لا يتناول الكتاب والتربويون إلا فوائد ومميزات الحكي والقصص الخيالية. بالفعل لا ينكر أحد مميزات القصص في تنمية خيال الطفل ومساعدته على البدء في التعبير عن نفسه ومساعدته على زيادة الثقة بنفسه. القصص وبصفة خاصة تلك التي تحكيها الأم قبل النوم، تعمل على توطيد الرابطة العاطفية بين الأم وطفلها، وتساعد على تنمية مفرداته اللغوية وتساعد على البناء القيمي لشخصية الطفل.
ويندر أن نجد من يتكلم أو يتناول بالتحليل أضرار "القصص وبصفة خاصة الخيالية على الطفل وعلى تصوراته للحياة"، وتعتبر سينسوكي مسيماج، الأفريقية الأصل والناشطة في مجال العدالة الاجتماعية من خلال التعليم، نموذجاً نادراً لمن يتناولون الموضوع من هذه الزاوية.
تقول سينسوكي في إحدى محاضرات تيد أكس التي تم تنظيمها في نهاية 2016، إن القصص لها تأثيرات كبيرة على حياتنا وعلى بناء تصوراتنا المعرفية للحياة والعلاقات الإنسانية، القصص يمكن أن تكون مادة هامة وبناءة للغاية لو تم استخدامها بصورة صحيحة لبناء قيم العدالة الاجتماعية والمساواة - الاحترام بين البشر وتقبل الآخر، إلا أن هناك ثلاثة جوانب لا بد من الانتباه إليها لأنها تؤثر بصورة سلبية على تنمية شخصية الأبناء:
أولاً: القصص في كثير من الأحيان وبصفة خاصة الخيالية منها تبني صورة مغايرة للواقع حيث ينتصر الخير دوماً وينهزم الشرير في النهاية، حيث يتوحد البشر من أجل المصلحة العامة وحيث يساعد الأخ أخاه وقت الشدة، كلها أمور بعيدة عن واقع الحياة، وستكون هناك مشكلة إذا لم ننبّه الابن أو الابنه إلى أن هذه الصور فيها نوع من المبالغة وأن عليه ألا يتوقع أن هذا سوف يكون الوضع أثناء مسيرة حياته.
ثانياً: القصص تجعلنا - دون أن ندري - نحب بعض الشخصيات وبصفة خاصة الأبطال الرئيسيين في القصة ونكره آخرين، القصص تبني تصوراتنا للبشر ولا تتيح فرصة للتعمق أكثر في فكرة أن البشر مختلفين من حيث الخلفيات ومن حيث الخبرات ومن حيث مستوياتهم العلمية والاجتماعية والاقتصادية، فهناك نوع من أنواع التبسيط لفكرة البشر والقصص الخيالية لا تتناول التعقيد الموجود، وبالتالي لا بد أن ينتبه المربي إلى ضرورة التأكيد على احترام الآخر بغض النظر عن الخبرات أو الخلفيات وبغض النظر عن الجنس واللون والمستوى الاجتماعي.
ثالثاً: القصص الخيالية في حد ذاتها تنطوي على إشكالية كبيرة ألا وهي الارتباط والركون إلى الكلام المسرود بدلاً من الحقائق والبيانات الموثقة. يشب الطفل على سماع القصص في صغره ثم يكبر ويسمع القصص والحكايات عما يحدث هنا وهناك في الإعلام، ثم يركن لوسائل التواصل الاجتماعي التي تنضح بآلاف القصص الحقيقية وسط غثاء من القصص غير الدقيقة والمفبركة والمؤلفة، حيث يكون الشباب قد افتقدوا فرصة بناء القدرة على التقييم السليم لما يسمعون ويقرأون.
وبالتالي عندما نحكي القصة ولا سيما الخيالية، علينا مراعاة الآتي:
• التأكيد على أن القصص لها عالمها الخيالي وأنها ليست بحال من الأحوال انعكاس للواقع.
• علينا التأكيد على فكرة أن البشر والعلاقات الإنسانية أمور معقدة وأن ما في القصة هي صورة مبسطة وليست واقعية لتلك الشخوص، فالبطل المغوار صاحب الشهامة قد يكون بخيلاً وغير وفي، والملكة الشريرة قد لا تكون هذه الصفة مصاحبة لها في كل مراحل حياتها، لعلها حين تكبر في السن تتخلى عن تصرفاتها واستخدامها للسحر.
• على الوالدين والمربين التأكيد بصورة مستمرة وبصورة مبتكرة (ليس بالكلام ولكن بالأفعال) على أن الحقائق والبيانات الموثقة هي الفيصل في فهم أمور كثيرة، ولا بد من البحث ومعرفة الحقائق (بصفة خاصة العلمية)، قبل إطلاق الأحكام.