القصة الكاملة لمذبحة كاليفورنيا: الإلهام "الداعشي" لـ"الذئاب المنفردة"

06 ديسمبر 2015
قلق في أوساط مسلمي أميركا (ألبين لور جونز/getty)
+ الخط -
منذ الوهلة الأولى لوقوع مذبحة كاليفورنيا، يوم الأربعاء الماضي، دقت واشنطن ناقوس الخطر؛ لقد باتت في مواجهة مباشرة مع "الذئاب المنفردة". ورغم حرص البيت الأبيض ومكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (أف بي آي)، على عدم الحسم لجهة ضلوع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بشكل مباشر في المذبحة، عبر التخطيط أو التمويل، غير أنّه أكّد في أكثر من تسريب أمني على أنّ شبح "داعش" لعب دور "الملهم" بالنسبة للمهاجمَيْن.

وبالنسبة لـ"داعش" نفسه، صحيح أنّه لم يتبنَّ الهجوم، لكن مواقع مقرّبة منه ذكرت أنّ الهجوم نُفّذ من قبل مناصرَيْن للتنظيم، فيما كشف تسريب صوتي نُسب للتنظيم، نقلته "رويترز"، أنّ اثنين من "أتباعه" نفّذا الهجوم.

اقرأ أيضاً: "إف بي آي": مذبحة كاليفورنيا عمل إرهابي

"السيّد المُلهم"

وفي كلا الحالتين، يتّفق المسؤولون الأميركيون و"داعش" على أنّ الأخير أدّى، على الأقل، دور "الملهم". وتكمن خطورة هذا الدور في أنّه لا يتطلب أي تواصل يمكن لأجهزة الاستخبارات التقاطه بين قيادات "داعش" ومنفذي العمليات الإرهابية، بل إنّ العناصر المنفذة قد لا تعلن عن تطرفها مطلقاً، ولا تترك أي أثر لتعاطفها الإيديولوجي مع التنظيم الإرهابي إلا عند ارتكابها لهجمة ما. 

وقدّم هجوم سان برناردينو في كاليفورنيا دليلاً إضافياً بأنّ "الذئاب المنفردة" التي تخشاها الولايات المتحدة لم تعد تتمثل في الخاضعين للرقابة الدائمة أو أولئك المدرجة أسماؤهم في القوائم المختلفة، بل أصبحت تكمن في من هم خارج تلك القوائم، ولا تعرف السلطات عنهم شيئاً إلا لحظة ارتكابهم للهجوم، كما هو حال منفذ هجوم كاليفورنيا، سعيد رضوان فاروق. 

رؤيتان أميركيتان

ومنذ الوهلة الأولى لوقوع الهجوم، احتدم الجدل بين الأميركيين حول توصيف ما أقدم عليه موظف حكومي في مقاطعة سان برناردينو بالتعاون مع زوجته، تشفين مالك، بإطلاق النار على زملائه في العمل مجتمعين في قاعة احتفالات بمركز للخدمات الاجتماعية فقتل 14 منهم. وانقسم السياسيون وقادة الرأي والمعلقون في وسائل الإعلام الأميركية بين فريقين؛ أولهما الفريق الذي يقوده البيت الأبيض ويحاول عبثاً التخفيف من خطورة الواقعة، ناظراً إلى ما جرى على أنه يأتي في سياق حوادث إطلاق النار التي تشهدها مدن الولايات المتحدة بمعدل حادث واحد يومياً يودي بحياة أربعة أشخاص على الأقل، وفريق ثانٍ تقوده محطة "فوكس نيوز" المعروفة بانحيازها للحزب الجمهوري المعارض حالياً لسياسات البيت الأبيض، ويحاول هذا الفريق تضخيم الواقعة بإعطائها وزناً مماثلاً لهجمات باريس التي راح ضحيتها 130 شخصاً، وأعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عنها. وقد وجد أنصار هذا الفريق الإعلان المتأخر المنسوب لتنظيم "داعش" والذي يعتبر منفذي الهجوم من أتباعه، بأنّه يدعم رؤيتهم للهجوم. وردّاً على ذلك، رأى القيادي الجمهوري ورئيس مجلس النواب الأسبق نيوت غينغريتش، ما جرى عملاً من أعمال الحرب.

