القانون الجنائي لا يحمي الدين

29 يونيو 2016

الريسوني: ليس للقانون الجنائي أن يتدّخل في الصوم (أ.ف.ب)

+ الخط -

انضم الفقيه المغربي، أحمد الريسوني، إلى حملة إسقاط فصل في القانون الجنائي المغربي يجرّم الإفطار العلني في رمضان، وقال الريسوني، وهو منظر حركة التوحيد والإصلاح القريبة جدا من حزب العدالة والتنمية الذي يقود الائتلاف الحكومي الحالي في المغرب، في ندوة علمية في الدوحة: "أجد نفسي مع هؤلاء المطالبين بإلغاء الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي، ولو أن نيتهم غير نيتي، وقصدهم غير قصدي. القانون الجنائي لا ينبغي أن يتدّخل في الصوم… لماذا نأخذ المفطر العلني في رمضان إلى مركز الشرطة، ونحقّق معه ونرسله إلى النيابة العامة؟ لماذا هذا العناء غير المجدي؟ الناس يحالون في العبادات على بواطنهم، ثم يأتي بعد ذلك دور المجتمع". 
كيف التقى فقيه ينتمي إلى حركة إسلامية، تحمل على عاتقها نشر نمطٍ من التدين في المجتمع، مع حركات حقوقية ومدنية علمانية، تحمل على كتفها إبعاد الدين عن المجال العام، وإخراج الدولة من مهمة تطبيق أحكام الشريعة؟ ما جعل الاثنين يلتقيان، على ما بينهما من تباعد وتناقض، هو الحرية التي أصبحت قيمة كونية مقدّسة، تفرض نفسها على العلماني والإسلامي.
انتبه الناشط الحقوقي العلماني فؤاد عبد المومني إلى رأي الفقيه الريسوني المتقدّم في المعسكر الإسلامي، الذي يتصور أغلب جنوده أن الدين يحتاج إلى السلطة للدفاع عنه، فقال: "أحيي هذا الموقف الذي عبر عنه أحمد الريسوني. وأظن أن رأيه جزء من تطور المجتمع المغربي نحو مزيدٍ من الانفتاح على الآخر، وقبول الاختلاف، والاعتراف بالحريات الفردية. ليس مطلوباً منا الاتفاق حول المرجعيات، لكن المطلوب هو الاتفاق حول الآليات التي تضمن الحريات".
يعتقد كثيرون أن تجريم الإفطار العلني في رمضان، والحكم على من يشرب أو يأكل في السوق أو المطعم أو الشارع بستة أشهر حبساً وغرامة مالية، أن هذه العقوبات من مقتضيات الدين والشريعة الإسلامية. وهذا خطأ شائع، فليس في الشريعة، ولا في كتب الفقه والنوازل، عقوبة سجنية للمفطر في السر أو العلن، فالمتعارف عليه بين الفقهاء أن النصوص الدينية توجب كفّارةً على المسلم المفطر عمداً في رمضان (صوم ستين يوماً، أو إطعام ستين مسكيناً، أو عتق رقبة)، ولا دخل للدولة في تطبيق هذه الكفارة التي تبقى بين العبد وربه.
الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي قانون وضعي خالص، لا علاقة له بالإسلام. ويعتقد مغاربة كثيرون أن الاستعمار الفرنسي هو الذي أدخله إلى القانون الجنائي أيام الحماية (1912 - 1956) حرصاً على الشعور الديني (للأهالي)، وحتى لا يتسبب في متاعب معهم، واتهام منهم للفرنسي المحتل بأنه يمس طقوس دينهم. المشكل أنه لمّا جاء المشرع المغربي زمن الاستقلال أبقى على هذه العقوبة الحبسية، من أجل فرض سطوة الدولة على الفرد، وجعل القانون الجنائي من أدوات مراقبة المجتمع وتطويقه بالسلطوية.
ليست الدولة المغربية دينية، وهي، في العمق، علمانية، بشكل من الأشكال، لكنها توظف الدين من أجل تركيز طابعها السلطوي في المجتمع، ومحاصرة حريات الأفراد والمجتمعات، حتى لا تتمدّد، وتتجه إلى المنازعة في السلطة، ومساءلة أسس المشروعية السياسية. رأي الفقيه الريسوني المتقدم إزاء الحريات الفردية مؤشر على أن الإسلاميين المغاربة، ومع تجربة إدارة الحكومة الحالية، يُجرون مراجعاتٍ فكرية وأيديولوجية هادئة، تقرّبهم من قيم حقوق الإنسان العالمية وروح مواثيقها، وتبعدهم عن أنماط التدين الشرقي المتشدّد، وما كان هذا الأمر ليتم لو ظل الإسلاميون في السجون أو المنافي، أو مقصيين في قاع المجتمع، ينتجون ثقافة الاحتجاج وفقه التشدّد وأفكار المفاصلة عن المجتمع الذي تخلى عنهم في صراعهم مع الدولة. إحدى فضائل المشاركة السياسية واللعبة الديمقراطية أنها تدفع المشاركين إلى الاعتدال والانفتاح والقبول بالآخر، ومغادرة فقه إرهاق الناس، والتخلص من الخوف المرَضي على الدين.
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.