الكويتيّون يختارون المدارس الخاصة

29 مايو 2016
يكفل الدستور الكويتي حقّ التعليم للمواطنين (Getty)
+ الخط -
تُعدّ الكويت من أكثر الدول إنفاقاً على التعليم في العالم نسبةً إلى ميزانيتها، إذ تنفق ما يعادل 5% من الناتج القومي عليه. لكنّ خللاً كبيراً يعتري المؤسسة التعليمية في الكويت، أدّى إلى انتقال آلاف التلاميذ من المدارس الحكومية المجانية إلى المدارس الخاصة ذات التكاليف المرتفعة.
يكفل الدستور الكويتي حقّ التعليم للمواطنين ويُلزم الدولة بتقديم خدماته لهم، بحسب ما جاء في مادته الأربعين التي تنصّ على أنّ "التعليم حق للكويتيين، تكفله الدولة وفقاً للقانون وفي حدود النظام العام والآداب، والتعليم إلزامي مجاني في مراحله الأولى وفقاً للقانون ويضع القانون الخطة اللازمة للقضاء على الأمية، وتهتم الدولة بخاصة بنمو الشباب البدني والخلقي والعقلي".
لكن هذه الخدمة المقدّمة من الحكومة لا ترضي كثيرين من أولياء أمور التلاميذ، الذين يرون أنّ المدارس الخاصة أفضل لأبنائهم. أما الأسباب فهي جودة المنشآت، وكفاءة الكادر التعليمي، والجو الدراسي الذي لا توفره المدارس الحكومية بصورة جيدة، بالإضافة إلى اكتساب اللغة الإنجليزية والتحدث بها بطلاقة. والأخير من أولويات أولياء الأمور في معظم الأحيان.

إياد اليونس اختار مدرسة خاصة لأبنائه، يقول لـ "العربي الجديد": "لديّ ثلاثة أبناء في مدارس خاصة تعتمد المناهج البريطاني منذ المراحل الأولى. ما يميّز المدارس الخاصة عن نظيرتها الحكومية، هو الكادر التدريسي الآتي من بريطانيا وكندا، بالإضافة إلى الأنشطة اللاصفية التي لا تتوفر في مدارس الحكومة العامة. إلى ذلك، يقرأ أبنائي، بإلزام من أساتذتهم، قصصاً وروايات كلّ أسبوع ويناقشونها في حصصهم الدراسية، وهذا لا يحدث في المدارس الحكومية". ويؤكد اليونس على أنّ "ارتفاع الأسعار المبالغ فيه لا يعفيني من واجبي كأب، في تسجيل أبنائي في هذه المدارس. الاستثمار في تعليم الأبناء أهم من الاستثمار في الأشياء الأخرى والكماليات".

تنقسم المدارس الخاصة في الكويت إلى قسمين، فهي إما مدارس أهلية عادية وإما مدارس نموذجية أجنبية، بعضها يدرّس المناهج البريطانية وبعضها المناهج الأميركية. تحظى هذه المدارس بدعم حكومي، إذ تدفع الحكومة رواتب المديرين الكويتيين، وتؤمّن أراضي ومساحات للمدرسة بأسعار مدعومة، بالإضافة إلى تسهيلات أخرى كثيرة. لكنّ رسومها ما زالت ترتفع كل سنة بواقع 6%.

تنص قوانين وزارة التربية على منع المدارس الخاصة من رفع رسومها الدراسية، إلا بعد الاستئذان من الإدارة العامة للتعليم الخاص التابعة للوزارة. لكنّ المدارس تتحايل على هذا القرار عبر فرض رسوم أخرى على اللباس والكتب والأدوات الدراسية. في هذا الإطار، استدعت اللجنة التعليمية في مجلس الأمة (البرلمان) قبل يومَين أصحاب المدارس الخاصة، وطالبتهم بعدم رفع أسعارهم أكثر من اللازم، خصوصاً مع حالة التقشف في البلاد. وقد شدّد رئيس اللجنة النائب عودة الرويعي في مؤتمر صحافي عقده عقب الاجتماع، على أنّ البرلمان "لن يتهاون مع المدارس التي ترفع أسعارها ورسومها. من حق ملّاك المدارس الربح، لكن من حق المواطنين أيضاً ألا يكون الربح الفاحش على ظهورهم".



