يناقش البرلمان الجزائري قانون القضاء العسكري الجديد، وسط مخاوف من ثغرات قانونية قد تُستغل في تصفية حسابات مع عسكريين سابقين وُجّهت لهم تهم تتعلق بماضيهم العسكري، وكذلك مخاوف تتصل بدور جهاز المخابرات مجدداً في هكذا قضايا، خصوصاً على خلفية تجربة مريرة مرت بها الجزائر في هذا الشأن، وبعد نقل تبعية الجهاز من قيادة أركان الجيش إلى الرئاسة.
قانون القضاء العسكري الجديد يحظر أي محاكمات لمدنيين أمام القضاء العسكري، بما في ذلك في القضايا المرتبطة بأمن الدولة وأسرار الدفاع الوطني، بعد عقود من المطالبات السياسية والحقوقية والانتقادات الدولية بضرورة سحب القضايا المتعلقة بأمن الدولة وأسرار الدفاع الوطني التي يُتهم فيها مدنيون من القضاء العسكري، وإحالتها على القضاء المدني.
وعلى خلفية تجارب قاسية شهدتها الجزائر، وتخوفاً من تسلل جهاز المخابرات إلى الشأن المدني والقضائي عبر أدوات وثغرات قانونية، اندفعت أطراف للتصدّي لذلك عند تعديل قانون القضاء العسكري، وقد يكون مكسب حظر محاكمة المدنيين في القضايا المتعلقة بأمن الدولة أمام المحاكم العسكرية، من أكبر المكاسب التي أنجزت في اتجاه حصر الدور القضائي لجهاز المخابرات في الدوائر العسكرية.
لكن عدداً من مواد هذا القانون الذي يُعدّل للمرة الأولى منذ عام 1971، تثير مخاوف بشأن دور جهاز المخابرات على الصعيد القضائي، في ما يتعلق بقضايا تخص عسكريين سابقين أصبحوا مدنيين، على غرار قضايا الجنرال السابق عبد القادر آيت واعراب، المعروف بالجنرال حسان، المدير السابق لوحدة مكافحة الإرهاب في جهاز المخابرات والموقوف حالياً، والجنرال حسين بن حديد، وغيرهما، ومخاوف من استغلال بعض ثغرات القانون العسكري لتصفية الحسابات.
وفي هذا السياق، يطرح الإعلامي بوعلام غمراسة، قضية الجنرال السابق حسان كدليل على وجود حسابات سياسية في تطبيق القوانين العسكرية وتدخّل أطراف أخرى والتلاعب في تطبيق القوانين. ويشير إلى أنه "بحسب المادة 68 من قانون القضاء العسكري الصادر عام 1971، فإن وزير الدفاع هو الجهة الوحيدة التي يمكنها تحريك الدعوى العمومية ضد ضابط برتبة نقيب أو أعلى، وفي هذه الحالة فإن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة هو من أمر بإدخال الجنرال حسان السجن، لكن المادة 30 من القانون نفسه تُلزم وزير الدفاع، الرئيس بوتفليقة في هذه الحالة، بتعيين محكمة عسكرية لا تتبع المنطقة العسكرية التي خدم فيها الضابط المتهم". ويلفت إلى أن الجنرال حسان يُحاكم في محكمة تتبع جهة عمله العسكري السابق، وهذا خرق للقانون "إذا كان الرئيس لا يملك القدرات الذهنية والبدنية ليمارس مهامه في هذا الجانب، فذلك يعني أن جهة أخرى استولت على هذه الصلاحيات". ويكشف حديث غمراسة عن "جهة تستولي على الصلاحيات" عن استمرار ما يعتبره توظيفاً سياسياً للجهاز الأمني والقضائي في المؤسسة العسكرية في توجيه القضايا وتجاوز القوانين.
