وكان للتنظيم يد في تأسيس بعض تلك الجماعات الجهادية، ومنها بعض الأحزاب الجهادية في كشمير، وحركة "أوزبكستان الإسلامية"، التي كان لها نفوذ كبير في المناطق القبلية الباكستانية، وكانت تنفّذ عمليات عسكرية في شرق باكستان وغربها وفي شمالها وجنوبها.
وكان تنظيم "القاعدة" هو مَنْ ساهم مالياً في انتعاش قوة هذه الحركة وتأسيسها. كذلك أدى التنظيم دوراً في ما يتعلق بحركة "طالبان باكستان"، التي أُسست في المناطق الحدودية الباكستانية بدعم مالي وبشري من قبل "القاعدة" في عام 2007، وتمكنت من بسط نفوذها في ما بعد إلى كافة أرجاء باكستان بمساعدة القاعدة مالياً.
إذاً، لماذا لجأ "القاعدة" إلى إعلان فرع جديد له في شبه القارة الهندية؟ هل السبب هو الوصول إلى مناطق لم يكن في وسع الحركات، التي ذُكرت من قبل، الوصول إليها، كالهند وبورما وبنغلاديش وغيرها؟ ماذا يميّز فرع "القاعدة" الجديد عن تلك الحركات، والتي ستمكّنه من الوصول إلى تلك المناطق؟ وهل السبب هو ضعف اعتماد "القاعدة" على تلك التنظيمات بعد تعرّض بعضها لانقسامات داخلية، كحركة "طالبان باكستان"، وحركة "أوزبكستان الإسلامية"؟.
يخشى البعض أن يكون الإعلان عن الفرع الجديد جزءاً من الصراع بين "القاعدة" وبين "الدولة الإسلامية"،(داعش)، التي يتزعمها أبو بكر البغدادي، ولا سيما أن الأقاويل قد كثرت في الآونة الأخيرة عن أن "داعش" يهتم بتلك المنطقة، ويرغب في تأسيس فرع له يُعنى بدعم ومساندة المسلمين في دولة خراسان عموماً، وفي شبه القارة الهندية خصوصاً، بل وهناك من يقول إن تنظيم "الدولة" قد أسّس فعلاً فرعاً له منذ فترة، وأجّل الإعلان عنه إلى وقت مناسب.
كما أن قيادياً جهادياً في منطقة الحدود الأفغانية الباكستانية يدعى، زلمي، أعلن أن له علاقة بتنظيم "الدولة الإسلامية"، وأنه يسعى إلى تأسيس فرع جديد له في المنطقة بهدف محاربة الأميركيين وإقامة دولة إسلامية. كذلك تم أخيراً توزيع مجلة في مدينة بيشاور وضواحيها باللغات المحلية تحمل اسم "الفتح". وتدعو هذه المجلة إلى إقامة خلافة إسلامية، وتدّعي تشكيل فرع لـ"داعش" في المنطقة، من دون ذكر أي تفاصيل عن الفرع.
من اللافت أيضاً، أن إعلان فرع "القاعدة" في شبه القارة الهندية جاء بعد أيام من الإعلان عن جماعة جديدة تُسمّى "جماعة الأحرار"، انفصلت عن "طالبان"، وأسسها قياديون في الحركة، من بينهم زعيمها قاسم عمر خراساني.
والجماعة الجديدة تدّعي تطبيق شرع الله في باكستان أولاً، وفي شبه القارة الهندية ثانياً، ثم في العالم أجمع. وقيادات تلك الجماعة معروفة، ولها نفوذ واسع في المناطق القبلية، وفي الأقاليم الباكستانية الأخرى.
وكان زعيم "القاعدة"، أيمن الظواهري، قد أعلن أول من أمس، في تسجيل مصور له بُث على شبكة الإنترنت، أن تأسيس الفرع الجديد يهدف إلى "رفع علم الجهاد في المنطقة، وتحكيم شرع الله فيها".
وسمّى الظواهري الفرع الجديد لـ"القاعدة" باسم جماعة "قاعدة الجهاد في شبه القارة الهندية"، والتي تم تشكيلها نتيجة جهود دامت سنتين، على حد تعبيره. ويتزعم فرع "القاعدة" في المنطقة عاصم عمر، الذي كان معروفاً سابقاً بمسؤول المجلس الفقهي للتنظيم في باكستان، والذي يسمّيه رفاقه بالأمير عاصم عمر. وعيّن التنظيم كذلك، أسامة أحمد، كمتحدث رسمي باسم الفرع.