تجدر الإشارة إلى أنّ أقساط المدارس الأهلية الخاصة في الكويت تتراوح ما بين ألف دولار أميركي وألفَي دولار للتلميذ، فيما تبلغ رسوم المدارس الخاصة ذات المناهج الأميركية والبريطانية عشرة آلاف دولار للتلميذ. وهو ما يعادل رسوم دراسة سنة كاملة في جامعة خاصة في الكويت، بحسب ما يُلاحظ.

يقول عبد العزيز البصيري الذي يرأس قسم الرياضيات في إحدى المدارس الحكومية، إنّ "لا فرق بين المدارس الخاصة وتلك الحكومية لا في المنشآت ولا في المدرّسين ولا حتى في المناهج. لدينا أفضل المرافق هنا وأفضل المدرّسين، ومناهجنا جيدة. المشكلة هي في الأهالي الذين يريدون لأبنائهم تعليماً غربياً، وهم أحرار في ذلك. لكن عليهم ألا يلقوا باللوم على المنشآت". يضيف البصيري لـ "العربي الجديد" أنّ "الأنشطة اللاصفية متوفرة في المدارس العامة، لكنّ أكثر الأهالي لا يهتمون بأبنائهم، بالقدر الذي يهتم به أولياء أمور تلاميذ المدارس الأخرى. كذلك فإنّ الروتين الحكومي يقتل العملية التعليمية التي تحتاج إلى تجديد وإبداع. وهذا ما لا يحدث حقاً".

من جهتها، تقول المتخصصة الاجتماعية في وزارة التربية هدى المطيري: "لا أؤمن بأنّ ثمّة فرقاً جوهرياً في المناهج التعليمية أو طريقة التدريس بين المدارس العامة وتلك الخاصة. لكن سبب الإقبال المتزايد على الأخيرة يرجع إلى عاملَين رئيسيَّين: الأول هو الجوّ الدراسي الصحي في المدارس الخاصة التي تضم أذكى التلاميذ وأكثرهم تهذيباً، إذ يحق لإدارة المدرسة طرد أصحاب السلوك السيئ وعدم استقبالهم، بعكس المدارس الحكومية الملزمة بقبول جميع التلاميذ من دون استثناء. أما العامل الثاني، فهو جوّ العلاقات العامة في المدرسة. أكثر تلاميذها هم من أبناء الطبقة العليا، فيدفعهم آباؤهم إليها رغبة في جمعهم بأمثالهم وتكوين ما يشبه نادي صداقات بينهم يستمر حتى بعد التخرج. هذا بالنسبة إلى المدارس النموذجية. أما بالنسبة إلى المدارس الأهلية، فإنّ الهدف واحد وهو النجاح والحصول على درجات عالية بواسطة الرشاوى وشراء الامتحانات. وهو ما تحاول الوزارة التعامل معه بحزم هذه الأيام".

في المقابل، يلاحظ متخصصون في التعليم أنّ الإقبال على المدارس الخاصة بلغ ذروته بين عامَي 2009 و2011، لكنّ تطوير العملية التعليمية الحكومية وبناء منشآت جديدة في مناطق عديدة، بالإضافة إلى تجديد المدارس القديمة وافتتاح الحكومة مدارس نموذجية عامة كتجربة أولية، كلّ هذا "أوصل نسبة الإقبال على المدارس الخاصة إلى الحضيض في العام الفائت"، ويهدّد أصحاب المدارس الخاصة بإقفالها أو تخفيض عدد كوادرها التعليمية، تجنباً لخسائر قد يواجهونها في القريب العاجل.