دفع توسع الحكومة المصرية في الاقتراض الخارجي احتياطي البلاد من النقد الأجنبي نحو مواصلة ارتفاعه ليكسر حاجز ال 37 مليار دولار، وهو ما يفوق الأرقام التي حققها قبل الثورة المصرية في 25 يناير 2011.
وصعدت احتياطات النقد الأجنبي لمصر بقيمة 11 مليار دولار في 2017، صعودا من 26 مليار دولار بنهاية العام 2016.
وقال البنك المركزي المصري، بداية الشهر، إن احتياطي البلاد من النقد الأجنبي ارتفع إلى 37.020 مليار دولار في نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي مقابل 36.723 مليار في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، مسجلاً ارتفاعاً طفيفاً عن نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني بلغ نحو 296 مليون جنيه.
ويعد هذا هو أعلى مستوى لاحتياطيات البلاد من العملة الصعبة منذ بدء تسجيل بيانات الاحتياطي في مطلع التسعينيات من القرن الماضي.
وتزيد احتياطات مصر الأجنبية، منذ أن اتفقت البلاد على قرض بقيمة 12 مليار دولار لمدة ثلاث سنوات من صندوق النقد الدولي في نهاية 2016 في مسعى لجذب المستثمرين الأجانب من جديد وإنعاش الاقتصاد المتأزم.
وارتفع الاحتياطي النقدي الأجنبي لمصر إلى 37.02 مليار دولار بنهاية 2017، رغم اعلان البنك المركزي عن سداد ديون والتزامات خارجية قدرها البنك بنحو 30 مليار دولار، وهو ما أثار استغراب كثير من المحللين، خاصة وأن الحكومات تلجأ للاحتياطيات الدولية لسداد الديون الخارجية المستحقة على الدولة.
قروض وسندات
وقالت مصادر لـ" العربي الجديد"، إن مستويات الصعود الأخيرة في الاحتياطي المصري من النقد الأجنبي جاءت نتيجة للتوسع في الاقتراض الخارجي من مؤسسات مالية دولية على رأسها صندوقا النقد والبنك الدوليان والبنك الأفريقي للتنمية والبنك المركزي الصيني "بنك الشعب"، حيث حصلت مصر، حتى الآن، على 6 مليارات دولار من صندوق النقد من أصل 12 مليار تم الاتفاق عليها في أكتوبر 2016، ومن المنتظر أن تحصل البلاد على الشريحة الرابعة وقيمتها مليارا دولار في يونيو/ حزيران أو يوليو /تموز 2018.
وجاءت زيادة الاحتياطي النقدي أيضاً نتيجة زيادة استثمارات الأجانب فى أدوات الدين كأذون الخزانة والسندات أو ما يطلق عليها الأموال الساخنة والتي وصل حجمها إلى ما يقرب 19 مليار دولار منذ تحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016 وحتى نوفمبر 2017.
وقال المحلل الاقتصادي أحمد يوسف، إن "ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي تم عبر القروض والسندات الدولية، وهو أمر لا يدعو للاطمئنان، فمكون الاحتياطي المصري ودائع مساندة وسندات وقروض، لا عبر تدفقات نقدية حقيقية".
وأضاف يوسف، أن "ثمة تحديات ضخمة تواجه الاحتياطي المصري في 2018، فالدولة مطالبة بسداد مديونيات تتخطى 12 مليار دولار خلال العام الجاري". كما أعلن البنك المركزي قبل أيام.
وأعلن وزير المالية المصري، عمرو الجارحي، نهاية ديسمبر الماضي، إن بلاده ستختار ما بين أربعة وخمسة بنوك دولية لإدارة أحدث طرح من السندات الدولية المتوقع إصدارها في نهاية يناير/كانون الثاني المقبل، بقيمة تتراوح بين ثلاثة وأربعة مليارات دولار.
وتتمثل أهم أهداف الاحتفاظ بالاحتياطي الأجنبي، في دعم وحفظ الثقة في السياسة النقدية وسعر الصرف، وتقوية الوضع الخارجي من خلال الحفاظ على سيولة العملة الأجنبية، ودعم ثقة الأسواق في إمكانية الدولة بأن تفي بالتزاماتها الخارجية.