في الساعات الأولى اللاحقة للهجوم، ظلت كفّة الفريق الأول هي الراجحة، إلى أن ظهر تطور جديد على هيئة تسريب من شرطة مقاطعة سان برناردينو، ردّدته شبكات الأخبار الأميركية ويقول إن العقل المدبّر للجريمة يحمل اسماً عربياً هو فاروق سعيد، وأن هناك شريكين آخرين له. اتضح لاحقاً أن الشريك في إطلاق النار لم يكن سوى زوجة فاروق الباكستانية تشفين مالك، ولكن لأنها ترتدي البرقع، ظن شهود العيان أنها رجل ضمن فريق من المهاجمين المقنّعين. ومن سوء حظ شخص ثالث أنه حاول الفرار من إطلاق النار لحظة وصول رجال الشرطة فتم إلقاء القبض عليه ظناً من عناصر الشرطة أنه أحد أفراد الهجوم، لكن سرعان ما تبيّن لهم أنه كان موجوداً في المكان الخطأ والوقت الخطأ، فأحجمت الشرطة حتى عن إعلان هويته.


المذبحة من الألف إلى الياء

وروت مصادر إعلامية أميركية نقلاً عن موظفين في المركز المستهدف أن إطلاق النار وسقوط القتلى بدأ في الحادية عشرة من صباح الأربعاء، مشيرين إلى أن ملاسنة جرت قبل أقل من ساعة من إطلاق النار بين القاتل وأحد الضحايا، سخر فيها الأخير من لحية فاروق ومن ديانته. وبحسب الرواية، التي لم تؤكدها المصادر الحكومية ولم تنفِ صحتها، فإن الجاني خرج من قاعة الاجتماعات غاضباً، وقيل إنّه توجّه إلى منزله لإحضار السلاح وشريكة السلاح. وقالت المصادر نفسها إن الزوجين تركا طفلتهما الرضيعة لدى جدتها التي تعيش معهما بحجة أن لديهما موعداً مع الطبيب، لكن الزوج عاد مع زوجته مدججين ببنادق سريعة الطلقات وارتكبا المذبحة بإطلاق النار عشوائياً لفترة استمرت خمس دقائق على الأقل.

وعلى ما يبدو، فإنّ المهاجمين وحدهما من كان يحمل السلاح في ذاك المكان وتلك اللحظة، إذ لم يقتلا خلال إطلاق النار الأول، بل تمكّنا من التوجه إلى مرأب السيارات والانطلاق بسيارتهما السوداء رباعية الدفع مغادرين مكان الجريمة، في حين بدأت الشرطة حملة بحث ومطاردة عنهما.
وقبل المطاردة، استجوبت الشرطة بعض الناجين من المذبحة، فأورد بعضهم اسم زميلهم الغاضب فاروق سعيد، عندها بدأت حملة البحث عنه بدءاً من مكان إقامته. وعندما وصلت الشرطة إلى المنزل، وجدت صاحبَيْه خارجين بالسيارة الداكنة ذات الأوصاف نفسها التي تبحث عنها الشرطة، وكانت الزوجة برفقة زوجها في السيارة، ولكن لم يعرف إن كانت هي التي تقود السيارة أم أنها من تولّى إطلاق النار على الشرطة. الشيء المعلن من رواية الشرطة، أنّ عدداً كبيراً من عناصر الأمن دخل في مطاردة مع الزوجين، حصل خلالها تبادل لإطلاق النار، إلى أن أردتهما الشرطة قتيلين في أحد الأحياء السكنية التي توقفت عندها السيارة المطاردة. وبيّنت الصور التي التقطت لاحقاً للسيارة أنّ هيكلها الحديدي وزجاج نوافذها قد تهشّما من زخات الرصاص.