وفي الإطار نفسه، يؤكد رئيس الكتلة البرلمانية والقيادي في حركة "مجتمع السلم"، نصر الدين حمدادوش، لـ"العربي الجديد"، أن هناك مخاوف جدية بشأن استدعاء عهد المخابرات السابق، و"بشأن توسيع صفة الضبطية القضائية للتعامل في القضايا المتعلقة بالعسكريين والمدنيين الذين كانوا في نطاق العمل العسكري سابقاً". ويشير إلى أن "هذا يذكّرنا بروابط سلبية مع توسيع ذلك إلى دائرة الاستعلامات العامة (الاسم السابق لجهاز المخابرات)، ونخشى أن يكون ذلك مجرد نقلٍ لهذه الصلاحيات من محور إلى آخر"، في إشارة إلى قلق سياسي من توظيف المحيط المقرب من بوتفليقة للجهاز الاستخباراتي في حسابات سياسية، منذ قرر الرئيس الجزائري في سبتمبر/أيلول 2015، إقالة قائد الجهاز الفريق محمد مدين، ونقل تبعية المخابرات من الجيش إلى الرئاسة، وإعادة هيكلة الجهاز إلى ثلاثة أجهزة أمنية يشرف عليها منسق عام هو الجنرال بشير طرطاق.
اقــرأ أيضاً
ويبني حمدادوش مخاوفه التي تشاركه فيها قوى سياسية ومدنية عديدة، على تداعيات مرحلة سياسية وقضائية سابقة، أدت فيها المخابرات دور اليد الطولى في تحرير القضايا وتوجيهها في القضاء، وملاحقة شخصيات مدنية وعسكرية في قضايا يشوبها الغموض. ولم يقتصر تأثيرها في المرحلة السابقة على مجريات القضايا المرتبطة بالشأن العسكري والأمني وأمن الدولة والتجسس، لكنها كانت تؤثر أيضاً على القضاء المدني. كما تلاعبت حتى عام 2015 بقضايا فساد ما زال يشوبها جدل وغموض لافت، خصوصاً قضية الفساد في شركة سوناطراك التي تكفلت المخابرات بالتحقيق والتحري فيها، ودفعت النائب العام إلى توجيه التهمة إلى وزير الطاقة السابق شكيب خليل، والذي يُعدّ من أبرز الشخصيات المقربة من بوتفليقة، في أغسطس/آب 2012، إضافة إلى زوجته ونجله، ما دفعه إلى الفرار إلى الولايات المتحدة، قبل أن يعود تحت حماية بوتفليقة في مارس/آذار 2016، بعد إقالة بوتفليقة لقائد جهاز المخابرات والرجل القوي في البلاد محمد مدين، وليتهم خليل جهاز المخابرات بتلفيق تهم ضده.
كما أدى جهاز المخابرات دوراً في قضية اتهام عبد المؤمن ولد قدور، المدير العام لشركة تابعة لسوناطراك، بالتجسس لصالح واشنطن عبر شركة هاليبرتون النفطية، وسجنه حتى عام 2015، قبل أن يعيد بوتفليقة نهاية عام 2017، تعيينه كمدير عام لشركة سوناطراك. ناهيك عن قضية المحاكم الاستثنائية والخاصة التي أدى جهاز المخابرات دوراً في إدارتها في التسعينيات، والتي كانت تختص بمحاكمة المتهمين في قضايا الإرهاب، وكذلك إشراف محاكم عسكرية على محاكمة سياسيين بتهم أمنية، كالقياديين في "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" عباسي مدني وعلي بلحاج عام 1992.
لكن المحامي والناشط الحقوقي عمار خبابة، الذي يرافع أمام المحاكم العسكرية، يعتبر أن المخاوف من عودة تدخّل الجهاز الاستخباراتي قضايا تتعلق بالحريات والشؤون المدنية، مبالغ فيها، بعد حصر الدور القضائي للجهاز الأمني في القضايا داخل الثكنات والمتصلة بالشأن العسكري، أو يتعلق ببعض المدنيين المتورطين كشركاء في جرائم من اختصاص المحاكم العسكرية.
