بمراسم سريعة في مدينة النجف جنوبي العراق، تمّ دفن ثلاثة مقاتلين عراقيين يوم الاثنين الماضي، قضوا بقصف مجهول داخل الأراضي السورية على الشريط المحاذي للعراق، استهدف معسكراً لهم عبارة عن مدرسة ابتدائية مهجورة في قرية تدعى الشرعة تتبع مدينة البوكمال شرقي دير الزور. وأكد أحد أفراد "لواء الطفوف"، وهو فصيل مسلح تأسس عام 2014 ويرتبط بشكل مباشر بـ"فيلق القدس" الإيراني، أنّ "قصفاً صهيونياً جديداً استهدفهم". وأضاف لـ"العربي الجديد"، خلال وجوده في النجف، أنّ القصف بات يتكرر بما لا يقل عن مرتين أو ثلاثة كل شهر، ويتم الإعلان فقط عما يؤدي منه إلى خسائر بشرية، لكنه أوضح أنهم لن يتركوا المنطقة الحدودية لأنّ هذا هو سبب القصف المستمر، وسيواصلون اتخاذ احتياطاتهم.
العراقي ضياء الأزيرجاوي (29 عاماً) كان أحد الذين قضوا في القصف الأخير مطلع الأسبوع الحالي على الحدود السورية العراقية، لينضم إلى قائمة من 60 عنصراً من أفراد مليشيات عراقية قتلوا منذ منتصف عام 2019 ولغاية الآن في ضربات جوية مجهولة على الحدود العراقية السورية، كما أصيب آخرون، بحسب ما تؤكده مصادر مقربة من فصائل عراقية تقاتل في سورية تحدث أحدها عبر الهاتف لـ"العربي الجديد"، من مدينة القائم الحدودية ضمن محافظة الأنبار غربي العراق. وأوضح المصدر أنّ عمليات القصف تتم بواسطة طائرات مسيرة وتستهدف معسكرات وأرتالاً قادمة من العراق أو بالعكس، مؤكداً أنّ "المنطقة بالكامل وعلى امتداد يصل إلى 160 كيلومتراً من جنوب المثلث الحدودي وصولاً إلى منطقة الشعفة التي تقابلها عراقياً القائم وحصيبة تخضع لمراقبة جوية مستمرة من طائرات لا تتعدى أن تكون أميركية أو صهيونية".
60 عنصراً من أفراد مليشيات عراقية قتلوا منذ منتصف عام 2019 في ضربات جوية مجهولة على الحدود العراقية السورية
وبرأيه، فإنّ الهدف من هذه الضربات هو "محاولة إنهاء وجود فصائل المقاومة على الحدود العراقية السورية، ومراقبة ما يتجه من العراق إلى سورية، إذ يعتقدون أنّ ثمة صواريخ وشحنات تأتي بالقوافل الآتية من القائم، لذلك تمّ استهداف أرتال مرات عدة في الفترة الماضية".
والأربعاء الماضي، أعلنت مصادر محلية سورية عن قصف مجهول جديد، خلّف قتلى وجرحى بين أفراد مليشيات عراقية في مناطق سورية حدودية مع العراق وتوجد في منطقة البوكمال، وأطراف بلدة صبيخان وجنوب شرقي الميادين ومنطقة التبني في ريف دير الزور، إضافةً لموقع قرب قرية السويعية جنوبي مدينة البوكمال.
وفي الإجمال، تعتبر البلدات والقرى الحدودية السورية على وجه التحديد مناطق "منزوعة السكان"، كما يطلق عليها قادة عسكريون عراقيون في قوات حرس الحدود، في إشارة إلى أنها خالية من السكان ولا يوجد فيها غير فصائل مسلحة متعددة الجنسيات مع وجود شكلي أو تمثيلي لقوات نظام بشار الأسد.
وتحدّث مسؤول في قيادة العمليات العراقية المشتركة، لـ"العربي الجديد"، حول القصف المتكرر على الشريط الحدود السوري، مبيناً أنه "يحدث على بعد يتراوح بين 5 و15 كيلومتراً من الأراضي العراقية، وتنفذ ضربات ليلاً أو فجراً بين حين وآخر"، مضيفاً أنّ "كل الفصائل المسلحة ليست من الحشد الشعبي، بل هي أجنحة مسلحة تقاتل في سورية منذ سنوات وقد يكون لبعضها أجنحة عراقية في الحشد، لكن التنظيمات الموجودة في سورية تطلق على نفسها المقاومة الإسلامية وتعتبر ضمن الجهد الإيراني في سورية". وبحسب المسؤول نفسه، فإنه "وفق المعلومات التي تصل، فإنّ الضربات الجوية دائماً ما تستهدف أرتالا ومواقع للفصائل عبارة عن منازل فارغة ومدارس ومبان عامة تتخذها مقار لها، والقصف لا يحتاج بحثا وتحليلا، فهو إما أميركي أو صهيوني والأخير هو الأرجح".
