وأظهرت مقاطع فيديو بثّها قضاة، استخدام قوات الدرك القوة لإخراجهم، في تطور وُصف بالخطير وغير المسبوق في تاريخ القضاء الجزائري، خاصة أنه يتعلق باستخدام القوة داخل مؤسسة قضائية وضد قضاة.
وكان وزير العدل بلقاسم زغماتي، قد سمح في تعليمة وجّهها، أمس السبت، إلى رؤساء المجالس القضائية باستدعاء القوة العمومية إذا لزم الأمر، لتنصيب عدد من القضاة الجدد ممن وافقوا على حركة النقل ومقرراته.
ويأتي هذا التطور في الموقف بشأن أزمة الحكومة والقضاة، بعد إعلان قائد الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، دعمه لوزير العدل ودعوته له للذهاب إلى أبعد حد ممكن لإنهاء عصيان القضاة.
Facebook Post |
ووصف المدير العام للشؤون القانونية في وزارة العدل، عبد الحفيظ جرير، إضراب القضاة بالعصيان، قائلاً للإذاعة الحكومية، إنّ "ردة فعل القضاة إزاء حركة النقل ليست إضراباً، بل نحن أمام حالة تمرد وعصيان".
لكن الاتحاد الوطني للمحامين بادر إلى إصدار بيان صحافي، أدان فيه الاعتداء على القضاة، وقال: "لقد علمنا اليوم بذهول ما حلّ بالسادة القضاة، في مجلس قضاء وهران، من أعمال عنف واعتداء من طرف رجال القوة العمومية داخل حرم المجلس القضائي، وعليه يدين الاتحاد استعمال القوة العمومية ضد القضاة، ويعتبر ذلك مساساً خطيراً بالسلطة القضائية، وهو أمر غير مقبول مهما كانت الدوافع".
ودعا اتحاد المحامين كل الأطراف إلى الحوار والتحلي بالحكمة وروح المسؤولية، بعدما دخل إضراب القضاة أسبوعه الثاني، "ما أدى إلى شلل تام للسير العادي لمرفق القضاء، وأثر تأثيراً كبيراً بحريات المتقاضين وحقوقهم"، بحسب البيان نفسه.
نادي القضاة: يجب رحيل وزير العدل
من جهتها، أصدرت نقابة القضاة بياناً شديد اللهجة دانت فيه ما وصفته "بالانزلاق الخطير الذي حدث بمجلس قضاء وهران نتيجة تسخير القوة العمومية ومكافحة الشغب ضد القضاة مما سبب للبعض منهم جروحاً وإصابات متفاوتة الخطورة الأمر الذي يشكل انتهاكا فاضحا لحرمة المباني القضائية المقررة في المواثيق والأعراف الدولية وقت السلم والحرب".
وأكد البيان أن نقابة القضاة تبلغ الرأي العام الوطني بقطع جميع مساعي الوساطة والحوار الرامية لحل الأزمة، وأنها لن تستأنفها إلا برحيل الوزير الحالي، بسبب ما حدث اليوم والذي يتناقض والخطابات الرسمية الزاعمة للحوار، وبرغم استجابة نقابة القضاة لكل دعوات الوساطة التي وصلتها من أجل حلحلة الأزمة الراهنة التي يعيشها القضاء".
واعتبرت نقابة القضاة أن ما حدث في وهران شكل صدمة لهم وللرأي العام الوطني بما حدث من تجاوزات خطيرة في وهران غربي الجزائر، وطالبت النقابة القضاة بضبط النفس وهددت بملاحقة المسؤولين على حادث الاعتداء اليوم وتؤكد التمسك بحقها في اتخاذ جميع التدابير القانونية التي تراها مناسبة ضد كل المسؤولين عن هذه المهزلة.
فيما أدان نادي قضاة الجزائر ما وصفوه بـ "التصرف الجبان والمستبد الذي قام به أزلام وزارة العدل في مواجهة الزملاء من مجلس قضاء وهران، والذي يعكس درجة التغول والنرجسية والدكتاتورية التي يعاني منها القضاة، والتي تجسدت اليوم بالوصول إلى تسخير القوة العمومية للقمع بضرب قضاة ووكلاء جمهورية ليس لهم ذنب سوى طلبهم التحرر والاستقلالية الفعلية من وزارة غاشمة".
وأعلن نادي القضاة أنه مع هذا التطور، فإنه "يجب رحيل وزير العدل الحالي وكل مسؤول قام بتنفيذ أوامر غير شرعية وباطلة بقمع قضاة"، ودعا "النقابة الوطنية إلى اتخاذ موقف تصعيدي مشرف لحفظ ما بقي من كرامة للقضاة، ولدعم المطالب الشعبية باستقلالية السلطة القضائية".
وأشار بيان نادي القضاة إلى أنّ "السلوك الذي قامت به الوزارة اليوم والذي لا يوصف إلا بالهمجية، ويعدّ سابقة في العالم لم تتم في أشدّ الدول دكتاتورية، لا يمكن معه إلا الإصرار بالتعجيل بتنحية الوزير غير الشرعي الذي أصبح بقاؤه خطراً على المنظومة القضائية واستقرار أجهزة مهمة وحساسة بالدولة".
ودعا نادي قضاة الجزائر شركاء العدالة والمواطنين الشرفاء والإعلاميين المستقلين إلى إدانة مثل "هذه التصرفات الهمجية المستبدة غير الحضارية التي هزّت صورة الجزائر في الخارج وأبانت مدى النظرة الاستعلائية المستبدة في مواجهة أحرار القضاة".
وكانت نقابة قضاة الجزائر، التي تنفذ، منذ الأحد الماضي، إضراباً عاماً شلّ المحاكم بنسبة 98 في المائة، قد أصدرت، أمس السبت، بياناً بلهجة حادة اتهمت فيه الحكومة باستخدام أساليب بوليسية ضد القضاة، وحذرت وزير العدل بلقاسم زغماتي مما وصفته بـ"التدابير البوليسية"، وهددت النقابة الوطنية للقضاة الحكومة ووزير العدل بردّ عاصف في حال استمرار تجاهل مطالب القضاة أو المساس بأيّ قاضٍ، وحملتهما نتائج ما قد ينجم عن ذلك.
ورأت في بيانها أن "مصالح وزارة العدل هي الكفّ عن تدابيرها البوليسية في تسيير الأزمة، لأن ذلك يشكل استفزازاً مباشراً لكرامة القضاة وهيبة المؤسسة القضائية"، مشيرة إلى أن "النقابة الوطنية للقضاة لن تتحمل ما قد ينجرّ عن ذلك من ردود أفعال غاضبة من بعض القضاة".
وذكرت النقابة الوطنية للقضاة أن "المعركة التي يخوضها القضاة ضد تغول الجهاز التنفيذي لا تكتسي أي طابع فئوي أو مصلحي، بل هي معركة كل الشرفاء والأحرار، وهي بعيدة عن التصنيفات المغرضة، فالقضاة ليسوا عصابة ولا أذناباً للعصابة، بل إنهم ضحايا للعربدة التي يدار بها القضاء منذ عقود، وقد افتضحت للجميع في الحركة السنوية".