الكتاب بين العرض والاستعراض

13 مارس 2016
الكتاب والفيسبوك (Getty)
+ الخط -
- كنّا صغارا نستعرض الهدايا التي نتلقّاها في المناسبات والأعياد لنثير غيرة الأتراب. وبعدما كبرنا ونضجنا، ها هو الفيسبوك يُعيدنا إلى تصابينا الطفولي لنشرع في التفاخر بالحصيلة التي اقتنيناها من معرض الكتاب. يا للبؤس!

بادرني صديقي متبرمّا من حُمّى استعراض الصور بين الكتب ومع الأدباء في حفلات توقيع إصداراتهم الجديدة في أروقة معرض الكتاب، وهي الصور التي انتشرت بشكل لافت على الجدران الفيسبوكية للأصدقاء من أدباء المغرب ومبدعيه وزوّاره، بمناسبة معرض الدار البيضاء الدولي للنشر والكتاب، الذي التأم في فبراير/شباط الماضي.
- وما الضّير في ذلك؟ سألته.
- الكتاب شيء مقدّس يا صديقي... وليس مجرّد سلعة. جميل أن نقتني الكتب وأن نتهاداها بأريحية، لكن هل يعوّض استعراضُها على الفيسبوك بذلك الشكل "المبتذل" متعة قراءتها؟

- طبعا لا يا صديقي. لكن دعنا نفترض حسن النية. فلا أحد يشتري كتبا فقط ليلتقط صورا معها. والأصل أن نشتري المنتوج لنستهلكه، وبالتالي فنحن نقتني الكتب أساسا لنقرأها. ثمّ ما الضير في استعراض الكتب في زمن يستعرض فيه الناس سياراتهم الجديدة وملابسهم التي على الموضة وأسفارهم، وأحيانا أطباق طعامهم على الفيسبوك؟ لماذا تريد أن نستثني الكتاب، هذا الكائن الهش، لنبقيه على الهامش تماما، متعاليا عن حياة الناس الافتراضية هو المطرود أصلا من حياتهم الواقعية، ومن شققهم ومنازلهم الفقيرة إلى مكتبات؟ ألا يساهم هذا الاستعراض الفيسبوكي البريء الذي استنكَرْتَه في الترويج لبعض العناوين وتحريض الأصدقاء في مدارنا الإلكتروني على اقتنائها؟
- ومع ذلك، ليس بهذا الشكل المبتذل يا صديقي. ليس بهذا الشكل.

أنهيت حواري مع صديقي الممتعض من استعراض صور الكتب على الفيسبوك، لأفكّر في ما قد تسدّه وسائط التواصل الاجتماعي من فراغ مهول على مستوى آليات الترويج للكتاب في عالمنا العربي. فوسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمطبوعة والإلكترونية تقصفنا يوميا بمئات الإعلانات التجارية لمختلف المواد الاستهلاكية، من السيارة حتى السيجارة، ومن الشامبو حتى حفّاضات الأطفال. والكتاب مستثنى تماما من أي إعلان يروّج له أو سبّابة إشهارية تدل عليه. فالمجتمع لا يقرأ وتجارة الكتاب فيه بائرة، أو هكذا يُزْعَم، لذا لن تجد بين الناشرين من يُجازف بتخصيص ميزانية للإعلان عبر التلفزيون أو الإذاعة، أو حتى المجلة أو الجريدة، عن كتبه. فلماذا يريد البعض أن يغلق عليه حتى هذا المنفذ الإلكتروني الصغير والمجّاني الذي اجترحه سكان قارة الفيسبوك من القرّاء والمبدعين، واختاروا بتلقائية أن يفسحوا عبره المجال للكتاب ليُتَداول.

أخشى أنّ من يُزايد على هؤلاء "الأغرار" الذين "يبتذلون" الكتاب بالترويج الفيسبوكي له، إنما يسعى إلى طمسه وتهميشه. فالأصوليات - من مختلف الأصناف وفي كل المجالات - عادة تسيء لما تدّعي الدفاع عنه. يزعم بعض الأصوليين الدينيين أنهم يدافعون باستماتة عن الدين ورسالته المقدّسة، فيما هم يدنّسونه ويشوّهون صورته. وبنفس الروح الأصولية المنغلقة يزعم البعض الغيرة على الكتاب فيما ينساق وراء التأليب ضده، بالدعوة إلى عزله وإخراجه من حياتنا الافتراضية لكي يخلو المجال للّغْوِ الفيسبوكي الرخيص، والمبتذل حقا لا مجازا. لذا علينا أن نحذر ممن يدّعون تقديس الكتب، لأنهم لا يدعون سوى إلى فصلها عنا وعن حياتنا اليومية. نحتاج الكتاب متاحا في البيوت لشخبطات الأطفال، وفي المدارس بين أيدي التلاميذ، وفي قاعات الانتظار لتصفح الزوار الضجرين. نحتاج الكتاب في الجريدة ومع المجلة. ونحتاج الكتاب رفيقا في المواقع الاجتماعية.

فرفقا بالكتاب وأهله يا صديقي. جرب فقط أن تبتسم للكاميرا. فالصورة في حديقة الكتب أحلى بالتأكيد.

(كاتب وشاعر مغربي)
المساهمون