ويشدد خبابة في تصريح لـ"العربي الجديد" على أنه يتعيّن على السلطات السياسية "الحرص على ضبط دور هذا الجهاز في إطار قانون الإجراءات الجزائية بالنسبة لجرائم أمن الدولة"، لافتاً إلى أن "التعديل استفاد من تجربة التسعينيات، إذ كان قانون القضاء العسكري يسمح بملاحقة المدنيين في حالة الطوارئ بين 1992 حتى 2012 في الجرائم ذات الطابع الأمني"، مشيراً إلى الجدل السياسي والقانوني الذي شهدته الجزائر خلال تلك الفترة، ما دفع السلطة التي كان يسيطر عليها الجيش عقب انقلاب يناير/كانون الثاني 1992 إلى إنشاء المحاكم الخاصة وبعدها العودة إلى محاكم القانون العام. ويضيف أن "الحديث عن مهام جهاز الأمن العسكري بصفته شرطة قضائية، يدفعنا إلى التأكيد على ضرورة أن يكون النص واضحاً في قانون الإجراءات الجزائية بأن هذا الجهاز لا يتدخّل على الإطلاق في القضايا التي تنظر فيها المحاكم المدنية وأن دوره يحب أن ينحصر فقط في القضايا ذات الصلة بالمحاكم العسكرية".
ويوضح المحامي خبابة أن مشروع تعديل قانون القضاء العسكري هو أول تعديل لهذا القانون منذ 1971 وقد انصبّ بالأساس على تكريس مبدأ التقاضي على درجتين المنصوص عليه في الدستور، في القضاء العسكري حتى لا يبقى هذا المجال نشازاً مقارنة مع القضاء المدني. لكنه يعتبر في المجمل أن "التعديلات الأخرى المتضمّنة في القضاء العسكري، هي تعديلات طفيفة ولم ترقَ إلى مستوى ما كنا نأمل كحقوقيين، فهناك جوانب عديدة لها علاقة بالحريات لا يزال القضاء العسكري في بلادنا متأخراً بخصوصها، منها على سبيل المثال الحبس المؤقت والسلطة التقديرية لرئيس المحكمة في قبول أو رفض المحامي الذي يختاره المتهمون في القضايا العسكرية".
اقــرأ أيضاً
قانون القضاء العسكري الجديد يحظر أي محاكمات لمدنيين أمام القضاء العسكري، بما في ذلك في القضايا المرتبطة بأمن الدولة وأسرار الدفاع الوطني، بعد عقود من المطالبات السياسية والحقوقية والانتقادات الدولية بضرورة سحب القضايا المتعلقة بأمن الدولة وأسرار الدفاع الوطني التي يُتهم فيها مدنيون من القضاء العسكري، وإحالتها على القضاء المدني.
وعلى خلفية تجارب قاسية شهدتها الجزائر، وتخوفاً من تسلل جهاز المخابرات إلى الشأن المدني والقضائي عبر أدوات وثغرات قانونية، اندفعت أطراف للتصدّي لذلك عند تعديل قانون القضاء العسكري، وقد يكون مكسب حظر محاكمة المدنيين في القضايا المتعلقة بأمن الدولة أمام المحاكم العسكرية، من أكبر المكاسب التي أنجزت في اتجاه حصر الدور القضائي لجهاز المخابرات في الدوائر العسكرية.
لكن عدداً من مواد هذا القانون الذي يُعدّل للمرة الأولى منذ عام 1971، تثير مخاوف بشأن دور جهاز المخابرات على الصعيد القضائي، في ما يتعلق بقضايا تخص عسكريين سابقين أصبحوا مدنيين، على غرار قضايا الجنرال السابق عبد القادر آيت واعراب، المعروف بالجنرال حسان، المدير السابق لوحدة مكافحة الإرهاب في جهاز المخابرات والموقوف حالياً، والجنرال حسين بن حديد، وغيرهما، ومخاوف من استغلال بعض ثغرات القانون العسكري لتصفية الحسابات.
وفي الإطار نفسه، يؤكد رئيس الكتلة البرلمانية والقيادي في حركة "مجتمع السلم"، نصر الدين حمدادوش، لـ"العربي الجديد"، أن هناك مخاوف جدية بشأن استدعاء عهد المخابرات السابق، و"بشأن توسيع صفة الضبطية القضائية للتعامل في القضايا المتعلقة بالعسكريين والمدنيين الذين كانوا في نطاق العمل العسكري سابقاً". ويشير إلى أن "هذا يذكّرنا بروابط سلبية مع توسيع ذلك إلى دائرة الاستعلامات العامة (الاسم السابق لجهاز المخابرات)، ونخشى أن يكون ذلك مجرد نقلٍ لهذه الصلاحيات من محور إلى آخر"، في إشارة إلى قلق سياسي من توظيف المحيط المقرب من بوتفليقة للجهاز الاستخباراتي في حسابات سياسية، منذ قرر الرئيس الجزائري في سبتمبر/أيلول 2015، إقالة قائد الجهاز الفريق محمد مدين، ونقل تبعية المخابرات من الجيش إلى الرئاسة، وإعادة هيكلة الجهاز إلى ثلاثة أجهزة أمنية يشرف عليها منسق عام هو الجنرال بشير طرطاق.
