بالتزامن مع إعلان نبأ وفاة الدكتور محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب في مصر أثناء محاكمته، "علمت أسرة المرشح الرئاسي الأسبق الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح أثناء زيارتهم له مساء الاثنين الماضي، بتعرّضه لذبحة صدرية مساء الأحد في محبسه المعتقل فيه منذ فبراير/شباط من عام 2018"، بحسب ما أعلنه نجله أحمد على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" في 18 يونيو/حزيران الجاري.
وبالرغم من خطورة الوضع الصحي لأبو الفتوح إلا أن الأسرة فضّلت تأجيل إعلان تلك التفاصيل؛ تقديرا لحالة الحزن التي أصابت أسرة ومحبي الرئيس الراحل محمد مرسي، بحسب ما أوضحه أحد أفراد العائلة لـ"العربي الجديد".
وكان من المفترض، عرض أبو الفتوح الذي يرأس حزب مصر القوية، على المحكمة، للنظر في تجديد حبسه يوم الثلاثاء الماضي، في القضية المتهم فيها بالاتصال بكيانات معادية للدولة ونشر أخبار كاذبة، لكن قوات الأمن رفضت نقله إلى مقر انعقاد الجلسة لـ"دواع أمنية"، وخرج قرار المحكمة بتجديد حبسه 45 يوما على ذمة القضية، بحسب محاميه.
وساءت حالة أبو الفتوح الصحية بصورة كبيرة بسبب ظروف اعتقاله، وفق ما أكده عضو في هيئة الدفاع عن أبو الفتوح (فضل عدم الكشف عن هويته لداع أمني)، مضيفا أن أبو الفتوح: "محتجز في عزلة وليس مجرد حبس انفرادي، إذ تم حبسه في زنزانة داخل عنبر لا يوجد فيهما أحد، وكلاهما مغلقان عليه طوال اليوم، وغير مسموح له بالتريّض في ساحة السجن، بل في ردهة العنبر المغلق دون أن يرى الشمس أو تلامس جسده، كما أنه ممنوع من التواصل مع أي شخص".
ويضيف محامي أبو الفتوح، أنه قبيل اعتقاله مباشرة كان يقوم بفحوصات طبية، وبيّنت احتياجه إلى جراحة هامة، وتم تقديم تقارير وطلبات للجهات القضائية بذلك لكنها رُفضت كلها، ونظرا لظروف احتجازه السيئة فقد ارتفع عدد الأدوية التي يأخذها إلى ما يزيد عن 14 دواء، بعدما كانت 4 أدوية فقط قبل اعتقاله، وحتى أن أبو الفتوح طلب من القاضي في الجلسة الماضية أن يقوم بعمل الفحوصات اللازمة على نفقته الخاصة في أي مستشفى، وتم رفض الطلب.
ويعاني أبو الفتوح من تعذيب نفسي عبر عزله من جهة، ومنعه من اللقاء المباشر بأسرته من جهة أخرى؛ إذ تتم الزيارة منذ ثلاثة أشهر عبر الحاجز الزجاجي، ولا يسمعهم إلا عبر الهاتف وفي حضور أفراد من وزارة الداخلية، فضلا عن منعه من جميع حقوقه كسجين، إذ أنه ممنوع من القراءة والاطلاع، وصلاة الجمعة والجماعات، ومُنع من إدخال جهاز التدفئة وغطاء ثقيل له خلال فصل الشتاء، كما أنه يُمنع أحيانا من التريض لعدة أيام، بالإضافة إلى منعه الدائم من التريض يوم الجمعة، ومنع إدخال العديد من أدوات النظافة الشخصية، والمأكولات التي تأتي بها أسرته خلال الزيارة، وتم تقديم العديد من الطلبات لتغيير هذا الوضع لأكثر من جهة، ولا يوجد أي تغيّر في الوضع، بحسب محاميه.
