لم يُفارق الحزن منزل أهل المواطنة اللبنانية رولا يعقوب، منذ مقتلها في يوليو/تموز عام 2013، وتزايد الأمر عقب قرار قاضي التحقيق إخلاء سبيل زوجها المُتهم بعد انقضاء مُهلة التوقيف الاحتياطي (6 أشهر تم تجديدها مرة واحدة بحسب القانون) إذ وصفت والدة الضحية ما جرى بأن "القضاء اللبناني قتلها مرة ثانية"، بعد أن ترافق القرار مع ما اعتبرته العائلة مؤشرات على وجود تدخلات سياسية في الملف، في ظل قرار إخلاء سبيل المتهم دون دفع كفالة مالية.
وتعد حادثة قتل يعقوب واحدة من بين 170 جريمة قتل تم ارتكابها عام 2017، في مقابل 149 جريمة قتل وقعت عام 2016 وفق إحصاءات نشرتها شركة "الدولية للمعلومات" في التاسع من فبراير/شباط الجاري.
وفي مفارقة قاتلة، حجزت النساء "كوتا" وازنة في عداد ضحايا الجرائم المُرتكبة في لبنان، وتشير المُتحدثة باسم جمعية "كفى" لمناهضة العنف ضد المرأة ديالا حيدر، إلى أن "17 سيدة قُتلن خلال عام 2017، وسجل الشهران الأولان من عام 2018 مقتل 8 سيدات". وأكدت حيدر لـ"العربي الجديد" أن "مُحاكمة القتلة ببطء شديد، واستمرار مُحاكمتهم بعد إخلاء سبيلهم لا يُمكن أن يُشكل رادعاً لغيرهم عن ارتكاب الجرائم". كما تُشير حيدر، ومن خلال القضايا التي تتابعها "كفى"، إلى "سعي المُتهمين للاستفادة من أسباب تخفيفية يتسللون إليها من خلال بعض المواد القانونية التي نسعى لتعديلها بهدف تحقيق حماية أكبر للنساء ورادع أكبر ضد الاعتداءات عليهن".
المرتبة 40
حل لبنان في المرتبة 40 من أصل 115 دولة، وهو مستوى مبني على قياس إمكانية تعرض المواطنين والمقيمين لأنواع مختلفة من الجرائم الجنائية، بحسب موقع "مؤشر الجريمة العالمي" للعام 2018.
ويبدأ مسار التقاضي في لبنان مع الضابطة العدلية التي تباشر الإجراءات الأولية من التوقيف إلى التحقيق والاستماع للشهود، ثم ادعاء النيابة العامة وإحال المُدعى عليه إلى دائرة قاضي التحقيق الذي يجري التحقيقات اللازمة ويصدر قراره الظني بعد إبداء النيابة العامة مطالعتها بالأساس، وهو ما شرحه لـ"العربي الجديد" محام فضل عدم نشر اسمه بسبب منع نقابة المُحامين أعضاءها عن التصريح لوسائل الإعلام، بعد تحول عدد من المُحاكمات إلى ملفات رأي عام.
ويُكمل المحامي أن "الهيئة الاتهامية تنظر في الفعل الجرمي وتُحيله في حال كان مُجرد جنحة إلى القاضي المنفرد الجزائي، وفي حال كان جناية يتم تحرير مضبطة الاتهام وإحالة المُتهم إلى محكمة الجنايات، وفي حالات مُعينة يتم إجراء تحقيق تكميلي". وفي محكمة الجنايات يتم استجواب المُتهم وسماع الشهود في حالات مُعنية وكذلك سماع إفادة شهود الحق العام ومن ثم صدور حكم قضائي، وبحسب المحامي. يقود هذا القرار المُتهمين إلى محكمة الجنايات ذات الدرجة الواحدة، وعادة ما يبدأ التأخير في محكمة التمييز التي "تطول فيها حبال القانون" كما يقول المثل اللبناني.