وبعد تفتيش الجثتين قرب السيارة، عثرت الشرطة على ما يؤكد هوية الزوج واسمه الثلاثي، وسرعان ما وجدت بعض وسائل الإعلام الأميركية ضالتها في اسمه العربي للتعامل مع ما جرى على أنه إرهابي، وابتكرت محطة "فوكس نيوز" تحديداً تعريفاً جديداً للإرهاب كأنه يقتصر على أعمال العنف التي يقوم بها عرب أو مسلمون، ولا يشمل مطلقي النار المعارضين للإجهاض بدوافع دينية أو غير ذلك من هجمات لتحقيق أغراض سياسية.

في هذه الأثناء، تزايدت التكهنات في مختلف الأوساط بأنّ الهجوم عمل إرهابي من تخطيط وتنفيذ تنظيم "داعش". لكن مكتب التحقيقات الفيدرالي والبيت الأبيض كانت لديهما مبررات سياسية على ما يبدو لاستبعاد ضلوع التنظيم في الأمر، مستندين إلى عدم وجود دليل على تنسيق بين منفذي الهجوم وقيادات التنظيم. 

قلق على مسلمي أميركا

في هذه الأثناء، بدأت قيادات بعض المنظمات الإسلامية الأميركية تتوافد إلى واشنطن للتشاور حول سبل مواجهة أي مخاطر قد تستهدفهم، فضلاً عن الإعراب عن رفضهم لما قام به الزوجان المسلمان والتبرؤ من أي عناصر إرهابية قد تقدم على أعمال مماثلة في المستقبل. وفي هذا الإطار، علمت "العربي الجديد" أن بعض القيادات أجرت اتصالات بالبيت الأبيض للإعراب عن القلق الذي يعتري المسلمين الأميركيين جراء الحادث الذي يطالهم قبل غيرهم، بحسب تقديرهم، ووجدوا تعاطفاً واضحاً من كبار المسؤولين فيه.

وفي الوقت الذي أقر فيه مكتب "إف بي آي" أن مذبحة كاليفورنيا عمل إرهابي مع استمراره بالتشكيك في مسؤولية "داعش" عن المذبحة، فإن البيت الأبيض لا يزال يلتزم الحذر في استخدام المصطلحات ويواجه اتهامات من المرشحين الجمهوريين للرئاسة بأنه عاجز عن حماية أميركا ولا يجرؤ على وصف الإرهاب بالإسلامي. غير أن المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست، ردّ بصورة غير مباشرة على الاتهامات الموجهة للبيت الأبيض بالتقاعس قائلاً إن الخطاب المناهض للمسلمين "يتعارض مع القيم الأميركية"، وإن الرئيس باراك أوباما منزعج من هذا الخطاب. ويخشى الأخير من أن تستفيد التنظيمات المتطرفة من تصاعد موجة العداء للمسلمين في الغرب بعد هجمات باريس ومذبحة كاليفورنيا، بحسب ما أوضح المتحدث.  

في المقابل، وجد الجمهوريون في هجوم كاليفورنيا فرصة لتصعيد معارضتهم ضدّ قبول لاجئين سوريين، وعمدوا إلى التركيز على المبايعة المفترضة التي يقولون إن الزوجة الباكستانية المشاركة في تنفيذ مذبحة كاليفورنيا قدمتها لزعيم تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي. لكن المصادر الأمنية الأميركية البعيدة عن التنافس الحزبي تعوّل أكثر على المعلومات التي تأمل أن تتوصل إليها السلطات الباكستانية والسعودية، كل من جهتها، عن شريكة منفّذ عملية كاليفورنيا. ويصرّ المسؤولون الأمنيون الأميركيون على أنّ منفذي الهجوم، وإن كانا قد استلهما الفكرة من إيديولوجية "داعش"، لكن لا يوجد دليل على أن تنفيذ الهجوم تم بتكليف مباشر من التنظيم. 

