اقرأ أيضاً: كيري نقل لعباس تعهدات إسرائيلية مقابل إجهاض "الحماية الدولية"
تصريحات فرج المعروف بعدم حبه للظهورالإعلامي في وسائل الإعلام الفلسطينية، جاءت في مقابلة مطولة أعدتها مجلة " Defense News" الأسبوعية الأميركية. وتؤكّد جميع التسريبات الإسرائيلية، منذ اندلاع هبّة الغضب الفلسطينية في مطلع أكتوبر/تشرين الأول، بشأن التنسيق الأمني بين أجهزة الأمن الفلسطينية والإسرائيلية، أنه في أفضل حالاته بل وتضاعفت وتيرته، على عكس ما تصرح به القيادة الفلسطينية يومياً، بأنّها مقبلة على قطع التنسيق الأمني، استجابة لقرارت المجلس المركزي.
ويؤكد مصدر رفيع لـ"العربي الجديد" أن "قرارات المجلس المركزي المتعلقة بالشق الأمني والاقتصادي غير قابلة للتنفيذ، وهذا ما تدركه القيادة جيداً".
وأوضح المصدر نفسه أنه "في الشأن الاقتصادي، لم يبق من الاتفاق بيننا وبين إسرائيل سوى (المقاصة) أي أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل وتقوم بتحويل حصة السلطة منها، ولن تستطيع السلطة رفض هذا المال الذي تعتمد عليه في دفع رواتب موظفيها. أما في الشق الأمني، فإن وقف التنسيق يعني نهاية السلطة، وهذا لن يكون لأن القيادة الفلسطينية ليس لديها رغبة أو قرار بانهيار السلطة".
وترى أوساط سياسية أن تصريحات فرج النادرة لا تعتبر صدمة للفلسطينيين الذين يلمسون يومياً نتائج التنسيق الأمني بين الأجهزة الفلسطينية والإسرائيلية، من تبادل للمعلومات واعتقال للمقاومين، مروراً بمنع السلطة الفلسطينية للمتظاهرين الفلسطينيين من الوصول إلى نقاط التماس مع الاحتلال للاشتباك معهم، كما حصل أكثر من مرة عند المدخل الشمالي لمحافظة رام الله والبيرة المعروف بمدخل بيت إيل. وتكفل عناصر الأمن الفلسطيني، تارة وهم يرتدون "ثياب النوم"، وتارة أخرى بالزي الرسمي، بقمع المتظاهرين.
من جهة ثانية، ترى أوساط أخرى من السياسيين والمحللين أن القيادة الفلسطينية لن تجرؤ على تنفيذ قرارات المجلس المركزي، بل إنها لا تملك أي خيارات أو حلول سياسية للمأزق الذي وقعت فيه أمام شعبها بسبب التعنت الإٍسرائيلي الذي يزيد من عجزها يومياً. وتعتبر أن جلّ ما تفعله القيادة الفلسطينية الحالية هو إعادة تدوير للخيارات السياسية التي استنفدتها في العامين الماضيين من جهود دبلوماسية وكسب المزيد من الاعترافات الدولية، والذهاب إلى مجلس الأمن الدولي عبر مصر هذا العام، بعدما فشلت في انتزاع قرار بإنهاء الاحتلال من مجلس الأمن الذي توجهت له عبر الأردن في نهاية العام 2014.
وتؤكد هذه الأوساط أن القيادة الفلسطينية تحاول شراء الوقت على أمل أن يحدث تغيير في الموقف الإسرائيلي نتيجة المتغيرات الدولية والإقليمية، وأن يقبل الاحتلال العودة إلى المفاوضات للخروج من مرحلة الجمود الحالية، وبالتالي تعود القيادة للمفاوضات مرة ثانية بشكل مبرر، مع الأخد بعين الاعتبار أن القيادة الفلسطينية، ومن أعلى الهرم، تلوح بأن البديل عن السلطة سيكون الجماعات المتطرفة مثل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وبالتالي، فإن السلطة هي الخيار الأفضل للمجتمع الدولي وإسرائيل للتوصل من خلالها إلى حل للقضية الفلسطينية.
ولعل تصريحات فرج تؤكد ذلك بقوله، إن "التنسيق الأمني مع إسرائيل يشكّل الجسر الذي يديم حضور الظروف الملائمة لكلا الطرفين، إلى أن تتهيأ الظروف المناسبة بين السياسيين من الطرفين للعودة إلى مفاوضات جدّية".
وبناء عليه، فإن بيان مجلس الوزراء الذي صدر، الثلاثاء الماضي، يؤكد أن الحديث مع الإسرائيليين لكسر الجمود في عملية السلام لم ينقطع حتى على مستوى وزير المالية والتخطيط الفلسطيني، شكري بشارة، الذي ليس من المفترض أن يقوم بدور سياسي في هذا الإطار.
