بدأت السلطات القضائية في الجزائر بملاحقة الرئيس السابق لحزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" سعيد سعدي، بتهمة إهانة رئيسي جمهورية سابقين وشخصية تاريخية في الجزائر، في خطوة رأى بعض المراقبين أنها تنطوي على تصفية حسابات سياسية مع سعدي، وهو من أكبر معارضي حكم الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة.
وتتعلّق القضية بتصريحات أدلى بها سعدي، وهو مرشح سابق للرئاسة، خلال ندوة يوم الأحد الماضي، اعتبرها القضاء تمسّ بشرف واعتبار الرئيس الجزائري الراحل أحمد بن بلة الذي حكم البلاد بعد الاستقلال عام 1962، قبل أن يطيح به رئيس أركان الجيش هواري بومدين.
سعدي اتهم بن بلة بالعمالة لقائد الاستخبارات المصرية فتحي الديب، خلال ثورة الجزائر وبعد الاستقلال، مستنداً على معطيات تاريخية تتعلق بإقامة بن بلة لفترة في مصر، وتوجهاته الناصرية في عهد الاستقلال.
كما طالت تصريحات سعدي، الرئيس الجزائري الراحل علي كافي، الذي حكم البلاد بعد اغتيال الرئيس الجزائري الراحل محمد بوضياف، من يونيو/حزيران 1992، حتى يناير/كانون الثاني 1995. سعدي اتهم كافي بالوقوف وراء مقتل عبان رمضان أحد أبرز قادة الثورة الجزائرية، كما اتهمه بالحقد على سكان منطقة القبائل.
واتهم سعدي كذلك في تصريحاته التي أثارت غضب السلطات الجزائرية، مؤسس حركة التحرير من الاستعمار في الجزائر الراحل مصالي الحاج، بخيانة الثورة.
وإذا كانت السلطات القضائية قد اعتبرت أن مجمل تصريحات سعدي ضد الشخصيات السياسية والتاريخية الثلاث تصنف كجريمة قذف يُعاقب عليها القانون، فإن بعض المراقبين يعتقدون أن تحرك السلطات القضائية ضد المعارض سعيد سعدي تنطوي على تصفية حسابات سياسية معه، وهو من أكبر معارضي بوتفليقة، كما أنها تنطوي على محاولة تشكيل حالة رقابة ذاتية على المعارضين السياسيين والناشطين الإعلاميين ضد أي انتقادات في حق الرئيس الحالي.
وهذه هي المرة الثانية التي يثير فيها سعدي جدلاً في شأن قضايا تاريخية، بعد إصداره كتاباً حول مقتل أحد قادة الثورة العقيد عميروش آيت حمودة، والذي اتهم فيه شخصيات تاريخية بالتورط في مقتله، وحفظ جثته ورفيقه داخل مقر الدرك بعد الاستقلال.
واللافت أن القضايا التاريخية المتعلقة بثورة تحرير الجزائر، ما زالت تثير بعد 50 عاماً من الاستقلال، الكثير من الجدل السياسي والإعلامي، بفعل تباين تحليل الأحداث التاريخية المتعلقة بالثورة، والطعن في مصداقية بعض الروايات الرسمية للأحداث التاريخية.
وسبق لوزير الدفاع الجزائري الأسبق خالد نزار، المسؤول عن انقلاب عام 1992 ضد الإسلاميين، ملاحقة كافي نفسه، بعد نشر الأخير لمذكراته حول ثورة التحرير، والتي تطرق فيها إلى مساره التاريخي، وإلى جوانب حساسة من تاريخ الثورة الجزائرية أبرزها قضية "ضباط فرنسا".
وكشفت المذكرات عن تغلغل عدد ممن يُعرفون في الجزائر بـ"ضباط فرنسا"، وهم الضباط الذين كانوا منخرطين في الجيش الفرنسي والتحقوا في وقت متأخر بالثورة الجزائرية، في مناصب حساسة وتأثيرهم على التوجهات السياسية للجزائر وتحكّمهم في سلطة القرار بعد الاستقلال.
وأثارت تلك المذكرات لغطاً سياسياً واعلامياً كبيراً، ما دفع بنزار إلى رفع دعوى قضائية في محكمة الجزائر، التي أصدرت حكماً بسحب الكتاب من المكتبات، وإعادة طبعه بعد إلغاء الصفحات مثار الجدل.
وقبل سنتين أثير جدل سياسي بعد صدور مذكرات قائد أركان الجيش الجزائري السابق الطاهر الزبيري، والذي كشف فيها حيثيات محاكمة أحد القادة العسكريين للثورة العقيد شعباني، وملابسات انقلاب الرئيس الراحل هواري بومدين على الرئيس الراحل أحمد بن بلة، وهي الاعترافات التي أزعجت عدداً من الشخصيات التاريخية.
كما عرفت الجزائر جدلاً آخر بين قائد منطقة العاصمة خلال ثورة التحرير ياسف سعدي، وعائلة العربي بن مهيدي أحد أبرز قادة الثورة، بعد قول ياسف سعدي إن بن مهيدي لم يطلق رصاصة واحدة خلال الثورة، لكن عائلة بن مهيدي لاحقت سعدي قضائياً.
والواضح أن الانفتاح السياسي والإعلامي في الجزائر، أتاح في العقد الأخير كسر الكثير من المحرمات التاريخية المتعلقة بالثورة، خصوصاً ما يتعلق بالتدخلات المصرية في مسارات الثورة، والخلافات بين القادة والفاعلين في ثورة التحرير، إضافة إلى عدد من الأحداث التاريخية الغامضة.