يحدث القصف عن بعد يتراوح بين 5 و15 كيلومتراً من الأراضي العراقية
وأقرّ المسؤول بأنّ هناك "ازدحاما في أجواء المنطقة بالطائرات المسيرة والحربية وبشكل متواصل، وبالإضافة إلى الطيران الأميركي ضمن قوات التحالف، هناك بالتأكيد طيران إسرائيلي، وهذه مهمة الجيش السوري (قوات نظام الأسد) في منع مروره كل هذه المسافة داخل الأراضي السورية حتى وصوله للحدود مع العراق". واعتبر أنّ هذه المراقبة "قد يكون هدفها الرئيس إيقاف عمليات نقل الصواريخ والأسلحة إلى سورية، والتي دائماً ما تتم من خلال تسهيل توفّره فصائل بالحشد الشعبي موجودة بالجانب العراقي، وهذا أيضاً يفسّر سبب إصرار هذه الفصائل على البقاء بهذه المنطقة على الرغم من وفرة القوات العراقية".
في السياق، قال السياسي العراقي غيث التميمي، إنّ "عمليات استهداف الفصائل المسلحة على الشريط الحدودي تعود إلى فترة ليست قصيرة، وهدف هذه الضربات منع تهريب وإيصال الأسلحة الإيرانية إلى الفصائل في سورية والتي يمكن بعدها أن تهرّب إلى لبنان".
وأوضح التميمي لـ"العربي الجديد"، أنّ "الحكومة العراقية وحتى الفصائل المسلحة تتكتم على كثير من هذه الضربات لأسباب عدة، منها أنّ تلك الضربات تستهدف مجاميع غير تابعة للدولة العراقية، وأسلحة مهربة من العراق دخلت عن طريق التهريب عبر إيران، ولهذا يتم السكوت عنها". وأضاف أنّ "كل جهة تتضرر من هذا السلاح المهرب من العراق نحو سورية، هي من تقف خلف عمليات القصف، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، وإسرائيل التي تعتبر هذه الضربات عملا استباقيا للدفاع عن مصالحها، خصوصاً أن الضربات الجوية دائماً ما تستهدف المناطق التي تحوي الصواريخ".
الحكومة العراقية وحتى الفصائل المسلحة تتكتم على كثير من هذه الضربات
من جهته، قال كمال الحسناوي، نائب الأمين العام لحركة "الأبدال"، إحدى الفصائل العراقية المسلحة الموجودة في سورية، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أجري معه من بغداد، إنّ "الضربات التي تتعرض لها بعض فصائل المقاومة الإسلامية على الحدود العراقية السورية، تتم من قبل الطيران الأميركي والإسرائيلي، وهذه ليست اتهامات، وإنما معلومات مؤكدة تصل إلينا". واعتبر أنّ "هدف الهجمات والقصف المتكرر إضعاف وجود فصائل المقاومة على الحدود حتى تكون هناك فرصة لعناصر تنظيم داعش للدخول والخروج من الأراضي العراقية بكل سهولة. فنحن بعد كل ضربة جوية نرصد تحرك بعض عناصر داعش يحاولون الدخول إلى العراق أو الخروج منه، مستغلين تلك الضربات". وأضاف أنّ "الفصائل العراقية التي توجد في العمق السوري، لديها تنسيق مع الحكومة السورية، والقطعات العراقية الرسمية على الحدود، وهدف هذا التواجد تحصين الحدود ومنع أي عمليات دخول لعناصر تنظيم داعش، ولهذا تستهدف تلك الفصائل بضربات أميركية إسرائيلية بين حين وآخر".
واعتبر الحسناوي أنّ "الحديث عن وجود عمليات تهريب سلاح إيراني من العراق إلى سورية عبر تلك الفصائل، غير صحيح، وهو مجرد شائعات لإعطاء ذريعة للطيران الأميركي والإسرائيلي، لقصف الفصائل على الحدود العراقية – السورية".