التزامات خارجية
من جانبه قال المحلل الاقتصادي أحمد سرور، إن مصر سعت عبر عدة محاور خلال العام الماضي "للاقتراض الخارجي لسداد المديونيات القديمة، نتيجة عدم توافر الموارد المالية اللازمة لسدد تلك الديون عبر القطاعات الاقتصادية".
كان محافظ البنك المركزي المصري، طارق عامر، أكد في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، موافقة السعودية والإمارات على تأجيل تحصيل ودائعهما بقيمة 4 مليارات دولار، وملياري دولار على التوالي، المقررة في 2018.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني من العام ذاته، أعلن البنك المركزي المصري، أنه أبرم اتفاقية بيع سندات مع الالتزام بإعادة شرائها بقيمة 3.1 مليارات دولار، مع بنوك دولية لمدة عام.
وأضاف سرور ، أن "هناك تحسن بالفعل في موارد الدولة من العملات الصعبة مثل تحويلات العاملين المصريين بالخارج، والسياحة ولكن هذه الزيادة ليس بمقدورها وحدها الوفاء بالتزامات مصر الخارجية".
وارتفعت تحويلات المصريين في الخارج إلى 14.5 مليار دولار خلال الفترة بين نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 – يوليو/ تموز 2017، مقابل نحو 12.6 مليار دولار في الفترة المقابلة من العام السابق عليه.
ولفت سرور إلى أن إصدار مصر سندات دولية بقيمة 7 مليارات دولار، ساهم في زيادة الاحتياطي الأجنبي رغم الالتزامات الخارجية في 2017.
وحذر سرور من تداعيات "زيادة حجم الاحتياطي الأجنبي من خلال القروض وسندات دولية جديدة، لا سيما وانه يدخل البلاد في دوامة اقتراض جديد لسد عجز أو تسديد دين قديم ما يؤدي إلى تراكم الديون الخارجية.
سداد ديون
الباحثة الاقتصادية منى حجازي، قالت: إن الواقع كان يفرض تراجع الاحتياطي الأجنبي بمصر في ظل الإعلان عن سداد 30 مليار دولار خلال 2017، ولكن حدث العكس.
وأضافت حجازي، أن "البنك المركزي المصري فاوض بعض الدائنين لتأجيل سداد بعض أقساط الديون ومد أجل استحقاق البعض الآخر".
وذهبت منى حجازي في الوقت نفسه، إلى أن بعض "إجراءات الإصلاح الاقتصادي ساهمت في زيادة الاحتياطي النقدي، مع تقلص للنفقات العامة باتباع سياسات تقشفية، إضافة إلى تنامي ثقة المستثمرين في الاقتصاد المصري".
وقال نعمان خالد محلل الاقتصاد الكلي في شركة سي.آي كابيتال لوكالة رويترز ”لم نستخدم الاحتياطي لسداد الديون في أي مرحلة، ولذا نجده دائماً في ارتفاع... كلما اقتربنا من توقيت سداد سندات أو ديون نمدد أجل معظمها مرة أخرى“.
وسددت مصر 1.2 مليار دولار للبنك الأفريقي للاستيراد والتصدير في ديسمبر/ كانون الأول، كما سددت نحو 800 مليون دولار لدول نادي باريس بداية شهر يناير الجاري.
الدين الخارجي
ومؤخرا، قدرت وكالة فيتش، ارتفاع الدين الخارجي لمصر إلى نحو 100 مليار دولار بما يعادل 44 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية 2017، مقابل 23 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية 2016.، كما توقع صندوق النقد الدولي ارتفاع الدين الخارجي لمصر إلى 104 مليار دولار في العام 2020.
وأعلن محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أن حجم التدفقات من النقد الأجنبي خلال عام من تحرير سعر الصرف الذي جرى في نفس الشهر من 2016، بلغ 80 مليار دولار.
(العربي الجديد، الأناضول)