أثار مشروع قانون متعلق بالعمال المنزليين جدالاً واسعاً في الأوساط الحقوقية المغربية، التي طالبت برفع سنّ العاملات في البيوت إلى 18 عاماً بدلاً من 16 عاماً. وطالبت فدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة بفتح ملف تشغيل القاصرات من جديد، تزامناً مع عرض مشروع القانون على مجلس النواب لمناقشة منع تشغيل الفتيات دون الثامنة عشرة، ووضع حد لظاهرة خادمات البيوت، وحماية الفتيات القاصرات من شغل لا تتوفر فيه شروط العمل اللائق ويُعدّ شكلاً من أشكال العبودية، بالإضافة إلى ضمان حق الفتيات في التعليم والتكوين (التدريب) والصحة وحمايتهن من العنف.
في هذا الإطار، تقول مديرة مؤسسة "إنصاف" للأمهات العازبات، بشرى الغيتاني، لـ"العربي الجديد"، إن "مشروع القانون وعوضاً عن أن يفرض على الفتيات الذهاب إلى المدرسة، يفتح أمامهنّ باب العمل في المنازل في السادسة عشرة". وتضيف أن "ثمّة مؤسسات، منها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) ومجلس حقوق الإنسان وغيرها، طالبت برفع السن إلى 18 عاماً. وما يرمي إليه القانون من حماية لهؤلاء الخادمات القاصرات من العمل الشاق وغيره، يتضارب مع قوانين أخرى تمنع دخول هيئات الرقابة إلى البيوت". وتنتقد الغيتاني البند القانوني الذي يمنح الفتاة في سن 16 عاماً، الأهلية للتوقيع على عقد عملها، قائلة: "الفتاة القاصر غير مؤهلة تماماً لاتخاذ خطوات تتعلق بعقد عملها والتفاوض مع مشغليها".
وكانت "إنصاف"، التي تطالب برفع السن إلى 18 عاماً، قد شددت في بيان لها على ضرورة أن "تضع الحكومة المغربية وتفعّل سياسة لحماية الطفل من كل أشكال الحرمان، وإعطاء طابع إجرامي لاستغلال الأطفال في العمل المنزلي، وتوفير الأحكام والأدوات لانتشال الخادمات القاصرات من البيوت وإعادة تأهيلهن جسدياً ونفسياً في الأسرة والمدرسة، وتنظيم حملات توعوية حول حقوق الطفل".
وقد بيّنت دراسة أعدّتها "إنصاف" أن عدد الخادمات يتراوح ما بين 60 ألفاً و80 ألفاً، تقلّ أعمارهن عن 15 عاماً (30% لم يدخلن التعليم، 49% تخلين عن التعليم) و38% منهن تتراوح أعمارهن ما بين 8 و12 عاماً. وأوضحت أنهنّ بأكثرهن يتحدّرن من أوساط قروية ومن ضواحي المدن، حيث لا يُعمَل بمقتضيات حماية الطفل ولا تحترم في المنازل إلا قليلاً.
ويعتبر هذا المشروع الأول من نوعه في المغرب، إذا لم تكن الحكومة تتوفر على قانون سابق ينظم أجور عمال المنازل ولا أعمارهم ولا عدد ساعاتهم. نظرا لذلك، ناشدت الفيدرالية بإدخال تعديلات على مشروع قانون عمال المنازل، بما يتماشى مع الدستور والتزاما بالمواثيق الدولية الحقوقية فيما يخص حماية حقوق الطفل.
في السياق نفسه، وجّهت الفيدرالية انتقادات للمشروع، إذ يدمج الفتيات والنساء مع فئات أخرى مثل السائقين وعمال البستنة الرجال، مشيرة إلى "اختلاف في العمل ونوعه". ورأت في بيان لها أن مشروع القانون لم يهتم بتوصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمذكرات المطلبية للجمعيات الحقوقية، مشيرة إلى أن الجمعيات الحقوقية رصدت آلاف الخادمات، اللواتي وقعن ضحايا المعاملة القاسية وحالات الاغتصاب والتعذيب، وأن عمل الخادمات شكل من أشكال العبودية مرتبط بالجنس وبالوضعية الدونية للمرأة.