زواج الإنترنت 

بموازاة ذلك، كشف محاميان يمثلان أسرة مرتكب مذبحة كاليفورنيا، لـ"العربي الجديد"، أن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي يستجوب أسرة فاروق، بمن فيهم والدته، التي تعيش في منزله، إضافة إلى شقيق وشقيقتين له. وأكّدت إفادات أفراد الأسرة، أنّ فاروق تعرّف على زوجته عبر الإنترنت عن طريق موقع إسلامي للزواج، وأنّها كانت تعيش مع أسرتها في المملكة العربية السعودية التي سافر إليها فاروق العام الماضي لأداء فريضة الحج، واستقدام رفيقته عن طريق تأشيرة خطوبة، على أن يتم زواجهما خلال 90 يوماً من وصول الخطيبة إلى الأراضي الأميركية.

وأفاد المحاميان ديفيد تشيلسي ومحمد أبو رشيد، نقلاً عن أفراد الأسرة، بأنّ زوجة شقيقهم المتهمة بالإرهاب كانت ترتدي البرقع، ولا تظهر على الرجال مطلقاً، بمن فيهم شقيق الزوج. وأشار المحاميان إلى أن بعض المحققين الذين يستجوبون أفراد الأسرة ذات الأصول الباكستانية ملتحون ولهم سحنات شرق أوسطية "كأنهم عائدين لتوّهم من باكستان أو السعودية". وذكر المحامي دايفيد بأن المحققين يبدو عليهم الإلمام الكامل بالعادات والتقاليد الباكستانية والعربية، إذ يتضح ذلك من خلال الأسئلة التي أمطروا بها والدة القاتل.

ويعتقد بعض المحللين الأميركيين أن المرأة تنتمي إلى تنظيم إرهابي بالفعل، وأنها هي التي استدرجت زوجها إلى التطرف واستغلت جنسيته الأميركية لتحقيق أهداف خاصة بها، لكن لم يعثر المحققون حتى الآن على أي أدلة تصب في هذا الاتجاه. 

وتتحدث الشرطة المحلية عن العثور في منزل القتيلين على كمية كبيرة من الأسلحة والأنابيب القابلة للتفجير ومخازن عديدة للذخيرة تفيض عن الحاجة لتنفيذ هجوم واحد فقط، وهو ما أثار الشكوك من أنهما كانا يعتزمان تنفيذ مذبحة أخرى أفشلها مقتلهما بعد تنفيذ المذبحة الأولى.

وذكر بعض زملاء فاروق في العمل ممّن نجوا من المذبحة أنّ فاروق تغيّر منذ أن عاد من أداء فريضة الحج. وزاد أحدهم على ذلك بالقول لمحطة "سي بي إس" الأميركية إنه يعتقد بأن فاروق "تزوج من إرهابية". وفي الوقت الذي لا تزال فيه المعلومات شحيحة عن "القتيلة الإرهابية"، فإن الزوج القتيل معروف عنه أنه مواطن أميركي من أصل باكستاني، من مواليد مدينة شيكاغو في ولاية إيلينوي، وكان يعمل مفتشاً صحياً على المطاعم والفنادق في المقاطعة التي نفذ الهجوم فيها. ونقلت وسائل الإعلام الأميركية عن مصادر أمنية قولها إن الزوجين قبل ارتكاب المذبحة، يوم الأربعاء، حطما أقراصاً صلبة لأجهزة كمبيوتر وأجهزة هواتف خليوية لمحو أي أثر قد يدل على من كانت تربطه بهما أي صلة من أي نوع.

اقرأ أيضاً: الشرطة الأميركية: باكستاني وزوجته نفذا عملية كاليفورنيا​