الكذبة الحلوة

23 ديسمبر 2015
... ويجتاحني ذلك الشعور الطيّب (Getty)
+ الخط -

لا أذكر أنني كتبتُ في يوم، وأنا بعد طفلة صغيرة، رسالة إلى ذلك الختيار الملتحي. ربما لم تكن العادات في عائلتنا تقتضي ذلك. ربما فعلتُ، إلا أنّ ذاكرتي تخونني من جديد.

أحاول جاهدة استعادة ذلك الزمن الذي انقضى، لعلّ ذاكرتي البصريّة - هذه المرّة - تُعينني بلمحة ولو خاطفة عن رسالة محتملة بأحرف خُطَّت ولا شكّ بعناية كبرى.

أغمض عينَيّ، فأسمع صوت جرس خافت يرنّ من البعيد، قبل أن يقترب ويعلو شيئاً فشيئاً، ليختلط مع خبط نبضي. يجتاحني ذلك الشعور الذي لم أتمكّن في يوم من وصفه، ذلك الشعور الذي لم أتمكّن في يوم من العثور على مفردات مناسبة لشرحه. هو شعور تكرّر في ذلك الزمن الذي انقضى، وما زال يداهمني اليوم كلّما عاد إليّ صوت ذلك الجرس.

وأرى الختيار بلحيته البيضاء وكرشه الكبير وزيّه الأحمر وضحكته الهادرة، وهو يدخل منزلنا ويجلس في صدر الدار. يُخرج الهديّة الأولى من كيسه الأحمر الكبير، ويحاول قراءة الاسم. أُبقي على مسافة بيني وبينه، فيما يخبط نبضي بإيقاع متسارع. الأولى ليست لي. ولا الثانية. هل نسيَ هديّتي؟ هل علم بأنني كنتُ شقيّة في الفترة الأخيرة، وارتأى أنني لا أستأهل هديّة؟ يتسارع نبضي أكثر. ثمّة هدايا أخرى في كيسه. لا بدّ من أنّ واحدة منها لي. لا بدّ من أنّ دوري حان. ويلفظ اسمي. كمن يطفو، أقترب منه. لا أسمع إلا خبط نبضي. كأنني في فقاعة، لا يشاركني إياها إلا ذلك الختيار الملتحي.

يتلاشى المشهد، من دون أن تتخلله أيّ لمحة خاطفة عن رسالة محتملة، ولا أيّ إشارة مختصرة إليها من قبل ذلك الختيار الملتحي الذي راح يختفي شيئاً فشيئاً.

وتخونني ذاكرتي. تحيّرني بانتقائيّتها. كما لا أذكر أنني كتبتُ في يوم رسالة له، كذلك لا يستحضرني متى ولا كيف اكتشفتُ أنّ "بابا نويل" كذبة، وإنما حلوة. هي "كذبة حلوة"، يصفها بعض هؤلاء الذين يغوصون في الذات البشريّة، بـ "المفيدة". هي تجعلنا نحلم، ونطفو بخيالنا، ونؤمن بطيبة نفتقدها في عالم قاس لا يرحم.

في هذه الليلة، ليلة عيد الميلاد، سوف أحاول من جديد. ربما أنجح في التذكّر. في هذه الليلة، سوف أغمض عينَيّ وأعود إلى ذلك الزمن الذي انقضى. لست واثقة من أنّني سوف أنجح، إلا أنّ رنين جرس ذلك الختيار الملتحي سوف يستحضرني، وسوف يجتاحني من جديد ذلك الشعور الطيّب الذي لم أتمكّن في يوم من وصفه.

في هذه الليلة، ليلة عيد الميلاد، وإن لم أتذكّر، إلا أنني سوف أمنح نفسي فرصة لعيش تلك "الكذبة الحلوة" من جديد. سوف أمنح نفسي فرصة للطفو بعيداً في خيالي من جديد، وفرصة للإيمان بطيبة اندثرت في عالم تحاصره الأحقاد والكذب الشنيع.

اقرأ أيضاً: ميلاد مجيد 
المساهمون