ويصف المحامي المعاملة التي يتعرض لها أبو الفتوح بـ"غير الآدمية"، قائلا: "أثناء نقله خلال شهر رمضان من سجن الاستقبال إلى سجن شديد الحراسة "العقرب" للزيارة، كان الأمر يتم عبر سيارة ترحيلات وهي عبارة عن كتلة حديد، قد يظل داخلها لمدة تصل إلى ثلاث ساعات رغم أن المسافة بين السجنين بسيطة إذ يقعان داخل مجمع سجون طرة، حتى أصيب عدة مرات باختناق بسبب الحرارة الشديدة، ولا يتم إعطاؤه الماء في تلك الحالة، وربما يصل انتظار أسرته للدخول إلى الزيارة لعدة ساعات، ويستمر اللقاء لدقائق معدودة".
واعتقلت قوات الأمن المصري الدكتور أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية منتصف فبراير 2018، وتم إدراجه مع نجله وآخرين على قوائم الإرهاب في 22 من الشهر نفسه، وأصدر النائب العام المصري قرارا بالتحفظ على أمواله في 25 فبراير، واعتُقل أبو الفتوح على خلفية تصريحات إعلامية هاجم فيها استبداد النظام السياسي المصري، والأجواء المصاحبة للانتخابات الرئاسية التي عُقدت أواخر آذار/ مارس 2018، وسبق اعتقاله بأيام اعتقال نائبه بالحزب محمد القصاص.
كيف تعالج سجينا حتى الموت؟
تعد معاناة الدكتور أبو الفتوح نموذجا من بين 819 حالة إهمال طبي موثقة منذ 2016 وحتى نهاية 2018، بحسب تقرير، "كيف تعالج سجينا حتى الموت" الصادر عن مركز عدالة للحقوق والحريات (مركز قانوني وحقوقي مصري غير حكومي) مطلع العام الجاري، وفقا للباحثة دينا كامل معدّة التقرير، والتي ترى أن إحدى الإشكاليات التي تواجه العملية الصحية في السجون المصرية، تتمثل في ازدواجية الولاء الذي يتنازع الطبيب بين عمله كطبيب، وبين تبعيته لقطاع مصلحة السجون وللتراتبية داخل هيكلها، مما يؤثر على أداء دورهم بالفاعلية المطلوبة، ويشكك في حيادهم، إذ لا بد من تحقيق توازن بين العمل ضمن القيود الأمنية، وتلبية احتياجات المحتجزين.
وأدى الإهمال الطبي في السجون المصرية إلى وفاة 79 حالة مرضية نتيجة الإهمال داخل السجون منذ مطلع 2016 حتى شهر حزيران/ يونيو الجاري، دون باقي مقار الاحتجاز وفق ما رصدته الباحثة كامل، والتي أوضحت في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد" أن أهم أنماط الإهمال المؤدية إلى الوفاة، تتمثل في بطء الاستجابة إلى الحالات الحرجة داخل السجون، وعدم تقديم علاج والاعتماد على المسكنات، وتعتبر أن حل هذه الإشكالية يرتبط بنقل تبعية السجون من وزارة الداخلية إلى وزارة العدل، ونقل تبعية إدارة الخدمات الطبية في السجون إلى وزارة الصحة بدلا من وزارة الداخلية.
وتقسّم الباحثة بمركز عدالة للحقوق والحريات دينا كامل، الرعاية الصحية في السجون المصرية إلى محورين، الأول معني بالرعاية الوقائية المتمثلة في توفر بيئة آدمية ومناسبة للسجناء، والتي تتضمن عددا من الاشتراطات الصحية، كتوفر غذاء صحي وتهوية جيدة، وعلى الرغم من أهميتها في كونها مؤثرة على صحة الفرد البدنية والنفسية، ويساهم غيابها في تدهور صحة السجناء وانتشار المرض، فإنها تكاد تغيب عن التشريعات المحلية، سواء قانون تنظيم السجون أو لائحته الداخلية.
أما الجانب الثاني فهو الرعاية العلاجية التي تتلخص في كيفية التعامل مع السجناء المرضى من خلال ما توفره السجون من رعاية طبية، التي تظهر في مستشفياتها ومدى جاهزيتها بالآلات والمعدات اللازمة، فضلا عن وجود أطباء أكفاء، وعلى الرغم من أهمية وجود مستشفيات، فإن عددا ليس بالقليل من السجون في مصر التي توجد بها مستشفيات، وإن وجدت فهي في الغالب غير مجهزة بشكل كاف للتعامل مع الحالات الحرجة أو إجراء العمليات الجراحية، وبالتالي يتطلب ذلك إجراء عمليات جراحية ونقلا لمستشفيات في الخارج، وهو ما يتم من خلال إجراءات معقدة، وفي وقت طويل قد لا تتحمل حالة المريض انتظاره.