وأكد الظواهري أن الفرع الجديد لـ"القاعدة" يتبع حركة "طالبان أفغانستان"، وزعيمها الملا عمر المجاهد، الذي يُسمّى بـ"أمير المؤمنين". كما شدد المتحدث الرسمي باسم الفرع، أسامة أحمد، على أن من ضمن أهداف فرع "قاعدة الجهاد في شبه القارة الهندية"، الجهاد ضد الولايات المتحدة والسعي إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في العالم أجمع، ودعم حركة "طالبان أفغانستان".
وتنظيم "القاعدة"، الذي أسّسه أسامة بن لادن في ثمانينيات القرن الماضي، كان يتمتّع بقوة عسكرية في أفغانستان حتى أحداث 11 سبتمبر/أيلول من عام 2001. وبعد الغزو الأميركي لأفغانستان، انتقل التنظيم إلى المناطق الحدودية الباكستانية، وكان يتمتع بعلاقات وطيدة مع الجماعات الجهادية في المنطقة، وفي مقدمتها حركة "طالبان أفغانستان"، بل ساهم في تأسيس جماعات جديدة، منها على سبيل المثال حركة "طالبان باكستان"، وحركة "أزبكستان الإسلامية"، التي شُكّلت من مقاتلين أزبك يقاتلون في صفوف "طالبان". وشكّل التنظيم تهديداً خطيراً على أمن باكستان واستقرارها، ونفّذ عمليات في كافة أرجاء هذا البلد، بالإضافة إلى تجنيد شبان باكستانيين وأفغان في صفوفه. كما كانت له علاقات قوية بالجماعات الجهاية في كشمير.
لكن بعد مقتل بن لادن في عملية عسكرية، نفّذتها قوات أميركية خاصة، في مدينة ايبت آباد الباكستانية في شهر مايو/أيار عام 2011، تغيرت الأمور شيئاً فشيئاً، وبدأ تنظيم "القاعدة" يفقد نفوذه في المنطقة، وساهم في ذلك مقتل قياداته الميدانية في غارات أميركية في المقاطعات القبلية. كما باتت علاقة تنظيم بن لادن بالأحزاب الجهادية تضعف تدريجياً.
من جهة أخرى، تعرضت تلك الحركات لانقسامات داخلية قد تكون سبب فقدان اعتماد "القاعدة" عليها. فحركة "أوزبكستان الإسلامية" لم تعد حركة موحّدة بعد مقتل زعيمها، جمعة خان نمغاني، في غارة أميركية في وزيرستان، بل انقسمت إلى أفرع مختلفة. كذلك هو حال حركة "طالبان" باكستان، التي توزعت إلى ثلاث جماعات رئيسية، هي حركة "طالبان باكستان" التي يتزعمها المولوي فضل الله، "طالبان محسود"، التي يتزعمها خالد محسود، أو المعروف بسيد خان سجنا، و"جماعة الأحرار" التي أُعلنت في شهر أغسطس/آب من العام الحالي.
وبعد تأسيس "جماعة الأحرار"، التي يتزعمها عمر قاسم خراساني، والتي تضمّ قيادات في طالبان كانت لهم علاقات جيدة مع "القاعدة" والجماعات الجهادية المحلية والدولية، كان المراقبون يعتقدون أن الجماعة قد تكون لها صلة بـ"القاعدة" أو بما تنوب عنها، لكن إعلان "القاعدة" عن تأسيس فرع جديد له في المنطقة وضع حداً لتلك الأقاويل، بل أثار مخاوف من أن يكون الإعلان عن "جماعة الأحرار" وإعلان "القاعدة" عن فرع جديد له في المنطقة، بدايةَ صراع بين "القاعدة" و"الدولة الإسلامية"، في منطقة شهدت ولا تزال تشهد أنواعاً من الصراعات المختلفة، ولا سيما أن "جماعة الأحرار" التي انطلقت من الحدود الباكستانية، وتضمّ جماعة "أحرار الهند" السابقة، أعلنت أن هدفها هو تطبيق شرع الله في شبه القارة الهندية وفي العالم أجمع، وهو الهدف نفسه الذي لأجله أعلن "القاعدة" تأسيس فرعه الجديد.
يذكر أن "القاعدة" لم يعد له نشاط علني في المنطقة بعد مقتل بن لادن، سوى في التعليق على بعض الأحداث التي يتعرض لها العالم الإسلامي. لكنه فاجأ العالم بإعلان فرع جديد له في شبه القارة، وسيكون الأهم هنا رد فعل "طالبان باكستان" والحركات الجهادية الأخرى في المنطقة.