كيف لا يمكن للمرء ألا يقع في حب المطبخ الشرقي الذي يتميّز بأكلاته اللذيذة وحلوياته الشهية. أطباق فاقت شهرتها جغرافية المكان. فقد تعدّت المأكولات العربية حدود وطنها لتصبح أشهر من أن تعرف في بلاد الغرب، والسبب يعود بالطبع إلى المهاجرين العرب الذين دأبوا على فتح مطاعم فيها علها تداوي حنيناً إلى وطن يشتاقون إليه.
وتعد الحلويات الشرقية من أهم ما يميّز المطبخ العربي وبالأخص الشامي. إذ تتنوع الحلويات من البقلاوة إلى البسبوسة والكنافة. وقد تكون الكنافة النابلسية الأحب إلى قلب الكثيرين. فهذه الحلوى التي يطلق عليها البعض لقب "ملكة الحلويات الشرقيّة"، تتميّز بنسيجها الناعم وجبنتها النابلسية المطاطية وصبغتها المائلة إلى اللون البرتقاليّ.
هذه الكنافة الشهيرة لا تعتبر حلوى شهيّة وحسب، وإنما هي جزء من التراث الفلسطيني الأصيل يحرص الفلسطينيون على تعلم صنعتها من الأجداد، ونقلها للأبناء لتظل ركنا من أركان المطبخ الفلسطيني التقليدي.
لعل هذا ما دفع المهاجر الفلسطيني في أميركا عاصم أبو سير إلى فتح محل كنافة نابلسية في وسط مدينة أناهايم في جنوب كاليفورنيا. فيقول أبو سير إنه ورث صناعة الكنافة النابلسية أبا عن جد، وأحب أن ينقلها إلى أبنائه الذين ولدوا ونشأوا في الغربة، كي يبقوا على اتصال وثيق مع تاريخهم وتراثهم.
ويضيف عاصم أن فكرة تأسيس هذا المحل نبعت أيضاً من عدم وجود محل كنافة نابلسيّة بالتحديد، إذ إن الكنافة التي تقدمها المحلات العربية الأخرى تختلف عن "النابلسية" التقليدية. ويكمن سرّ الكنافة النابلسية في نوع الجبنة المستخدمة؛ وهي الجبنة النابلسية التي تذوب في الفم كقطعة السكر. هذا بالإضافة إلى الاختلاف في طريقة غلي القطر (الشراب)، وطريقة عمل العجينة وتحميصها والتي تتميز بنعومتها ولون صبغتها.
ويتميّز محل الكنافة بأجوائه التقليدية المستوحاة من مدينة نابلس كبرى مدن الضفة الغربية. إذ تزين جدرانه لوحات فنية إحداها لدوار المدينة التاريخي وأحد أبرز معالم المدينة، وأخرى لحارات البلدة القديمة التي نشأت منها عائلة أبو سير المعروفة بصناعة الحلويات النابلسية.
ويشارك عاصم وطاقمه بمن فيهم زوجته وأبناؤه في العديد من المهرجانات العربية وغير العربية في كاليفورنيا، الأمر الذي يساهم في تعريف الناس بالحلويات العربية عموما والكنافة النابلسية خصوصا. ويصف عاصم إقبال غير العرب أيضا على الكنافة بالرائع مشيرا إلى أنها تعد حلوى جديدة نوعا ما بالنسبة لهم، خاصة وأنهم يميزون البقلاوة بشكل أفضل.
ومن المثير للاهتمام أن الكنافة النابلسية لا تقدم هنا في هذا المقهى وحسب، وإنما يتم شحنها شحنا سريعا إلى أكثر من 15 ولاية أميركية بما فيها هاواي.
عاصم الذي هاجر إلى أميركا قبل نحو 35 عاما يؤكد على ضرورة تسويق الكنافة لدى المتاجر الأميركية، على أنها منتج فلسطيني فذلك برأيه سيساهم في تثبيت الهوية الفلسطينية والحفاظ عليها من الضياع.