلى وجود قوانين أكثر أهمية منه". تضيف: "لإقناع النواب، لجأنا إلى سرد معاناتنا الشخصية. بالنسبة إلي، كان وجود زوجي خارج البلاد للعمل جحيماً لا يطاق لدى مراجعة المستشفيات بسبب مرض ابني. كلّ مراجعة طبية تستدعي الحصول على تخدير أو عملية صغيرة تتوجب على جده أو عمه، وهما كبيران في السن ومشغولان بأعمالهما، الحضور وتوقيع الموافقة على الرغم من وجودي".
السماح للأم بالولاية الصحية على أبنائها ليس كافياً بحسب ناشطات حقوقيات في الكويت. فالقانون لم يشمل الزوجة والبنت والجدة والأخت في الولاية الصحية كما هو الحال بالنسبة للذكور، وقصرها على الأم فقط. وأصدرت ست جمعيات هي: الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية، جمعية المحامين الكويتية، الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان، الرابطة الوطنية للأمن الأسري، جمعية سوروبتسمت الكويت، والجمعية الكويتية للإخاء الوطني، بياناً طالبت فيه بتعديل قانون الولاية الصحية ليشمل جميع النساء من دون حصرها بالأم فقط.
ودعت الجمعيات في بيانها وزارة الصحة كجهة تنفيذية، ومجلس الأمة كجهة تشريعية، إلى مساندة مطالبها ومنح حق الولاية الصحية للمرأة، سواء أكانت أماً أو أختاً أو جدةً أو زوجة تقديراً للمرأة وجهودها المبذولة تجاه أسرتها ومجتمعها ووطنها. أضاف البيان أن التعديل الذي استهدف منح حق الأم الولاية الصحية فقط دون بقية النساء فيه إخلال بالمادة 29 من الدستور الكويتي، وينص على أن الناس سواسية في الحقوق والواجبات، وأمام القانون، ولا تمييز بينهم بسبب الجنس أو العرق أو اللغة أو الدين.
من جهتها، تفيد الناشطة النسوية شيخة العلي، في حديثها لـ "العربي الجديد"، بأن تمرير القانون انتصار للمرأة، لكنّه انتصار منقوص اقتصر على الأم فقط. تضيف: "تواصلنا مع اللجنة التشريعية لمجلس الأمة ومع رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم الذي أبدى اهتماماً كبيراً بملاحظاتنا ووعدنا بالضغط على الحكومة لتمرير التعديلات على القانون".
من جهتها، تقول رئيسة لجنة الأسرة في جمعية الحقوقيين الكويتية المحامية عذراء الرفاعي لـ "العربي الجديد": "القانون جاء ناقصاً لأنه حصر هذا الحق بالأم فقط، على الرغم من أن قانون الطفل وفق المادة الثالثة منه يجعل من حق المرأة الحاضنة، سواء أكانت أماً أو أختاً أو جدةً، أن تباشر كل أمور الطفل والحاجيات الأساسية له بما فيها حق الرعاية الصحية الكامل".
تضيف: "المرأة الحاضنة، غير الأم، لا تستطيع اتخاذ قرار صحي بمعالجة أحد أفراد العائلة من دون حكم قضائي". وتسأل: "ألا يعد هذا تجزئة غير مبررة لحقوق المرأة الطبيعية"؟
نائبة الديوان الوطني لحقوق الإنسان (مؤسسة حكومية رسمية) سهام الفريح، تقول لـ "العربي الجديد": "عملنا بالتعاون مع مجلس الأمة ووزارة الصحة خلال الفترة الأخيرة على تمرير وتعديل عدد من القوانين التي تخص المرأة، خصوصاً بما يتعلق بالجانب الصحي. وهذا أحد القوانين التي قمنا بتعديلها، لكننا نطمح إلى المزيد دوماً، ونؤكد أن التعديلات ستأتي تباعاً خصوصاً مع تعاون البرلمان والحكومة".
بدوره، يرى المحامي نواف الشمري أن القوانين المتعلقة بالمرأة في الجانب الصحي يشوبها خلط كبير نتيجة تخبط المشرعين على مدى سنوات، وضغط أعضاء مجلس الأمة من ذوي التوجهات الدينية على الحكومة خلال العقود الماضية، ما أدى إلى منع إقرار قوانين موحدة وواضحة بما يخص المرأة. ويقول الشمري لـ "العربي الجديد": "هناك اختلاف وتضارب في القوانين يتعلق بالتعامل مع المرأة في الجانب الصحي، لكن التوجهات الأخيرة لمجلس الأمة تصب في صالح توحيد هذه القوانين لصالح المرأة طبعاً".
لكن اللجنة التشريعية في مجلس الأمة فاجأت الجميع ورفعت تقريراً إلى مجلس الأمة بالتعاون مع وزارة العدل طالبت فيه بـ "تضييق الولاية الصحية للمرأة وحصرها بالأم فقط والاكتفاء بتعديلات القانون الأخير الذي قُدم". وتقول اللجنة في تقريرها إن الأم هي الأقرب إلى المريض ولا يوجد نص شرعي يمنع أخذ موافقتها بالعلاج أو التدخل الطبي، لكن لا يجب إعطاء الزوجة أو أحد الأقرباء الإذن، فقد تكون هناك خلافات بين أحد منهم وبين المريض الذي يحتاج الى تدخل طبي".
وتصف العلي تبرير اللجنة التشريعية ووزارة العدل بأنه ينطلق من "رؤية ذكورية وأبوية للمجتمعات ترى أن المرأة لا تتحكم في عواطفها وقد تعمد إلى القتل بسبب خصومة ما". تضيف: "اللجنة التشريعية تعتقد أن الزوجة والجدة والشقيقة قد يتجهن إلى القتل، وهو اتهام يوضح كم المغالطات الثقافية حول المرأة التي ما زالت موجودة في أذهان كثيرين".
وحاولت "العربي الجديد" التواصل مع أعضاء اللجنة التشريعية في البرلمان الكويتي، لكنهم رفضوا الإجابة عن سبب موافقتهم على رفع التقرير الذي طالب بتقليص صلاحيات الولاية الصحية للمرأة.