اقــرأ أيضاً
لماذا ترتفع نسبة الجريمة؟
يعزو ضابط في قوى الأمن الداخلي يعمل على متابعة الجرائم الجنائية ومنها القتل، سبب ارتفاع نسبة الجرائم في لبنان "وما يتبعها من مشاكل إجرائية وإدارية تنتج عن توقيف عدد كبير من الأشخاص في سجون ونظارات قوى الأمن الداخلي وقصور العدل وفي السجون بانتظار الأحكام" إلى "بطء المسار القضائي الذي يطيل أمد التوقيف ويُعقّد كل الإجراءات".
ويتوقف حديث الضابط لـ"العربي الجديد"، غير المخول بالتصريح، عند حدود تأكيد تأخّر صدور الأحكام ولا سيما في الملفات الجنائية، ويرفض الخوض في أسباب هذه الظاهرة لكنه يُلمّح إلى "التدخلات السياسية" كأحد العوامل.
ويصف مرجع قضائي لبناني كبير واقع القضاء اللبناني بـ"المجزرة التي لا يمكن معها بناء بلد ديمقراطي يحترم حقوق المواطن في المثول أمام قضاء عادل ونزيه وشفاف". ويقول المصدر الذي فضّل التحدث لـ"العربي الجديد" دون التصريح بكامل هويته لأسباب شخصية إن "القضاة في لبنان تعوّدوا على الكسل بسبب غياب الرقابة والمحاسبة، وبسبب تحوّل العفو العام إلى ثقافة بدل أن يكون استثناء". ويؤكد المرجع القضائي أن هذه العناوين العامة تؤدي إلى "ضرب كامل إجراءات التقاضي القانونية واللوجستية وتأجيل الجلسات بشكل مُتكرر وتأخر سوق الموقوفين"، ويدعو لـ"مراجعة شاملة لقانون العقوبات ولهيكلية الجسم القضائي لمعالجة هذه الظاهرة التي باتت مُلازمة لعمل المحاكم".
وهو ما يؤكده المدير التنفيذي لـ"المفكرة القانونية" المحامي نزار صاغية الذي يُفصّل لـ"العربي الجديد" أسباب التأخر في إصدار الأحكام. وهي أسباب تتنوع بين مشاكل بنيوية تشمل الموازنة والشغور إلى التدخلات السياسية والمشاكل الإجرائية. ويقول صاغية إن "كل ما يتعلق ببطء العمل القضائي ناتج عن غياب حقيقي لآليات التقييم والمحاسبة داخل القضاء، وهو أمر لا يمكن فصله عن مشاكل استقلالية القضاء". وتعود إلى "هيئة التفتيش القضائي" سلطة التقييم والمحاسبة لأداء القضاة، وهي عملية مُعطلّة بسبب الواقع الطائفي وواقع التداخلات السياسية في عمل القضاء. كما يعزو صاغية التأخير في إصدار الأحكام إلى "سوء تنظيم الجهاز القضائي وهو أمر تتحمله وزارة العدل".
موازنة القضاء
تبرز الأزمات البنوية في السلطة القضائية اللبنانية على مستويين: الأول هو الموازنة الضئيلة التي تُخصصها الحكومة للقضاء وبلغت 0.38 في المئة من إجمالي الموازنة العامة البالغة 15 مليار دولار أميركي، عام 2017. ويُقارن صاغية في هذا المجال بين الحصة التي يدفعها لبنان لتمويل المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، التي تبلغ حوالي 30 مليون يورو سنوياً (حوالي 36 مليون دولار سنويا) "وهي مُخصصة لقضية واحدة فقط"، وبين موازنة القضاء اللبناني "التي يُفترض أن تُغطي آلاف المُحاكمات سنوياً" . كما يُعاني القضاء اللبناني، بحسب "المفكرة القانونية"، من "شغور حوالي 35 في المئة من الوظائف"، وهو ما يؤدي إلى ازدياد أعداد الملفات عند كل قاض.
