القاسمي الأفريقي: تلويحة إلى القارة السمراء

02 أكتوبر 2014
+ الخط -

في خطوة تعتبر تكريماً ومحاولة استعادة لبعض إنجازات الفنان المغربي الراحل محمد القاسمي (1942 ـ 2003)، تنظّم "الشركة المغربية للأدوات والأعمال الفنية" في مركزها في الدار البيضاء، معرضاً استعادياً لمجموعة من الأعمال التصويرية والفوتوغرافية والكتابات الشعرية التي تركها خلفه.

ولهذه الغاية، أعاد القائمون على المعرض ترميم بعض الأعمال التي لحقها التلف، وعرضها تحت عنوان "القاسمي الأفريقي". أعمال تكشف إحدى الانشغالات الفنية التي كانت تسكن وجدان الفنان الراحل، ونقصد علاقته بالجنوب التي استثمر عمقها الإنساني وامتدادها التاريخي في لوحات اعتبرت، وما تزال، لحظة مفصلية وفارقة في مساره الطويل.

إلى ذلك، يضاف أن القاسمي من الفنانين المغاربة القلائل الذين فتحوا جسراً معرفياً بين حقلين إبداعيين، هما الشعر والتشكيل، في محاولة منه للاستفادة من إيقاع اللون، كحافز بصري، ومن شعرية الكلمة، كحافز سمعي، ضمن أفق توسيع هامش الرؤيا لديه وتطعيم تجربته الإبداعية بما تحتاجه من معرفة وخيال. ولعل هذا السفر متعدد الوجهات والخصوصيات هو ما مكّن القاسمي، ليس فقط من الاجتهاد في إبداع صباغة لها مزاياها الخاصة، ولكن أيضاً في إنتاج نصوص تأملية "نظرية"، ذات نفس شعري وفلسفي، حازت مكانة اللوحة المكتوبة.

في رسالة وجّهها إلى القاسمي، وكان ذلك على هامش معرض أقامه في قاعة "نظر" في مدينة الدار البيضاء عام 1975، كتب الناقد المغربي محمد برادة: "تبني عالمك التشكيلي ببطء، حريصاً على أن لا تفلت منك لحظة الألم والبحث والمجابهة التي يعيشها مجتمعنا. ولا شك في أن رؤياك الشعرية لواقع حي، ستسعف الكثيرين من روّاد المستقبل على انتهاك العالم، في انتظار ولادة جديدة من رحم الليل ومن لحم جمال الأرض".

وفي تقديرنا، تختزل هذه الفقرة عالم الفنان وانشغالاته، سواء تعلق الأمر بالجانب التشكيلي والشعري، أو بإسهامه النقدي ـ التنظيري المرافق الذي دأب الراحل على الخوض فيه بجدية وعمق، أو باهتمامه الخاص، على غرار الفنانين الغربيين المجدّدين، في إماطة اللثام عن ذلك السحر الفني الذي كان مدفوناً في الأدغال الأفريقية.

وما يميز أيضاً مسار الفنان الراحل هو اجتهاده، منذ البداية، في خلق تلك العلاقة الصامتة وغير المدّعية بين الفني من جهة، والحقوقي ـ الإنساني من جهة أخرى، الأمر الذي جعل تجربته تحوز قيمة مضافة، من خلال قربها من نبض المجتمع وانشغالاته، دون أن يفقدها هذا القرب قيمتها الجمالية الأصيلة.

لجميع هذه الأسباب، يمكن اعتبار تجربة القاسمي الأفريقية إضافة نوعية للمشهد الفني المغربي والعربي على السواء، وتأكيداً لانتماء صريح إلى القارة السمراء، وبالتالي تجسيراً للمسافة المهملة مع شعوبها وثقافاتها، ومحاولة لفضح علاقة العالم المتحضّر الآثمة وغير العادلة بها.

المساهمون