القضية الفلسطينية وصراع الأولوية

10 مايو 2019
+ الخط -
يأتي الخبر الفلسطيني على شاشات التلفاز العربية في المرتبة قبل الأخيرة، إن لم يكن الأخيرة، فقد اختفت الأولوية، وغابت في بعض الأحيان نتيجة احتدام الصراع الإقليمي العربي وتغيّر المواقف وتبدّلها، وغابت الفاعلية الواضحة للتعاطي مع الخبر الفلسطيني في الصحف والفضائيات العربية، لصالح الصراعات الإقليمية والعربية والدولية. فحسب التوزيع الجغرافي والتقاسم السياسي للقوى العظمى وتوزيع الأدوار في التغطيات الإعلامية للخبر العربي، فقد انشغلت أخيرا الفضائيات العربية والعالمية، بتغطية الشأن السياسي الجزائري، ومن ثم الليبي، وأخيراً الشأن السوداني، فيما تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية ومسارات التسوية مع الاحتلال الإسرائيلي، لصالح ترويج صفقة القرن، والتفاهمات التي تبرمها حركة حماس وأطراف فلسطينية ودولية من أجل كسر الحصار عن قطاع غزة. واقع التصعيد الأخير في قطاع غزة غيّر بعض الشيء من المعادلة، فقد احتل الخبر الفلسطيني المرتبة الأولى بعد شن غارات إسرائيلية قاتلة على مواطني قطاع غزة، ما ألحق خسائر فادحة في ممتلكات المواطنين، وسقط منهم 27 شهيداً وعشرات الجرحى، ترافق ذلك مع وجود وفدي حركتي حماس والجهاد الإسلامي في القاهرة، وقد تمت مفاوضات تثبيت تفاهمات كسر الحصار، تحت وابل النيران، وهي الخطوة المكررة في المفاوضات الأخيرة منذ عام 2014، بين الاحتلال الإسرائيلي وقوى المقاومة الفلسطينية في غزة، حيث تجري تلك المفاوضات من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار تحت تهديدات القصف والقصف المتبادل.
تنساق التهم وتتبادل الأدوار بعد كل جولة من التصعيد، بأنها قد تمنع تنفيذ صفقة القرن، وأنها موجة جديدة من القتال لتحسين شروط الحياة في قطاع غزة، يجد فيها المواطن الفلسطيني في قطاع غزة نفسه أمام استحقاق دموي من أجل تحسين شروط حياته، ومن أجل نيل مطالبه الإنسانية والاقتصادية، في الوقت الذي تنشغل فيه الأسرة الدولية والمنظمات الحقوقية ببيانات الإدانة والشجب والاستنكار لاستخدام إسرائيل القوة المفرطة بحق المدنيين في قطاع غزة، وتتغافل تلك المؤسسات والمنظمات عن تحميل المسؤول الأول، ألا وهو الاحتلال الإسرائيلي، مسؤولية تردي الأوضاع الإنسانية والاقتصادية والمعيشية في القطاع.
مؤخراً، ظهر جاريد كوشنر، مبعوث الرئيس الأميركي لعملية السلام في الشرق الأوسط، وقال في لقاء تلفزيوني له، أمام معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى: "نريد أن نصل إلى نتائج وليس إلى تعقيدات، والتركيز على حل مفيد، وأن يكون هناك حل عملي، ولكن ما سنقوم به هو عمل جديد مبتكر، مختلف عن الماضي". ويذهب كوشنر إلى الحلول الاقتصادية بعيداً عن الحقوق السياسية للفلسطينيين، إذ نسف كوشنر المطالب الفلسطينية باعترافه مجدداً بأنه من دعم خطة نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس واعتراف أميركا بالقدس عاصمة لإسرائيل. المحاولات الأميركية والإسرائيلية لتسخير وسائل الإعلام لخدمة تفاصيل صفقة القرن، بطابعها الإنساني والاقتصادي، بعيداً عن الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني، هي بمثابة رصاصة الرحمة على مشروع أوسلو أولاً، ومن ثم القضاء على فرص حل الدولتين، وخديعة كبيرة يتم ترويجها للعالم بأنّ أصول الأزمة في الأراضي الفلسطينية هي أزمة إنسانية واقتصادية وليست أزمة سياسية.
يبدو أنّ كل المحاولات لترميم جدران القضية الوطنية الفلسطينية والحفاظ عليها تبدو مهمة صعبة، في ظل تناحر أطراف الحكم ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي ظل مؤشرات دولية، توحي بحل إقليمي للقضية الفلسطينية على حساب التوافق الفلسطيني المشرذم، بينما تنشغل قيادات فلسطينية، على الرغم من ذلك كله. وعلى الرغم من التحديات والتهديدات بتصفية القضية الفلسطينية، واختزالها ببعض الدولارات وربطات الخبز، إلا أنها لا تزال تعيش في عصر المناكفة السياسية والمغامرات الحزبية والنظرة الضيقة التي تزيد من واقع التشرذم وتفتح الباب أمام الحلول الإقليمية لتفرض نفسها على الطاولة الفلسطينية.
8981FDE1-0454-4CBC-894E-2351C53A26E0
8981FDE1-0454-4CBC-894E-2351C53A26E0
أشرف أبوخصيوان (فلسطين)
أشرف أبوخصيوان (فلسطين)