وهي مؤشرات يرى صاغية أنها "تدفع إلى الشك بأولويات السلطات اللبنانية ونظرتها إلى السلطة القضائية". كما يُعاني الموقوفون في لبنان من تعذّر سوقهم إلى المحاكمات في بعض الأحيان، وقد رصدت "المفكرة" ارتفاع نسبة الموقوفين الذين تعذّر سوقهم إلى جلساتهم إلى 78 في المئة بين عامي 2011 و2012. ويرى صاغية أن هذا التفصيل الإجرائي (عملية نقل الموقوف من السجن أو النظارة إلى المحكمة)، يؤشر عادة إلى "وجود قرار سياسي بتعليق البت في القضايا، لأن الكثير من الملفات القابلة للتسوية ضمن مشروع للعفو العام مثلاً أو صفقات تبادل تصبح أكثر مرونة وأكثر قابلية للتنفيذ في حال كان الموقوف مسجوناً دون حكم صادر بحقه".
إطالة أمد المحاكمات
في محاولة لإطالة أمد المُحاكمات بـ"قدر الحاجة أو المُستطاع"، يلجأ مُحامو الدفاع إلى تقديم "الدفوع الشكلية، واستنزاف الأعذار القانونية لتغيّب المُوكل عن حضور الجلسات، قبل اللجوء إلى المادة 108 من قانون المحاكمات الجزائية وفق ما شرحه المحامي، وتنص المادة كما يقول المدير التنفيذي لـ"المفكرة القانونية" على "إخلاء سبيل المُتهم بعد توقيفه احتياطياً لمدة 6 أشهر تُجدد مرة واحدة فقط".
ويستثني القضاء اللبناني جرائم الاتجار بالبشر والقتل العمد والإرهاب من إخلاء السبيل. وتبقى مروحة واسعة من الجرائم الجنائية ومنها القتل (في حال أثبت الدفاع أنه لم يكن عمداً)، تحت سلطة المادة 108 التي يلجأ إليها النافذون لمحاولة الإفلات من السجن مع إطالة وقت المُحاكمة لسنوات، بحسب صاغية. وحملت السنوات القليلة الماضية نماذج على نجاح هذا المسار في إخلاء سبيل عدد من المُتهمين في جرائم هزت الرأي العام، وتأخّر إصدار الأحكام في قضايا أُخرى، كقضية قتل المواطن، جورج الريف، الذي تأخر صدور حكم الإعدام بحق قاتله، طارق اليتيم، طوال عامين رغم توثيق عملية الطعن حتى الموت عبر هواتف عشرات المواطنين الذين تابعوا الجريمة التي ارتُكبت في وضح النهار بالشارع.
تُظهر أرقام دراسة أعدها مكتب وزير العدل الأسبق البروفيسور إبراهم نجار، (2008 - 2011)، واطلع عليها "العربي الجديد" أن 63 في المئة من نزلاء سجن رومية المركزي (أكبر سجن في لبنان) في الشهر الرابع من عام 2011 كانوا موقوفين بموجب مذكرة توقيف، مقابل 37 في المئة من المحكومين بمُختلف الأحكام.
وحاول "العربي الجديد" التواصل مع وزير العدل الحالي سليم جريصاتي، للوقوف معه على أسباب هذه الظاهرة ولكن الأخير اعتذر عن التصريح في الوقت الحالي، فيما أفادت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي "العربي الجديد"، بأن نسبة الموقوفين قيد المحاكمة في السجون اللبنانية تصل إلى 75 في المئة من إجمالي المسجونين البالغ 6489، وبحسب أرقام المديرية فإن عدد الموقوفين قيد المحاكمة بلغ حتى 12 فبراير/شباط 4833 موقوفاً، مقابل 1656 محكوماً فقط. كما يبلغ عدد الموقوفين قيد التحقيق في نظارات المخافر (أقسام الشرطة) 2500 شخص موزعين في كل المناطق حتى 12 فبراير/شباط الماضي، الأمر الذي يثير مخاوف قانونيين وحقوقيين من أن يؤدي بطء النظام القضائي وانتشار المحسوبيات والوساطات إلى تجريد العدالة من معناها وتقديم حماية للمُتهمين حتى ولو كانوا مُذنبين.