اقرأ أيضاً: أطفال متروكون في طنجة
من جهتها، تقول البرلمانية، رجاء كساب، عن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل في الغرفة الثانية من البرلمان، أن "لا تفسيرات أو تبريرات من جهة الحكومة حول سنّ 16 عاماً المقررة في القانون. وكثيرات هنّ الفتيات القاصرات الآتيات من أسر فقيرة ويتعرضن للانتهاك الجنسي". وتضيف، لـ "العربي الجديد"، أن "المؤسسات الحقوقية والنسوية قدّمت مذكرات اعتراضية واحتجاجية، لكن الحكومة متمسكة بموقفها وهذا أمر غير مقبول بتاتاً. الناس متوتّرون، ولو مرّ هذا القانون ستحلّ الكارثة".
أما محمد خطاب، عضو ائتلاف مناهضة الطفلات القاصرات في العمل المنزلي، فيشدد على "عدم وجود جواب مقنع من الوزير أو الحكومة على تشبّثها به. لقد وجهنا رسالة مفتوحة أخيراً إلى رؤساء الأحزاب لاستنكار ذلك، إذ إنه يتناقض مع الالتزامات الدولية التي وقع عليها المغرب، منها اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية منظمة العمل الدولية التي تميّز بين عمل الأطفال والعمل المنزلي، الذي تعدّه عملاً خطيراً". ويوضح لـ"العربي الجديد" أن العمل على هذا المشروع استأنف منذ عام 2006، مع مسودتين مقترحتين. وحالياً يكتفون بهذا المشروع الذي تناوبت عليه أربع حكومات. وأشار إلى 15 عاماً قبل رفعه إلى 16.
ويرى خطاب أن "الحكومة المغربية غير ملتزمة بالاتفاقيات الدولية، ولم تلتزم بقانون 2000، الذي يلزم الأطفال بالتمدرس. كذلك، فإن هذا القانون لا ينطبق على العمالة الوافدة التي يجب أن لا تقل عن 18 عاماً، وهو ما يعطي إذناً باستغلال الأطفال". ويضيف أن "النقاش حول هذا المشروع متوقف حتى أبريل/ نيسان المقبل، إذ إن معظم البرلمانيين غير موافقين على 16 عاماً".
وعن اللجنة الرقابية، التي استحدثها القانون من أجل متابعة القاصرات وحمايتهن وتنظيم العلاقة التعاقدية وإخضاعهن للفحص الطبي كل ستة أشهر، تقول كسّاب إن هذه "مبررات لتمرير القانون. لدينا في وزارة الصحة والتشغيل مثل هذه اللجان لحماية الأطفال المتروكين والمكفولين، إلّا أنها غير مفعلة. كذلك لدينا اختلالات في قطاع التشغيل الخاص ومواثيق احترام المشغّل للمشغَّل غير موجودة". وتضيف أن "ثمّة نقصاً حاداً في الموارد البشرية لمراقبة هذه الاختلالات، كذلك فإن الرغبة غير موجودة"، مشددة على أن "هذا التشريع انتهاك للطفولة".
تجدر الإشارة إلى أن في أبريل/ نيسان المقبل، يلتئم البرلمان المغربي، لا سيما الغرفة الثانية (مجلس المستشارين) لمناقشة المشروع، على أن يسبق ذلك يوم دراسي تشارك فيه المؤسسات الحقوقية والنسوية للخروج بتعديلات على مشروع القانون. لكن كسّاب لم تشر إلى إمكانية تعديل السن ورفعها إلى 18 عاماً.
على صعيد دولي، كانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) قد طالبت، في بلاغ الحكومة والبرلمان المغربيين، برفع سنّ الأطفال العاملين/ات في المنازل إلى 18 عاماً، وقد عدّت ذلك "أسوأ أشكال تشغيل الأطفال في البيوت التي تنطبق على المستخدمين"، وأن مشروع القانون "لا يتطابق مع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل ومع الاتفاقيتين 138 و182 للمنظمة الدولية للتشغيل، المتعلقتين بتحديد السن الأدنى لدخول العمل وأسوأ أشكال الشغل".
اقرأ أيضاً: زواج القاصرات في طنجة مقبول