تغييب القوانين المحلية والالتزامات الدولية
نص الدستور المصري في مادته الخامسة والخمسين على أن: "كل من يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيا أو معنويا، ولا يكون حجزه أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك، لائقة إنسانيا وصحيا، وتلتزم الدولة بتوفير وسائل الإتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة، ومخالفة شيء من ذلك جريمة يعاقب مرتكبها وفقًا للقانون"، وهو ما يتم تجاهله وفق ما تكشف عنه وفاة الرئيس الأسبق محمد مرسي أثناء محاكمته، وغيره من الحالات المرضية الموثقة وفق مصادر التحقيق.
وتثار تساؤلات عن وجود ما يُلزم الدول بتوفير الرعاية الطبية لسجنائها حال عدم توفيرها، وبحسب مسؤولة المناصرة في منظمة "cfjustice كوميتي فور جستس المستقلة للدفاع عن حقوق الإنسان، ومقرها جنيف"، شيماء أبو الخير، فإنه لا يوجد في القانون الدولي ما يلزم مصر بتقديم رعاية صحية معينة، وتابعت: "فقط هناك قواعد دولية ليست ملزمة لأي دولة، ولكنها توصيات ينبغي على الدول احترامها، مثل قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء المعروفة بقواعد نيلسون مانديلا، والتي تنص القاعدة 24 منها على أن توفير الرعاية الصحية للسجناء هو مسؤولية الدولة، وأنه يجب أن يتمتع السجناء بنفس معايير الرعاية الصحية المتوفرة في المجتمع، ويجب أن يحصلوا على خدمات الرعاية الصحية الضرورية مجانا دون تمييز على أساس وضعهم القانوني. كما تنص المادة 27 على أن جميع السجون تضمن الوصول الفوري إلى الرعاية الطبية في الحالات العاجلة، وأن يتم نقل السجناء الذين يحتاجون إلى علاج أو جراحة متخصصة إلى مؤسسات متخصصة أو إلى مستشفيات مدنية. وهذه القواعد تتحدث عن المعايير الدنيا أي أنها الحد الأدنى للمعاملة الذي يجب اتباعه.
وتضيف أبو الخير لـ"العربي الجديد"، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهود المدنية والسياسية أيضا تنص على حقوق عامة أكثر، ومصر وقعت وصدقت عليها أي أنها أصبحت ملزمة ولها نفس قوة القانون المحلي، لكن في النهاية للأسف هذه الاتفاقيات والمعايير، تُركت للبلدان لتقرير مدى الالتزام أو الأخذ بها من عدمه، دون وقوع عقوبة قانونية على الدول المخالفة، ما يحدث فقط هو التشهير الدولي بعدم احترام ذلك. موضحة، أن هناك جهات عليها مسؤولية دولية لمراقبة أوضاع السجون هي الصليب الأحمر الدولي، ولكن مصر لا تسمح لهم بدخول السجون والتحقق من الالتزامات، ولا يوجد نص يفرض على مصر أو أي دولة حتمية إعطائهم حق التفتيش.
وحول خيار اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية قال وزير العدل الأسبق المستشار أحمد مكي، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، الأمر يستلزم توقيع الدولة على اتفاقية روما، ومصر لم توقع عليها، وكان هناك سعي للتوقيع عليها خلال فترة حكم مرسي، ولكنه لم يتم بعد استقالتي في آذار/ مارس 2013، وتابع موضحا: "لجوء الأفراد إلى المحكمة الجنائية الدولية يحتاج إلى توقيع الدولة التي يُراد مقاضاتها إليها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى إن لم تكن الدولة وقعت على اتفاقية روما فلا بد من استصدار قرار من مجلس الأمن، وصدور قرار من مجلس الأمن يخضع للحسابات السياسية، وهو ما لن يتم"، وفق تقديره.