وتعد حادثة قتل يعقوب واحدة من بين 170 جريمة قتل تم ارتكابها عام 2017، في مقابل 149 جريمة قتل وقعت عام 2016 وفق إحصاءات نشرتها شركة "الدولية للمعلومات" في التاسع من فبراير/شباط الجاري.
وفي مفارقة قاتلة، حجزت النساء "كوتا" وازنة في عداد ضحايا الجرائم المُرتكبة في لبنان، وتشير المُتحدثة باسم جمعية "كفى" لمناهضة العنف ضد المرأة ديالا حيدر، إلى أن "17 سيدة قُتلن خلال عام 2017، وسجل الشهران الأولان من عام 2018 مقتل 8 سيدات". وأكدت حيدر لـ"العربي الجديد" أن "مُحاكمة القتلة ببطء شديد، واستمرار مُحاكمتهم بعد إخلاء سبيلهم لا يُمكن أن يُشكل رادعاً لغيرهم عن ارتكاب الجرائم". كما تُشير حيدر، ومن خلال القضايا التي تتابعها "كفى"، إلى "سعي المُتهمين للاستفادة من أسباب تخفيفية يتسللون إليها من خلال بعض المواد القانونية التي نسعى لتعديلها بهدف تحقيق حماية أكبر للنساء ورادع أكبر ضد الاعتداءات عليهن".
المرتبة 40
حل لبنان في المرتبة 40 من أصل 115 دولة، وهو مستوى مبني على قياس إمكانية تعرض المواطنين والمقيمين لأنواع مختلفة من الجرائم الجنائية، بحسب موقع "مؤشر الجريمة العالمي" للعام 2018.
ويبدأ مسار التقاضي في لبنان مع الضابطة العدلية التي تباشر الإجراءات الأولية من التوقيف إلى التحقيق والاستماع للشهود، ثم ادعاء النيابة العامة وإحال المُدعى عليه إلى دائرة قاضي التحقيق الذي يجري التحقيقات اللازمة ويصدر قراره الظني بعد إبداء النيابة العامة مطالعتها بالأساس، وهو ما شرحه لـ"العربي الجديد" محام فضل عدم نشر اسمه بسبب منع نقابة المُحامين أعضاءها عن التصريح لوسائل الإعلام، بعد تحول عدد من المُحاكمات إلى ملفات رأي عام.
ويُكمل المحامي أن "الهيئة الاتهامية تنظر في الفعل الجرمي وتُحيله في حال كان مُجرد جنحة إلى القاضي المنفرد الجزائي، وفي حال كان جناية يتم تحرير مضبطة الاتهام وإحالة المُتهم إلى محكمة الجنايات، وفي حالات مُعينة يتم إجراء تحقيق تكميلي". وفي محكمة الجنايات يتم استجواب المُتهم وسماع الشهود في حالات مُعنية وكذلك سماع إفادة شهود الحق العام ومن ثم صدور حكم قضائي، وبحسب المحامي. يقود هذا القرار المُتهمين إلى محكمة الجنايات ذات الدرجة الواحدة، وعادة ما يبدأ التأخير في محكمة التمييز التي "تطول فيها حبال القانون" كما يقول المثل اللبناني.
لماذا ترتفع نسبة الجريمة؟
يعزو ضابط في قوى الأمن الداخلي يعمل على متابعة الجرائم الجنائية ومنها القتل، سبب ارتفاع نسبة الجرائم في لبنان "وما يتبعها من مشاكل إجرائية وإدارية تنتج عن توقيف عدد كبير من الأشخاص في سجون ونظارات قوى الأمن الداخلي وقصور العدل وفي السجون بانتظار الأحكام" إلى "بطء المسار القضائي الذي يطيل أمد التوقيف ويُعقّد كل الإجراءات".
