الكلّ يبحث عن مطلقي الرصاص العشوائي في لبنان... حتى الدولة

11 أكتوبر 2017
رصاص... (جوزيف براك/ فرانس برس)
+ الخط -

ما زال إطلاق النار العشوائي يتكرر في لبنان في مختلف المناسبات العامة والخاصة التي يستغلها كثيرون للاستعراض بالرصاص، وهو ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى من دون أن تتمكن الأجهزة الأمنية من ضبطه.

في لبنان تتحول المناسبات إلى مأساة بسبب تكرار إطلاق النار في الهواء تعبيراً عن الفرح أو الحزن على حدّ سواء، وما يخلفه ذلك من ضحايا. بالترافق مع ذلك، يبحث الجميع في أداء السلطات الرسمية التي تبدو عاجزة، كما في مختلف الملفات، عن وقف إطلاق النار ليتوقف عداد الضحايا.

قدّم المسؤولون في لبنان تقلّص إطلاق النار إلى حدود دنيا خلال إعلان نتائج الامتحانات الرسمية للشهادة الثانوية، مقارنة مع إطلاق النار الكثيف خلال إعلان نتائج الامتحانات الرسمية للشهادة المتوسطة، كإنجاز هائل يستحق الثناء. وذلك على الرغم من الخلاف العلني الذي شهدته جلسات مجلس الوزراء بين وزيري الداخلية نهاد المشنوق والعدل سليم جريصاتي. فقد أكد المشنوق أنّ "القضاة استجابوا لضغوط سياسية سمحت بإطلاق سراح معظم الموقوفين بعد إطلاقهم الرصاص خلال إعلان النتائج"، مقابل نفي وزير العدل التهمة وتقديم "عدم كفاية الأدلة" كسبب موجب لإطلاق سراح 80 موقوفاً من أصل 90 ألقت القوى الأمنية القبض عليهم بعد حملة دعت فيها المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي المواطنين إلى التبليغ عن مطلقي النار.

حوّل التساهل القضائي مع الموقوفين محاولات مكافحة إطلاق الرصاص إلى تشريع لها، بعد إدراك المواطنين، ومنهم مطلقو النار، أنّ المحاسبة ما زالت بعيدة. ولم يساهم إقرار مشروع قانون تجريم إطلاق النار العشوائي في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي في الحدّ من هذه الحالات، على الرغم من فرض مروحة عقوبات على مطلقي النار تُقاس بحسب الضرر الذي ألحقه إطلاق النار بالضحية. ونصّ القانون الذي أعدّه عضو "تكتل التغيير والإصلاح" النائب غسان مخيبر، على "معاقبة كلّ من أقدم، لأيّ سبب كان، على إطلاق عيارات نارية في الهواء من سلاح حربي مرخص أو غير مرخص، بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من ثمانية أضعاف إلى عشرة أضعاف الحد الأدنى الرسمي للأجور. ويصادر السلاح في جميع الأحوال ويمنع الجاني من الاستحصال علـى رخصة أسلحة مدى الحياة". وفي حال أدى إطلاق النار إلى "مرض أو تعطيل شخص عن العمل مدة تقل عن عشرة أيام، عوقب المجرم بالحبس من تسعة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من عشرة أضعاف إلى خمسة عشر ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور". وفي حال "تجاوز المرض أو التعطيل عن العمل عشرة أيام قضي بعقوبة الحبس من سنة إلـى ثلاث سنوات". وفي حال "أدى الفعل المذكور إلى قطع أو استئصال عضو أو بتر أحد الأطراف أو إلى تعطيل أحدها أو تعطيل إحدى الحواس عن العمل أو تسبب فـي إحداث تشـويه جسـيم أو أيّ عاهة أخرى دائمة أو لها مظهـر العاهة الدائمة، عوقب المجرم بالأشغال الشاقة المؤقتة عشر سنوات على الأكثر وبغرامة من خمسة عشر إلى عشرين ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور". وفي حال موت الضحية "يُعاقب الجاني بالأشغال الشاقة المؤقتة التي لا تقل عن عشر سنوات ولا تتجاوز خمس عشرة سنة وبغرامة مـن عشرين إلى خمسـة وعشـرين ضـعف الحد الأدنى الرسمي للأجور".




حاولت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي تفعيل عمل القانون من خلال تشجيع المواطنين على التبليغ عن جيرانهم مطلقي النار مع تقديم وعود بالحفاظ على سرية المُبلّغ. يضع رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي العقيد جوزيف مسلّم ذلك في إطار "إنفاذ القانون عبر السلطة المُجتمعية للمواطنين المسؤولين إلى جانب السلطات القضائية والأمنية". يضيف مسلّم في حديثه إلى "العربي الجديد" رجال الدين والسلطات المحلية (بلديات ومخاتير) إلى قائمة المسؤولين عن مكافحة إطلاق النار. ويأمل المتحدث الأمني أن "نتمكن من إدخال مكافحة إطلاق النار والتحذير من مخاطره إلى المناهج التربوية"، معبّراً عن أمله في أن تصبح هذه المناهج أكثر واقعية في طرح المشاكل الاجتماعية والأمنية وتعليم الأطفال كيفية مواجهتها بالقانون.

يشير مسلّم إلى المؤتمر "المهم" الذي رعاه رئيس الحكومة سعد الحريري لإطلاق ميثاق شرف أهلي بين عشرات البلديات لمكافحة إطلاق النار العشوائي. وتخلله وصف الحريري إطلاق النار العشوائي بـ"الإرهاب". ويلفت مسلّم إلى أنّ "الدولة تريد منع التدخل بالقضاء لإطلاق مطلقي النار العشوائي، وتريد من المواطنين الإبلاغ عن كلّ مطلق نار عشوائي". وبالرغم من انتشار حالة الوعي الاجتماعي وتسليط الإعلام الضوء على هذه الظاهرة إلّا أنّ واقع سقوط ضحايا وتسجيل حوادث ضد مجهول يستمر، حتى إنّ قوى الأمن الداخلي لا تملك إحصاءات دقيقة عن عدد ضحايا الرصاص العشوائي الذين يسجلون كضحايا "جريمة قتل".