الكتابة وميلاد الأنا الآخر...!

26 ابريل 2020
+ الخط -
ظلّت الكتابة منذ ميلاد الحبر والقرطاس مهنة تخرّج أجيالا تفتح نوافذ الطموح المفقود، الكتابة تُولّد تقرحات في تفاصيل الذات المنهكة بالفكرة والمعاني الجميلة لحياة تتمركز في أشياء أخرى لم نفقهّا بغير أبجديات الحرف والكلمة، القراءة نص لغيرك يقودك إلى حيوات أن تقول فكرتك، حيث ميلاد مجموعة من الخواطر والملاحظات التي تسكن الذوات المتغيرة المحبة للمعرفة، الباحثة دوما عن ما هو جديد..

وكل هذا الكون المعرفي المفتوح يحوم في سراديب المكتبات، وغالبا ما نجد الذين ينقلون الأفكار التي ترقد في صفحات الكتب هم الذين يخلقون لنا المحاججات والمنطق في توصيل الفكرة الأم، ميلاد حقائق في المعارف بجميع اختلافاتها وَلّدت عقولا ناجحة على الرغم من اغتيال المواهب في بيئات لا تعترف بالخروج من نص "إنا وجدنا آباءنا على أمة"، طرح أسئلة جارحة قاتلة، تُنصب لها المشانق وتقام لها المحاكم، خرج من هذا العالم الموبوء بالجهل والتقرفص حول الأنا الناقصة بالمتغيرات..

وانتشرت في الجو ذوات متألهة صارت تعيق منطق العقل والابتعاد عن الإنسانية والدخول في حيونة الكائن الصامت، المعجون في قوالب غيره؛ وأفكارهم وقناعاتهم، ومداركهم الناقصة، هذا الإنسان سيموت رغم أن الروح تسري في جسده، يأكل كما تأكل الأنعام، يمشي مع الآخرين في الأسواق والمناسبات ويقيم معهم شعائر دينية لم ينقّبها من نقلها، لا يعرف حتى الفروض وفقه المعاملات، يستطيل في تفاصيل بيئته "بلبيك وسعديك" مع الزمن يستغله أي كائن حي، يعبد الأموات والأحياء، يقول لكنه مشكك في هذا المنطق الذي أدلي به..


من هنا ولد علماء طخمتهم المناصب والترقيات، يسهرون الليالي ويسرقون النهار في التمظهر، ترقيات ولدت التخلف والجهل وأدخلت المجتمعات في دوامة "النخب الناقصة" أو بعبارة أدق "نخب محو الأمية" في هذه الأزمنة خرج الناس أشتاتا يبحثون عن المعرفة في اجتهادات "القص واللصق" ترقوا ونالوا الرتب والنياشين وتسلقوا أرقى وجهات المنظومات المعرفية "مؤسسات علمية".

الكتابة والكآبة!
منذ أن تفتح الإنسان إلى مدارك العقل والبحث عن مكامنه، لعبت الكتابة جميع الأدوار، تغوص في تفاصيل الذوات المنهكة بالتفكير في الطبيعة والكون وقراءات كل جماليات الواقع وتحويله إلى لوحات إبداعية ينحتها القلم ويسطرها القلب على مداد من نور، انقلب كل هذا التشكيل في الرقي والتحضر إلى جلسات مساءلة علقت أعواد مشانقها لكتاب أصبحت تهمتهم أنهم قالوا "الواقع بجرة قلم"..

وبعضهم الآخر تم نفيهم ومطاردتهم، أصبح السيف مقابل القلم، وانتكست الكتابة لتكون كوابيس لأصحابها، اكتئاب وضجر وموت مخلوط بحبات الحياة التي يتنفسها الكتاب في كتاباتهم، لماذا كتبوا؟ وماذا كتبوا؟ وما الذي يدور في مخيلتهم بعد كل هذا؟ هل يُخرِجون الناس في مواجهة آلهتهم من الحكام؟ وما هو خطر مثل هذه العقول على العامة؟..

أسئلة طرحتها أنظمة الطغاة، أطلقوا كلاب أجهزتهم الأمنية على مفكرين وعظماء، أحرقوا الإنتاج العلمي، سجنوا، وعذبوا أهل الفكر، كل هذا وماتزال سيرة الطغاة تلعن في جميع صفحات التاريخ، ولم يبق في الجانب المضيء إلا الذين تحملوا نتائج وتبعات الكتابة، الذين نطقوا الحق في أزمنة التضليل وصناعة الفرعنة على أيدي علماء السلطان وحريمه من الوزراء، رست الحقيقة في شواطئ المعرفة التي سطرتها الكتب.

دلالات
DCDA8F68-FEF8-4439-9CD6-C2BDBF199BE7
أبو بكر عبد السلام

إعلامي وناشط في الشأن التشادي والأفريقي، وسكرتير تحرير صحيفة "انجمينا الجديدة".