ويتوقف حديث الضابط لـ"العربي الجديد"، غير المخول بالتصريح، عند حدود تأكيد تأخّر صدور الأحكام ولا سيما في الملفات الجنائية، ويرفض الخوض في أسباب هذه الظاهرة لكنه يُلمّح إلى "التدخلات السياسية" كأحد العوامل.
ويصف مرجع قضائي لبناني كبير واقع القضاء اللبناني بـ"المجزرة التي لا يمكن معها بناء بلد ديمقراطي يحترم حقوق المواطن في المثول أمام قضاء عادل ونزيه وشفاف". ويقول المصدر الذي فضّل التحدث لـ"العربي الجديد" دون التصريح بكامل هويته لأسباب شخصية إن "القضاة في لبنان تعوّدوا على الكسل بسبب غياب الرقابة والمحاسبة، وبسبب تحوّل العفو العام إلى ثقافة بدل أن يكون استثناء". ويؤكد المرجع القضائي أن هذه العناوين العامة تؤدي إلى "ضرب كامل إجراءات التقاضي القانونية واللوجستية وتأجيل الجلسات بشكل مُتكرر وتأخر سوق الموقوفين"، ويدعو لـ"مراجعة شاملة لقانون العقوبات ولهيكلية الجسم القضائي لمعالجة هذه الظاهرة التي باتت مُلازمة لعمل المحاكم".
وهو ما يؤكده المدير التنفيذي لـ"المفكرة القانونية" المحامي نزار صاغية الذي يُفصّل لـ"العربي الجديد" أسباب التأخر في إصدار الأحكام. وهي أسباب تتنوع بين مشاكل بنيوية تشمل الموازنة والشغور إلى التدخلات السياسية والمشاكل الإجرائية. ويقول صاغية إن "كل ما يتعلق ببطء العمل القضائي ناتج عن غياب حقيقي لآليات التقييم والمحاسبة داخل القضاء، وهو أمر لا يمكن فصله عن مشاكل استقلالية القضاء". وتعود إلى "هيئة التفتيش القضائي" سلطة التقييم والمحاسبة لأداء القضاة، وهي عملية مُعطلّة بسبب الواقع الطائفي وواقع التداخلات السياسية في عمل القضاء. كما يعزو صاغية التأخير في إصدار الأحكام إلى "سوء تنظيم الجهاز القضائي وهو أمر تتحمله وزارة العدل".
موازنة القضاء
تبرز الأزمات البنوية في السلطة القضائية اللبنانية على مستويين: الأول هو الموازنة الضئيلة التي تُخصصها الحكومة للقضاء وبلغت 0.38 في المئة من إجمالي الموازنة العامة البالغة 15 مليار دولار أميركي، عام 2017. ويُقارن صاغية في هذا المجال بين الحصة التي يدفعها لبنان لتمويل المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، التي تبلغ حوالي 30 مليون يورو سنوياً (حوالي 36 مليون دولار سنويا) "وهي مُخصصة لقضية واحدة فقط"، وبين موازنة القضاء اللبناني "التي يُفترض أن تُغطي آلاف المُحاكمات سنوياً" . كما يُعاني القضاء اللبناني، بحسب "المفكرة القانونية"، من "شغور حوالي 35 في المئة من الوظائف"، وهو ما يؤدي إلى ازدياد أعداد الملفات عند كل قاض.