وجاء في بيان مجلس الوزراء الفلسطيني الذي وصل إلى "العربي الجديد"، أن بشارة أطلع أعضاء المجلس على نتائج اجتماعه ورئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية حسين الشيخ مع وزير المالية الإسرائيلي، ويضيف أنه ناقش الجمود في عملية السلام جراء استمرار إسرائيل في مشاريعها الاستيطانية ورفضها تنفيذ الاتفاقيات الانتقالية ومواصلة سلطات الاحتلال ارتكاب جرائمها ضد الشعب الفلسطيني، وأنه طالب الوزير الإسرائيلي بـ"ضرورة معالجة كافة الملفات التجارية والاقتصادية العالقة، منذ سنوات تماطل إسرائيل في إيجاد الحلول لها، والتي تساهم في التخفيف من معاناة المواطن الفلسطيني، واسترداد جزء كبير من أموالنا لدى الجانب الإسرائيلي"، بحسب ما جاء في البيان.
ويرى المحلل السياسي، هاني المصري، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن ما سبق يؤكد عدم وجود أي نية لدى القيادة الفلسطينية بتنفيذ قرارات المجلس المركزي أو مواجهة الاحتلال، إذ لا يوجد أي خطة أو استعداد، وكل ما نسمعه مجرد تغيير في الخطاب الفلسطيني، لكن دون المس بالبنية والمصالح الأساسية سواء للواقع الأمني أو الاقتصادي، لذلك ستبقى تصريحات المسؤولين الفلسطينيين تراوح مكانها كما هو الحال بما يتعلق بتقديم الشكاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية، على حدّ تعبيره.
غير أنّ أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، صائب عريقات، يؤكّد لـ"العربي الجديد" أنّهم يستعدون "لتنفيذ قرارات المجلس المركزي، والآليات جاهزة والقرارات اتخذت بشكل كامل، وستذهب نحو تحديد العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي، كما أوضح الرئيس، محمود عباس، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في الدورة السبعين في شهر سبتمبر/أيلول 2015".
وحول سبب عرقلة القيادة الفلسطينية هبّة الغضب، بدلاً من قيادتها، يجيب عريقات، إن "القيادة مسؤولة عن كل الشعب الفلسطيني، وإذا كانت المسألة لديكم تسجيل النقاط فقط، وحول إذا ما كان الرئيس، محمود عباس، هو من يقود الجماهير في الشارع، واضح أن الإجابة: لا، لكن الرئيس خياره مع شعبه".
ويضيف في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "القيادة لا تخطط للهبّة، ورغم ذلك هي مسؤولة عن شعبها وخياراته وملتزمة بإقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية". قبل أن يتابع بانفعال "لقد فقدت ابن أختي الشهيد، مازن العريبي، في الثالث من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وهو ضابط في جهاز المخابرات الفلسطينية، لذلك ما حدا يسألنا وين القيادة الفلسطينية لأنها موجودة".
ويشدّد المسؤول الفلسطيني على أنّه "لن يكون لنا أي تعامل مع أي طرح لمرحلة انتقالية جديدة أو دولة بحدود مؤقتة أو دولة بنظامين، نحن مع خيار محدد: الاستقلال والسيادة الكاملة ودولة فلسطينية على حدود الأراضي المحتلة عام 1967، وحل قضايا الوضع النهائي بناء على القرارات الدولية ذات العلاقة".
من جهة ثانية، يرى أعضاء في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أن ما تقوم به القيادة الفلسطينية ليس أكثر من مناوشة للاحتلال لن يصل للمجابهة الكاملة، وهو ما يؤكده عضوا اللجنة التنفيذية عن "الجبهة الشعبية" عبد الرحيم ملوح، وعن "الجبهة الديمقراطية" قيس عبدالكريم، في حلقة دراسية في رام الله نهاية العام الماضي، بقولهما، إن "القيادة تقوم بمناوشة الاحتلال. وليس هناك قرار بالمجابهة الفعلية". غير أن عريقات يؤكّد بدوره: "قد يكون في وجاهة بالطرح أننا تأخرنا، لكن القرارات جاهزة للتنفيذ".
من جهته، يرى عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" والمفاوض المستقيل محمد أشتية، لـ"العربي الجديد"، أن "القيادة الفلسطينية أعطت كل الوقت اللازم لجميع الأطراف الدولية، ولم تقم الأخيرة بأي بشيء حتى الآن، لذلك يجب تنفيذ قرارات المجلس المركزي".
ويضيف "لا نريد هدم السلطة ولا نريد الاستمرار في الوضع الراهن كما هو، يبقى الحل في تغيير وظيفة السلطة من سلطة خدمات بالأمر الواقع إلى سلطة رافعة للمشروع الوطني لإنهاء الاحتلال، وهذا الطرح قابل للتنفيذ وهناك تقبل كبير له من القيادة".
اقرأ أيضاً: رسائل تأجيل المجلس الوطني الفلسطيني: ترحيل أزمات "فتح" وعباس