ويبني حمدادوش مخاوفه التي تشاركه فيها قوى سياسية ومدنية عديدة، على تداعيات مرحلة سياسية وقضائية سابقة، أدت فيها المخابرات دور اليد الطولى في تحرير القضايا وتوجيهها في القضاء، وملاحقة شخصيات مدنية وعسكرية في قضايا يشوبها الغموض. ولم يقتصر تأثيرها في المرحلة السابقة على مجريات القضايا المرتبطة بالشأن العسكري والأمني وأمن الدولة والتجسس، لكنها كانت تؤثر أيضاً على القضاء المدني. كما تلاعبت حتى عام 2015 بقضايا فساد ما زال يشوبها جدل وغموض لافت، خصوصاً قضية الفساد في شركة سوناطراك التي تكفلت المخابرات بالتحقيق والتحري فيها، ودفعت النائب العام إلى توجيه التهمة إلى وزير الطاقة السابق شكيب خليل، والذي يُعدّ من أبرز الشخصيات المقربة من بوتفليقة، في أغسطس/آب 2012، إضافة إلى زوجته ونجله، ما دفعه إلى الفرار إلى الولايات المتحدة، قبل أن يعود تحت حماية بوتفليقة في مارس/آذار 2016، بعد إقالة بوتفليقة لقائد جهاز المخابرات والرجل القوي في البلاد محمد مدين، وليتهم خليل جهاز المخابرات بتلفيق تهم ضده.
كما أدى جهاز المخابرات دوراً في قضية اتهام عبد المؤمن ولد قدور، المدير العام لشركة تابعة لسوناطراك، بالتجسس لصالح واشنطن عبر شركة هاليبرتون النفطية، وسجنه حتى عام 2015، قبل أن يعيد بوتفليقة نهاية عام 2017، تعيينه كمدير عام لشركة سوناطراك. ناهيك عن قضية المحاكم الاستثنائية والخاصة التي أدى جهاز المخابرات دوراً في إدارتها في التسعينيات، والتي كانت تختص بمحاكمة المتهمين في قضايا الإرهاب، وكذلك إشراف محاكم عسكرية على محاكمة سياسيين بتهم أمنية، كالقياديين في "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" عباسي مدني وعلي بلحاج عام 1992.
لكن المحامي والناشط الحقوقي عمار خبابة، الذي يرافع أمام المحاكم العسكرية، يعتبر أن المخاوف من عودة تدخّل الجهاز الاستخباراتي قضايا تتعلق بالحريات والشؤون المدنية، مبالغ فيها، بعد حصر الدور القضائي للجهاز الأمني في القضايا داخل الثكنات والمتصلة بالشأن العسكري، أو يتعلق ببعض المدنيين المتورطين كشركاء في جرائم من اختصاص المحاكم العسكرية.
ويوضح المحامي خبابة أن مشروع تعديل قانون القضاء العسكري هو أول تعديل لهذا القانون منذ 1971 وقد انصبّ بالأساس على تكريس مبدأ التقاضي على درجتين المنصوص عليه في الدستور، في القضاء العسكري حتى لا يبقى هذا المجال نشازاً مقارنة مع القضاء المدني. لكنه يعتبر في المجمل أن "التعديلات الأخرى المتضمّنة في القضاء العسكري، هي تعديلات طفيفة ولم ترقَ إلى مستوى ما كنا نأمل كحقوقيين، فهناك جوانب عديدة لها علاقة بالحريات لا يزال القضاء العسكري في بلادنا متأخراً بخصوصها، منها على سبيل المثال الحبس المؤقت والسلطة التقديرية لرئيس المحكمة في قبول أو رفض المحامي الذي يختاره المتهمون في القضايا العسكرية".