وهي مؤشرات يرى صاغية أنها "تدفع إلى الشك بأولويات السلطات اللبنانية ونظرتها إلى السلطة القضائية". كما يُعاني الموقوفون في لبنان من تعذّر سوقهم إلى المحاكمات في بعض الأحيان، وقد رصدت "المفكرة" ارتفاع نسبة الموقوفين الذين تعذّر سوقهم إلى جلساتهم إلى 78 في المئة بين عامي 2011 و2012. ويرى صاغية أن هذا التفصيل الإجرائي (عملية نقل الموقوف من السجن أو النظارة إلى المحكمة)، يؤشر عادة إلى "وجود قرار سياسي بتعليق البت في القضايا، لأن الكثير من الملفات القابلة للتسوية ضمن مشروع للعفو العام مثلاً أو صفقات تبادل تصبح أكثر مرونة وأكثر قابلية للتنفيذ في حال كان الموقوف مسجوناً دون حكم صادر بحقه".
إطالة أمد المحاكمات
في محاولة لإطالة أمد المُحاكمات بـ"قدر الحاجة أو المُستطاع"، يلجأ مُحامو الدفاع إلى تقديم "الدفوع الشكلية، واستنزاف الأعذار القانونية لتغيّب المُوكل عن حضور الجلسات، قبل اللجوء إلى المادة 108 من قانون المحاكمات الجزائية وفق ما شرحه المحامي، وتنص المادة كما يقول المدير التنفيذي لـ"المفكرة القانونية" على "إخلاء سبيل المُتهم بعد توقيفه احتياطياً لمدة 6 أشهر تُجدد مرة واحدة فقط".
ويستثني القضاء اللبناني جرائم الاتجار بالبشر والقتل العمد والإرهاب من إخلاء السبيل. وتبقى مروحة واسعة من الجرائم الجنائية ومنها القتل (في حال أثبت الدفاع أنه لم يكن عمداً)، تحت سلطة المادة 108 التي يلجأ إليها النافذون لمحاولة الإفلات من السجن مع إطالة وقت المُحاكمة لسنوات، بحسب صاغية. وحملت السنوات القليلة الماضية نماذج على نجاح هذا المسار في إخلاء سبيل عدد من المُتهمين في جرائم هزت الرأي العام، وتأخّر إصدار الأحكام في قضايا أُخرى، كقضية قتل المواطن، جورج الريف، الذي تأخر صدور حكم الإعدام بحق قاتله، طارق اليتيم، طوال عامين رغم توثيق عملية الطعن حتى الموت عبر هواتف عشرات المواطنين الذين تابعوا الجريمة التي ارتُكبت في وضح النهار بالشارع.
تُظهر أرقام دراسة أعدها مكتب وزير العدل الأسبق البروفيسور إبراهم نجار، (2008 - 2011)، واطلع عليها "العربي الجديد" أن 63 في المئة من نزلاء سجن رومية المركزي (أكبر سجن في لبنان) في الشهر الرابع من عام 2011 كانوا موقوفين بموجب مذكرة توقيف، مقابل 37 في المئة من المحكومين بمُختلف الأحكام.
وحاول "العربي الجديد" التواصل مع وزير العدل الحالي سليم جريصاتي، للوقوف معه على أسباب هذه الظاهرة ولكن الأخير اعتذر عن التصريح في الوقت الحالي، فيما أفادت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي "العربي الجديد"، بأن نسبة الموقوفين قيد المحاكمة في السجون اللبنانية تصل إلى 75 في المئة من إجمالي المسجونين البالغ 6489، وبحسب أرقام المديرية فإن عدد الموقوفين قيد المحاكمة بلغ حتى 12 فبراير/شباط 4833 موقوفاً، مقابل 1656 محكوماً فقط. كما يبلغ عدد الموقوفين قيد التحقيق في نظارات المخافر (أقسام الشرطة) 2500 شخص موزعين في كل المناطق حتى 12 فبراير/شباط الماضي، الأمر الذي يثير مخاوف قانونيين وحقوقيين من أن يؤدي بطء النظام القضائي وانتشار المحسوبيات والوساطات إلى تجريد العدالة من معناها وتقديم حماية للمُتهمين حتى ولو كانوا مُذنبين.